بعد رحلة بالطائرة استغرقت نحو 12 ساعة وصلت إلى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية ، هذه المدينة التى يحتضنها خليج غينيا على ساحل المحيط الأطلسى. الجزء الذى أعد لاستقبال القمة فى المدينة هو أشبه ما يكون بحديقة مفتوحة ، ومبانى المدينة تحفها الحدائق والأشجار الغناء، وتطل على مياه المحيط الزرقاء، المدينة آمنة وشوارعها نظيفة، ويمكن بغير عناء أن تلاحظ احترام سكانها للقانون وبشاشتهم وترحابهم وحسن استقبالهم للغرباء.
النسق المعمارى لمالابو مازال يحمل بصمات الأوروبيين الذين رحلوا عن هذا البلد فى الستينيات من القرن الماضى، تاركين وراءهم اللغة الإسبانية التى هى اللغة الرسمية لغينيا الاستوائية التى تستضيف هذه الأيام القمة العربية الإفريقية الرابعة، هذا الحدث المهم فى مسيرة العلاقات المشتركة بين الجانبين العربى والإفريقى، اللذين يجب أن نقر بداية بأن هناك صعوبة منهجية فى الحديث عنهما كطرفين أو جهتين للعديد من الأسباب، لعل من أهمها أن عشرا من الدول العربية هى أيضا ـ أفريقية وأن ثلثى العرب هم أفارقة، فضلا عما يربط الكتلتين ـ إن جاز التعبير- من علاقات تاريخية عميقة الجذور تمتد لقرون خلت، وتداخل جغرافى واسع ، وعلاقات إجتماعية وثقافية وإقتصادية وسياسية وكفاح مشترك ضد الاستعمار وضد العنصرية.
والآن هناك تحديات متعاظمة تحتم على الطرفين مزيدا من التعاون والبحث عن صيغة ملائمة للشراكة المجدية بين الطرفين، شراكة تعظم المنافع وتستفيد من الإرث المشترك وتتدارك سلبيات 40 عاما من العمل العربى الافريقى المشترك، الذى انطلق قطاره فى قمة القاهرة التى وضعت أسسه عام 1977، ثم توقف كثيرا إلى أن عاد فى قمة سرت 2010، ليصل إلى قمة الكويت عام 2013، التى منحته دفعة للوصول إلى محطته الحالية بقمة مالابو، المحاصرة الآن بالعديد من التساؤلات، والمحاطة بالعديد من الملابسات والظروف غير الخافية على أحد، والتى ربما تجعل من مجرد انعقاد القمة والإصرار على عقدها من الجانبين العربى والافريقى إنجازا فى حد ذاته، فالعالم العربى الآن تمزقه الحروب والصراعات ومثله إفريقيا ، والعرب والأفارقة الآن فى مهب ريح عاتية، تكاد تقتلع استقرار هذه الدول وأمنها وسيادتها، بفعل التراكمات والانفجارات الداخلية، أو التقاطعات والضغوط والتجاذبات الدولية والإقليمية، أو بفعل تأثير العوامل الداخلية والخارجية معا.
ورغم الأجواء الإيجابية التى أشاعتها قمة مالابو، فلسان حال البعض فى العالم العربى وإفريقيا مازال يتساءل عن جدوى مثل هذا التعاون من الأساس، بينما يذهب البعض من الجانبين إلى انه مجرد أمنيات وأحلام لا تتحول إلى واقع فعلى يلبى مصالح الشعوب من الجانبين،ولا يزال يتخبط البعض فى دياجير اليأس أو التيئيس من علاقة متوازنة مجدية بين العالمين العربى وإفريقيا، بفعل الجهل أو الصور النمطية السلبية التى تبناها عن الآخر أو بفعل تحريض أطراف خارجية معادية لا تريد أن تقوم لهذه العلاقة قائمة لأنها ستكون لغير صالحها، وفى مقدمتها إسرائيل، بينما يريدها آخرون علاقة منفعة واستغلال من اتجاه واحد، فبعض الأفارقة يريدونها علاقة تمويل من الجانب العربى لمشروعاتهم، غير مدركين الظروف الصعبة التى تواجهها الدول العربية بغير استثناء، الدول البترولية وغير البترولية سيان فى ذلك، وربما هذا ما جعل الدول العربية تخشى من إلزام نفسها بتعهدات لا تستطيع الوفاء بها فى ظل الأوضاع الإقتصادية الراهنة، فى حين كانت الدول الإفريقية الاكثر حرصا على وجود خطة زمنية لتنفيذ المشروعات، وفى المقابل تريد بعض الدول العربية تعاون الدول الإفريقية كأمر مفروغ منه، غير مدركة لحجم التنافس والسباق العالمى نحو الشراكة مع أفريقيا. ولا شك أن هذه المواقف المتباينة والأصوات المتعددة تحتاج مزيدا من الحوار والشفافية والمصارحة والمكاشفة، ولقاءات متواصلة مستمرة على كل المستويات، لتأسيس لمزيد من التفاهم ووضع أرضية صلبة لتعاون حقيقى، وليس للقاءات قمة كل بضع سنوات، قد تصبح مناسبة احتفالية، إن لم تؤسس لوضع حقيقى على الأرض. ويبقى أننا سنظل كدول عربية مقصرين جدا فى حق أنفسنا وإخوتنا فى إفريقيا التى يتعاون العالم كله الآن معها، ويعتبرونها القوة الاقتصادية والسياسية والبشرية القادمة، وسنخسر كثيرا إن لم نبذل كل الجهود المطلوبة لدفع وتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية على جميع الأصعدة، وكل تعاون سيصب فى صالحنا فى نهاية المطاف، مهما كانت وعورة الطريق وصعوبته فى كثير من الأحيان، وأعتقد جازمة بأن كل دولار عربى يستثمر فى إفريقيا، وكل وقت أو جهد يبذل على هذا الصعيد سيعود علينا باضعاف ما أنفقنا وبفوائد ومنافع أخرى طائلة غير مرئية , فى وقت أصبح أمن هذين المنطقتين من العالم متداخلا ومركبا ومعقدا بشكل هائل وغير مسبوق، وفى ظل مواجهة محتدمة بينهما وبين الإرهاب الذى بات يضرب أرجاءهما بغير هوادة ولا رحمة، وفى ظل تدخلات خارجية محمومة غير مسبوقة تحاول إعادة عقارب الساعة الاستعمارية إلى الوراء وإن اختلف الشكل والمسميات.
رابط دائم: