رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

كوريا الجنوبية ..انتفاضة الغضب ضد الفساد

> إيمان عارف
مظاهرات كورية جنوبية ضد رئيسة البلاد
الفساد واستغلال النفوذ والاحتيال ثلاثة عناوين تلخص أسباب الأزمة السياسية الحادة التى تشهدها كوريا الجنوبية منذ أسابيع، وتوضح أسباب اصرار الآلاف على الاستمرار فى التظاهر والاحتجاج للمطالبة باستقالة الرئيسة «بارك جون هيو»

التى تنتهى رئاستها عام 2018. الأحداث كلها تتمحور حول صديقة الرئيسة المقربة واسمها «تشوى سون سيل» المعروفة بأنها مستشارتها غير الرسمية، والتى يتم التحقيق معها حاليا بتهمة استغلال صداقتها بالرئيسة لاجبار بعض الشركات الكبرى على دفع هبات لمؤسساتها التى تثير الشبهات وأنها استخدمت هذه الأموال لأغراض شخصية، فضلا عن كونها متهمة بالتدخل فى ادارة شئون الدولة بما فى ذلك تعيين مسئولين كبار.

ومع أن الاتهامات السابقة لا تخص الرئيسة مباشرة فإن ذلك لم يعفيها من المسئولية بل على العكس زاد من حدة الغضب كونها سمحت لشخصية من خارج دوائر الحكم ولا تملك أى مقومات سياسية سوى كونها صديقتها المقربة بأن تكتسب مثل هذا النفوذ الهائل وتستغله لمصلحتها، دون الأخذ فى الاعتبار خطورة ذلك على مستقبلها السياسى ودون التحسب لردود أفعال المواطنين التى بدت غاضبة وحانقة على هذا الوضع الذى اعتبروه بمثابة فضيحة سياسية دفعتهم للنزول للشارع للمطالبة باستقالة الرئيسة التى خانت ثقتهم على حد قول البعض، فى مظاهرات تعد الأضخم منذ عقود حيث قدرت السلطات أعداد المتظاهرين بأنهم ربع مليون شخص بينما قدر المنظمون الأعداد بأنها فاقت المليون متظاهر.

وفى محاولة لاستباق الأحداث ولتهدئة غضب المتظاهرين اعتذرت الرئيسة علانية وكادت أن تبكى أثناء كلمتها التى بثها التليفزيون وأقرت بالمسئولية عن الفضيحة التى تورطت فيها صديقتها المقربة، بل وأقرت بأنها سمحت لها بصياغة بعض خطبها. ولم يقتصر الأمر على الاعتذار العلنى ولكنها اتبعتها باقالة بعض مساعديها مع وعد باجراء تغييرات فى أعضاء مكتبها قريبا ووافقت على التخلى عن بعض سلطاتها التنفيذية، كما اعلن مكتب الرئيسة أنه سيتعاون بشكل كامل مع جهات التحقيق بما فى ذلك تقديم كل الوثائق المطلوبة، وأن الرئيسة سمعت أصوات المواطنين بقدر كبير من الحزن وأنها تدرك خطورة الموقف وتدرس بجدية بالغة حلول للأزمة التزاما بمسئولياتها. ورغم ذلك لم تفلح كل هذه الاجراءات فى التخفيف من غضب الشارع الذى يرى معظمه أن الرئيسة منحت ثقتها لمن لا يستحق وأساءت ادارة الامور ومن ثم خسرت ثقة الكثيرين الذين صدموا من اكتشاف أن هناك شخصا ما وراء الستار يشارك فى الحكم دون موافقة أحد.

وهنا يشير المراقبون إلى أن هذه المظاهرات لم تأت من فراغ أو احتجاجا على مزاعم قد تثبت التحقيقات جديتها أو لا، ولكنها جاءت كرد فعل طبيعى ومتوقع بسبب اتساع دائرة الاتهامات التى أدت إلى التحقيق مع اثنين من مساعدى الرئيسة فى تورطهما فى تسهيل حصول صديقتها على مسودات لخطاباتها، وفى انشاء مؤسستين بقيمة 50 مليار وون –ما يعادل 44 مليون دولار- فى صورة مساهمات من شركات كبرى استفادت منها لاحقا، والأخطر من ذلك ما تردد عن أن الرئيسة شخصيا طلبت من عدد من كبار رجال الأعمال التبرع بملايين الدولارات لتلك المؤسسات. ومع ذلك فان هذه الأزمة الأخيرة ليست السبب الوحيد، فهناك من وجهة نظر هؤلاء حالة عامة من الاحباط والاستياء المتزايد تجاه أداء الرئيسة فى الفترة الماضية فى أكثر من ملف سواء فى معالجة أزمة غرق أكثر من 300 طالب كانوا على متن عبارة عام 2014 وهى حادثة هزت مشاعر المواطنين، أو فى الجدل الدائر حول فرض كتب دراسية تغسل ماضى كوريا الجنوبية فى الحكم الديكتاتورى، أو حتى الاتفاق الذى تم مع اليابان والخاص بقضية «فتيات المتعة» وهن النساء اللاتى أجبرن على الترفيه عن الجنود اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية وهى قضية شائكة وحساسة داخل المجتمع الكورى الجنوبى. وهى ملفات اعتبر كثيرون أن معالجتها لم تكن على المستوى المتوقع، الى أن جاءت الأزمة الأخيرة لتكون السبب فى تفجر هذا الغضب الشعبى الهائل.

وفى الوقت الذى كانت فيه مطالب المتظاهرين واضحة جلية بضرورة استقالة الرئيسة فان المعارضة والسياسيين رغم مشاركة كثير منهم فى المظاهرات لم يطالبوا صراحة بهذا الأمر، ولكنهم بدلا من ذلك طالبوا بتحقيقات كاملة وشفافة، وكانوا أكثر اهتماما فى الدفع نحو الحصول على تنازلات من الرئيسة لنقل بعض صلاحياتها التنفيذية للسلطة التشريعية مثل قبولها أن يختار البرلمان رئيس الوزراء ويكون ترتيبه الثانى بعدها فى الحكم. وهو ما يرجعه المراقبون إلى أن المعارضة ليست واثقة تماما من خطوتها القادمة، فضلا عن أنه من الواضح أنهم لم يستعدوا أو بالأحرى لم يستقروا على شخص بعينه يمكن اعتباره رمزا موحدا تلتف حوله قوى المعارضة ويمكنهم تقديمه كبديل للرئيسة التى تدنت شعبيتها وفقا لبعض الاستطلاعات إلى 5% فقط فى سابقة اعتبرها المراقبون لم تحدث لأى رئيس كورى جنوبى على الاطلاق.

وايا كان الأمر فقد تسببت الأزمة الحالية فى وضع «بارك» أول سيدة تصل لمنصب الرئاسة فى كوريا الجنوبية وابنة الرئيس الذى يعتبره الكثيرون المؤسس لمعجزة بلاده الاقتصادية فى موقف لا تحسد عليه وفرض عليها أن تقاتل لانقاذ مستقبلها السياسى بشتى الطرق وأن تعلن مرارا عن أسفها واستعدادها لاتخاذ كل ما يلزم لتدارك الموقف، وإن كان ذلك لم يخفف حدة الاحتقان حتى الآن انتظارا لردود أفعال الشارع الذى انتفض فى مواجهة فضيحة هزت ثقته فى رئيسته.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق