كانت جلسات مؤتمر الشباب الذى عقد مؤخرًا بشرم الشيخ، وتحديدًا تلك التى خصصت للإعلام كاشفة عما آلت إليه الأوضاع داخل هذا الفضاء، ما يموج به من علل وأوجاع، تمثل ضغوطا متزايدة على الدولة والمجتمع فى آن واحد، فالكل غير راض وكلٍ يحمل الآخر مسئولية الانحدار السحيق الذى وصل إليه الإعلام المصري، الذى بدا أنه استنفد طاقته الإيجابية وتحول لمصدر طاقة سلبية...
و«الأهرام» يفتح هذا الملف الشائك مع الدكتور سامى عبد العزير عميد كلية الإعلام الأسبق وخبير له باع طويل بهذا المجال، من أجل المساهمة بقسط فى هذا المجهود الدافع نحو التغيير الإيجابى لوظيفة الإعلام بكافة وسائطه.
► لماذا وصل الإعلام لهذا الحالة.. بحيث لم يعد أحد راضيا عن أداء وسائطه المتعددة؟
◄ للأسف الشديد الإعلام المصرى يعانى حالة من الفوضي، فبعض الإعلاميين بات لديهم مفهوم خاطئ عن الحريات، فباسم الحرية يعتدون على كل القيم الأخلاقية بما فيها الحريات نفسها، ويستبيحون الأعراض وشرف الناس. وبات نجاح بعض البرامج بما يحققه من مشاهدة وإعلانات بغض النظر عن المحتوي، وأصبح الإعلام بشكله الحالى لا يبنى منظومة قيم، كما أن بعض البرامج تقدم الضيوف بوصفهم باحثين أو خبراء للبحث عن الشهرة والشو الإعلامي.. إضافة إلى أن قيمة عقود بعض الإعلاميين تزداد مع ارتفاع صراخه.
فبعد ثورة 30 يونيو، حصل نوع من أنواع تضخم الذات لبعض القنوات الخاصة والإعلاميين، ما خلق ما يعرف بــ »الزعامات«، وحدث خلط بين العمل المهنى الإعلامي، والعمل السياسى والنشاط الحزبي، وتحول بعض الإعلاميين لنشطاء سياسيين، وخلطوا الأوراق ما بين الإعلامى والصحفى المهني، والزعيم السياسى وقائد الرأى العام، ولابد أن نكون أمناء فالمهنية لا تجتمع مع العمل السياسي، فإما أن تكون مهنيا أو تمارس عملا سياسيا.
► ما الحدود الفاصلة بين الحرية والفوضي؟
◄ الفوضى معناها الاعتداء على كل ما هو مباح، واستباحة كل القيم، تستبيح الأعراض والقانون، والشرف، وفى المقابل الحرية مسئوليتها مناقشة الأداء العام وطبيعة القضايا بلا حدود، وأنا متأكد أن رئيس الدولة يسعد بالحرية التى تقول له أن هذا المشروع مدروس أو غير مدروس أو أن هذا المشروع يمكن أن يكون أكثر نجاحًا إذا ما فعل فيه كذا وكذا.
فنحن لسنا فى حاجة إلى إعلام يهول ولا إعلام يهون، كما اننا لسنا فى حاجة إلى إعلام يزمر ويطبل «إعلام الصوت الواحد»، وإعلام يقلل ويحبط، نحن نحتاج إعلاما يناقش، فالحوار هو أساس بناء المجتمعات، فلا تطور بلا حوار ولا تقدم بلا حوار.
► كيف نقضى على الفوضى الإعلامية؟
◄ الخطوة المنطقية والطبيعية للقضاء على الفوضى الإعلامية، إعمال القانون الذى ما زال غائبا، فيجب أن ينفذ قانون الاعتداء على الحريات الشخصية أو التشهير، فهناك فرق كبير بين أن تنتقد أداء المسئول أو أن تمس شخصه وتخوض فى عرضه، فهناك بعض الأشخاص رفضوا تولى مناصب عامة خوفا من الإعلام كمجرح للكرامة وليس كناقد.
ولكن القانون وحده لا يكفى لمحاربة الفوضى الإعلامية فالالتزام المهنى مطلوب أيضًا، والواعظ الذاتى مطلوب، إضافة إلى دور أكبر للنقابات المهنية الإعلامية، ودور أكبر فى التدريب، فمن يتدرب يتعلم، ومن يتعلم يلتزم ونحن نفتقد ذلك، نفتقد التدريب والتأهيل.
► معنى ذلك أنك تطالب بحبس الصحفى فى قضايا الرأى؟
◄ لا يوجد عاقل يرضى بسجن الرأي، إنما هناك فرق بين الرأى المدعم بالحجج والبراهين العلمية، والإساءة والإهانة للناس، فهناك مساحة واسعة ما بين الرأى والتجريح.
► من وجهة نظرك من يدير الإعلام داخل مصر؟
◄ للأسف ليست هناك مظلة فكرية أو قانونية أو حتى تنظيمية تحكم الأداء الإعلامى فى مصر، والإعلام أصبح صناعة والقنوات الخاصة يمتلكها رجال الأعمال، وتأثيرها أصبح أعلى من تأثير الإعلام القومي، لأن الإعلام القومى لم يجدد نفسه، ولم يحصل على الدعم الحقيقى الذى يستحقه.
► ومن الذى يحرك الرأى العام؟
◄ بصراحة الذى يوجه الرأى العام دوافع شخصية وأجندات خاصة، فبعيداً عن افتراض سوء النية من قرر أن يدير إعلامه تجارياً فمن المؤكد أجندته معروفة، وستظل قيمه معروفة وهى البحث عن الإثارة والقضايا التى تثير الجدل والابتعاد عن القضايا الجادة، وإن اقترب منها يقترب منها بشكل سطحى وبشكل جاف، وعلى الجانب الآخر الإعلام الوطنى يناقش القضايا العامة بطريقة منفرة ومؤقتة، وليس لديه سياسة النفس طويل.
► هل أنت مع امتلاك رجال الأعمال لوسائط الإعلام؟
◄ فى البداية يجب أن نفرق بين التنافسية والملكية والاحتكار، وأنا ضد الاحتكار بكل صوره، فهو للأسف يجعل الفساد يزداد داخل المجتمع، وأخطر أنواعه، الاحتكار الإعلامي، الذى يمكن توصيفه بأن تكون لدى شخص مجموعة قنوات فضائية، ولو ترك الاحتكار لفترة طويلة لن تجد هناك تنافسية أو تعددية، كما أن الاحتكار فى الإعلام يشكل المزاج العام، وهذا يؤكد ضرورة الإسراع بظهور المجلس الوطنى للإعلام حتى ينظم ويحدد نسبة الملكية ويحدد نسبة الفصل بين الملكية و الإدارة.
► هل أنت مع دعم الدولة للإعلام الرسمي؟
◄ لا يوجد بلد فى العالم ليس لديه إعلام الخدمة العامة »إعلام الدولة«، فليست هناك دولة ليس لها لسان حال يعبر عنها، سواء يعبر عنها كوسيط، بين الدولة والمجتمع أو بين الدولة والعالم الخارجي، ونحن تأخرنا كثيرًاً ومازلنا متأخرين فى دعم الإعلام الوطنى والإعلام القومي، سواء كان ماسبيرو أو كانت الصحف القومية، تأخرنا مع إن المشكلات معروفة والحلول موجودة وسبب التأخر دائماً إرادة اتخاذ القرار.
► روشتة علاج ماسبيرو؟
◄ النهوض بماسبيرو يتطلب اتخاذ قرارين متلازمين: الأول، إعادة توزيع العمالة المترهلة التى ليس لها صلة بالعمل الإعلامى المباشر والتى تمثل عبئا عليه. والثاني، أن تأخذ الدولة قرارًا حاسمًا بإسقاط الديون التى على كاهل المبني، حتى نستطيع أن نحرره من القيود التى عليه. كما أننا فى حاجة لإعادة النظر بالقنوات الإقليمية من حيث توجهاتها ودعمها حتى يكون لها وجود حقيقي، فهل نحن بحاجة إلى العدد الرهيب من القنوات الإقليمية
► البعض يرى أن أزمة ماسبيرو تكمن فى عدم وجود رأس للمؤسسة ويطالبون بعودة وزير إعلام؟
◄ وزير الإعلام لن يحل المشكلة، وزير الإعلام قد يكون مطلوبا لفترة مؤقتة لضبط العلاقة بين الأجهزة الإعلامية لكى يساهم بشكل أو بآخر فى وضع أجندة أو منظومة الإعلام ككل، وماسبيرو سيظل بالوضع الحالى طالما أن مجلس الأمناء جدول أعماله عبارة عن قرارات إدارية، فقط ولم يستوعب قضايا المجتمع ويضع أجندة لهذا الجهاز.
► هل تعتقد أن المجلس الوطنى للإعلام سيكون بديلا لوزير الإعلام؟
◄ بكل تأكيد لأن مجلس الإعلام الوطنى سيكون ضمير هذا المجتمع، خاصة أنه سيكون عبارة عن مجلس يضم قطاعات الدولة كلها المدنية وغير المدنية لكى يضع قواعد للممارسة، والمحاسبة لضمان عدم الخروج عن الإطار العام وقيم المجتمع ككل.
► كيف نؤمن عدم سيطرة فصيل على تشكيل المجلس الوطنى للإعلام مثلما هو حاصل الآن؟
◄ فى البداية، لابد أن نضع المعايير التى سيتم على أساسها اختيار الأشخاص وليس العكس، بمعنى ألا نفصل الأشخاص على المعايير، ومن أهم تلك المعايير أن يمثل المجلس كل تيارات المجتمع الفكرية، وألا يكون العضو منتمياً لتنظيم مهنى خاص أو عام، وأن يمثل المجتمع المدني، وأن تكون لديه خبرة فى العمل الإعلامي.
► هل استطاع الإعلام المصرى أن يتعامل مع الملفات الخارجية بمهنية؟
◄ للأسف بعض الإعلاميين ساهموا فى تشويه صورة مصر أمام العالم، وتسببوا فى إحراج الدولة المصرية بسبب تعاملهم مع الملفات الخارجية بشكل غير لائق وتنصيب أنفسهم صناع قرار، ومن ثم فقدت مصر علاقتها بدول بسبب الإعلام وادعاء الوطنية الزائدة من قبل البعض، فمشكلة بعض الإعلاميين أنهم يفترضون سيناريوهات لا تستند لحقائق ولا معلومات، ويسهمون فى قطع العلاقات مع بعض الدول نتيجة الأداء المهنى المنحرف، أو غير الرشيد.
► ولكن البعض يرجع ذلك لعدم الحصول على المعلومات الصحيحة؟
◄ تأخر أو غياب أو عدم اكتمال المعلومة فى مقابل الرغبة فى التسرع والانفراد، يؤدى إلى كوارث، وهذا يجعلنا نطالب بالإسراع بقانون حرية تداول المعلومات، فمن حق الصحفى أو الإعلامى أن تكون المعلومات متاحة له طالما لا تمس الأمن القومى أو القوات المسلحة، فهذا القانون سيحل جزءًا كبيرًا من الفوضى الإعلامية، والمشكلة الحقيقية أن غياب المعلومات جزء كبير منه يرجع لضعف أجهزة الإعلام داخل مؤسسات الدولة.
► ما هى الكيفية التى يمكن بها مواجهة إعلام المنظمات المتطرفة؟
◄ لا المنع ولا الردع ولا القانون هما آليات مناسبة لتحقيق تلك المواجهة، أو منع تأثير أى إعلام مضاد، الفكر لا يعامل إلا بفكر و الإبداع لا يحارب إلا بإبداع.
► من وجهة نظرك هل تفرض الدولة قيودا على إدارة الإعلام ؟
◄ لا يوجد قيود على الإعلام بمصر، وهذا معناه أننى لست فى حاجة أن أشاغب ولكن نحن فى حاجة أن نحارب، محتاج أن تجاهد بالإعلام لأن مصر حالياً بمنتهى الأمانة بحالة حرب، بكل مفاهيم الحروب سواء كانت حربا اقتصادية، أو حربا إعلامية أو »حربا فيسبوكية«، أليس هذا داعياً أن يكون الإعلام على قلب رجل واحد، ولو حتى لفترة زمنية تكون الأجندة واحدة، حتى نعبر بهذه البلد تلك الفترة الحرجة من تاريخها السياسي.
► كيف ترى مواقع التواصل الاجتماعى الآن؟
◄ مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت لاعبا أساسيا فى تشكيل الرأى العام، والتردد فى التعامل مع فوضى هذه المواقع ستجعلها أكثر شراسة، فالعالم كله الآن بعد أن اكتشف خطورة هذه الساحة المفتوحة على قيم المجتمع وأمنه القومى أصبحت تضع له قواعد منظمة، ونحن لدينا تخوف وتردد أن يقال إننا ضد الحريات، حينما تضع قانونا يمنع موقعا ما أو صفحة ما من أن تعتدى على السيرة الذاتية لشخص أو على شرفه وعرضه.
► هل ممكن اعتبار مواقع التواصل الاجتماعى ضمن الوسائل الإعلامية ويطبق عليها نفس قوانين الإعلام؟
◄ أؤيد ذلك، وهذا ليس بدعة فألمانيا وروسيا والكويت والسعودية فعلت ذلك، وهذا ليس من باب تقييد الحريات، ولكن عندما نضع تنظيما لهذه المواقع سنضمن أنها ستكون مهنية، ولكن يجب عدم التدخل فى الصفحات الشخصية إلا فى حالة واحدة إذا اعتديت على شرف أو عرض أو شهرت بشخص.
► بالنسبة للإعلام الالكتروني.. هل أنت مع تقنينه؟
◄ أنا مع تنظيم المواقع الإلكترونية، وتقنينها ووضع أصول لها، وفى نفس الوقت أسعى للتنافس معها والتفوق عليها بمضمون جذاب ومحتوى مختلف.
► وكيف سيتم التعامل مع المواقع التى تصدر من الخارج وتهدد الأمن القومى لمصر؟
◄ أنا مع استخدم عصى القانون الغليظة مع كل من يقترب من قيم المجتمع، ويهدد الأمن القومى لمصر.
رابط دائم: