رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مع اقتراب موعد الاقتراع الرئاسى فى أمريكا .. الأهرام يبحث :
كيف تتم صناعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟

يسرا الشرقاوي
مع حلول الانتخابات الرئاسة الأمريكية واحتدام التوتر حول الفرص الحقيقية لفوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب بأجندته القائمة أساسا على العزلة السياسة والاقتصادية، فضلا عن سياسات العنصرية ضد الأقليات العرقية والدينية، عقدت مؤسسة الأهرام الصحفية ندوة بحضور الكاتب الصحفى وخبير الشئون الأمريكية الأستاذ عاطف الغمري، الذى ناقش مع محررى أقسام الشئون الخارجية آليات وضع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، موضحا مراكز القوى الفعلية التى توجه هذه السياسات والمدارس الفكرية المهيمنة عليها، نافيا أن يكون لترامب أو غيره الكلمة الأخيرة فى توجهات أمريكا خلال السنوات الأربع المقبلة.

...............................................................

أشار الغمرى فى مستهل الندوة إلى أن خير توصيف لفهم وتقريب حقيقة العملية المعقدة والمتبعة لإدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يتمثل وصف وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق والسياسى البارز هنرى كيسينجر، لتلك العملية بأنها تشبه « المصارعة الحرة أيام الرومان»، فى إشارة لطقوسها القتالية عالية الإحتراف، والتى تعتمد على مهارات الأطراف المقاتلة فى المراوغة وثبات توجيه الضربات القاضية، بالإضافة إلى ضرورة إنتهاء المواجهات إلى نتائج حاسمة بفوز أحد الأطراف دون الأخر، وفى الأغلب سقوط ومقتل الأخر الذى تلقى الهزيمة.

وأوضح الغمرى أن ذلك التوصيف يعكس احتدام المصالح وتزاحم الضغوط التى توجه عملية صناعة القرار الأمريكي، سواء على الصعيد السياسى الداخلى أو الخارجي. وأشار إلى أنه فى سياق هذه العملية الصاخبة، لا يزيد دور الرئيس الأمريكى بمحدوديته على كونه « تاجرا فى أحد الأسواق»، يحمل ميزانا لقياس الضغوط وثقل الأطراف المختلفة والمعنية بالقرار. وأشار الكاتب المصرى إلى أن العرب فى هذا المثال، يعتبرون خارج أسوار السوق تماما، مما يعكس غيابهم عن عملية توازن القوى وإدارة الضغوط الموجهة للسياسة الخارجية الأمريكية.

القوى السبع الموجهة:

ويمكن تحديد القوى الفعلية والمؤثرة فى عملية صناعة السياسة الخارجية الأمريكية، وفقا للغمري، بسبع قوى أساسية. يأتى شاغر منصب الرئيس الأمريكى كأول وأحد هذه القوى السبع، وذلك بموجب صلاحياته. ويعتبر الكونجرس، ثانى القوى السبع، لكونه شريكا أساسيا فى عملية اتخاذ القرار داخليا وخارجيا بموجب الدستور الأمريكي. وتتمثل القوة الثالثة فيما يعرف بمراكز الأبحاث السياسية أو الــــ Think Tanks ، والتى تضم النخبة المؤثرة فى السياق السياسى الأمريكي.

وأوضح الغمرى فى سياق عرضه، أن مراكز الأبحاث بمثابة «مصانع السياسة الخارجية الأمريكية» وأن العلاقة بينها وبين القوة التنفيذية متمثلة فى البيت الأبيض، تشبه مجازا بالـــ «الباب الدوار»، فى علاقة تأثير متبادل ومتداخل بين الجانبين. فيتم عادة تشكيل هيئات وعناصر هذه المراكز من قيادات سابقة أوعناصر متنفذة رفيعة المستوى داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فيما تعتبر الإصدارات والتوصيات السياسية الصادرة عن هذه المراكز، موجها أساسيا لقرارات الإدارة الأمريكية وعملية السياسة الخارجية إجمالا. ويلاحظ، وفقا لما أوضحه الغمري، أن حضور الندوات والحلقات النقاشية التى تعقدها هذه المراكز بشكل دوري، يشارك فيها وبانتظام كبار قيادات المؤسسات الأمريكية المختلفة للإطلاع على جديد المنتج الفكرى لهذه المراكز.

وضرب الغمرى مثلين رئيسيين لعلاقة « الباب الدوار»، مشيرا إلى إصدار أحد مراكز الأبحاث السياسية الأمريكية تصورا حول كيفية حل النزاع بين مصر وإسرائيل، وذلك قبيل تولى الرئيس جيمس كارتر. وقام التصور فى حينها على إجراء مفاوضات مغلقة ومطولة فى مكان بعيد عن تأثيرات الإعلام والعناصر الثانوية فى القضية، على أن تتم هذه المفاوضات برعاية أمريكية ولا تنتهى إلا بالتوصل إلى إتفاق محدد. وقد تم ترجمة المقترح إلى ما كان من مفاوضات « كامب ديفيد» واتفاقها لاحقا. واستعرض الغمرى فى مثال أخر، وضع كيسنجر، وقت كان باحث شاب وقبل دخوله مضمار السياسة الأمريكية رسميا، ورقة بحثية تناقش سياسة جديدة لإدارة المشروع النووى إزاء الإتحاد السوفيتي، وقد تم تبنى هذا التصور لاحقا فى عهد الرئيس دوايت ديفيد ايزنهاور( تولى من 1948 وحتى 1953)، فيما عرف بسياسة « الردع النووي». ويحدد الغمرى كيانات المصالح بمثابة القوة الرابعة، والتى تتشكل من إمبراطوريات اقتصادية كبرى وتلعب دور كبير فى اختيار المرشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية، خاصة أن الاقتصاد يعد من الوجهات الرئيسية لعملية صناعة القرار السياسي. وكقوة خامسة، يأتى ما يعرف بتجمعات أو لوبيهات الضغط، ويلاحظ تطور نفوذ هذه اللوبيهات والتى أصبحت تجد وسائل أكثر فاعلية للضغط على مجريات السياسة الأمريكية من خارج حدود الولايات المتحدة ـ فيلاحظ مثلا دور مؤسسة هنرى كيسينجر كوسيط للضغط فى المحيط المحلى الأمريكى لصالح الصين وثلاث دول أخرى فى أمريكا اللاتينية، وذلك فيما يخص بعض السياسات.

ثنائية الإعلام والرأى العام:

وردا على سؤال حول مدى تأثير الإعلام، بوصفه المصنف كسادس القوى الموجهة لعملية صناعة السياسة الخارجية الأمريكية، أوضح الغمرى أن المؤسسات الإعلامية الأمريكية تضم نخبة بارعة ومتفوقة، وأنها ذات تأثير قوى على صعيدين: النخبة الحاكمة من جانب، والرأى العام الأمريكى من جانب آخر، ويتضح التأثير فيما يخص الصعيد الأخير تحديدا، بدراسة ارتباط تشكيل الرأى العام الأمريكى و تأثير القنوات الفضائية تحديدا دونا عن باقى المنصات الإعلامية. وأشار إلى أن بعض المنافذ الإعلامية تنجح فى تمييز ذاتها عن بعض حالات الإجماع التى يلتزم بها الإعلام الأمريكى فيما يخص قضايا بعينها.

واستعرض الغمرى تجربته خلال سنوات عمله كمراسل للأهرام فى الولايات المتحدة الأمريكية، من منتصف التسعينيات وحتى عام 2000، موضحا أنه كان متابع منتبها لإصدارات الإعلام التقليدي، بالإضافة إلى إصدارات استثنائية مثل، The National Interest، و The Counter Bunch ، وThe Nation. وتعمل هذه الإصدارات تحديدا، وفقا لخبرة مراسل الأهرام السابق، على طرح مقاربة مغايرة لعدد كبير من القضايا الأمريكية الداخلية، بالإضافة إلى تقديم شرح أفضل لديناميكية العلاقات القائمة بين المؤسسات والأحزاب السياسية فى الولايات المتحدة.

وتناولت منصات الإعلام الموازية خلال فترة التسعينيات عددا من القصص الصحفية التى لم تكن تحظى بقدر من النشر والاهتمام عبر المنصات التقليدية، رغم أهمية دلالاتها بالنسبة لمسار السياسة الخارجية الأمريكية. فتبرز، مثلا، واقعة زيارة كوفى آنان، آمين عام الأمم المتحدة أنذاك لواشنطن لإجراء مفاوضات حول تأخر الإدارة الأمريكية عن تسديد مخصصات للمنظمة الدولية بقيمة 1.5 مليار دولار، تم حجبها اعتراضا على استمرار الآمين العام الأسبق مصرى الجنسية بطرس غالي، فى منصبه. وألتقى آنان وقتها بقيادات لجنة العلاقات الخارجية فى الكونجرس، والذين طالبوا آنان بشكل مباشر، بأن تكون سياسات الأمم المتحدة انعكاسا لسياسات واشنطن.

وتناولت المنصات الإعلامية الموازية، خلال الحقبة ذاتها، تفاصيل استخدام اللوبى اليهودى والإسرائيلى للمتدربة الأشهر مونيكا لوينسكي، التى ينتمى والدها سياسيا إلى حزب الليكود الإسرائيلي، فى الإيقاع بالرئيس الديمقراطى بيل كلينتون وتقليب الرأى العام الأمريكى ضده. أشارت تقارير الصحافة الموازية وقتها إلى التزامن الدقيق بين بدء الكشف عن تفاصيل فضيحة « مونيكا جيت»، وإعلان إدارة كلينتون عن خطة متكاملة لحل القضية الفلسطينية، مما أجهض الخطة فى مهدها وحال دون إعلانها، وعكس بعض الملابسات أنذاك، إطلاع إسرائيلي، على مستوى رفيع، بتفاصيل «مونيكا جيت» وتطوراتها بالنسبة لمصداقية كلينتون وإدارته.

وردا على سؤال من الحضور حول الإعتقاد السائد بأن الرأى العام الأمريكى لا تأثير فعال له. أوضح الغمرى أن إرتفاع أسهم المرشح الجمهورى دونالد ترامب، يعد من أبرز وأهم أمثلة فاعلية القوة السابعة والمتمثلة فى الرأى العام. وأشار أن مساندة ترامب تعكس تمردا وسخطا شعبيا واسعا إزاء النخبة التقليدية فى السياسة الأمريكية، وإحساسهم بتراجع النفوذ الأمريكى خاصة فى مرحلة أوباما وما بعد جورج بوش الابن، وهو النفوذ الذى ينشده الأمريكيون ولكن بدون تدخل عسكرى وسياسى واسع النطاق خارج حدود الولايات المتحدة. ويعد رسوخ دور المؤسسات فى الحياة السياسية الأمريكية بمثابة عنصر التوازن والتحجيم إزاء التبعات السلبية فى حالة تطور حالة السخط إلى دعم إنتخابى فعلى واختيار ترامب رسميا رئيسا للولايات المتحدة.

الإخوان والباب الخلفى للسياسة الأمريكية:

يتطلب الفهم الأعمق للسياسة الخارجية الأمريكية، إدراك وجود « وجهة رسمية» و « باب خلفي» فى عملية إدارة هذه السياسة. ويوضح الغمرى أن الوجهة الرسمية تتمثل فى نشاط وزارة الخارجية والدبلوماسية الأمريكية، فيما تقوم أجهزة المخابرات الأمريكية فى التطبيق الفعلى والميدانى للسياسة الخارجية عبر «الباب الخلفي» وغير المعترف به رسميا. وتتضمن ممارسات « الباب الخلفي» ما عرف من أدوات التدخل الأمريكى غير المباشر من تدبير إنقلابات عسكرية، وإشعال نزاعات وحروب أهلية أو إقليمية، بالإضافة إلى لعب دور محورى فى تسليح النزاعات.

وبلغت ذروة ممارسات « الباب الخلفي»، وفقا للغمري، فى عهد الرئيس جيرهارد فورد، حيث جرت مناقشة فى الكونجرس حول تجاوزات المخابرات الأمريكية فى هذا الشأن، وصدر قرار عن إدارة فورد بوقف عامل «المؤامرة» فى توجيه السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما أقره الرئيس رونالد ريجان. عاد مبدأ « المؤامرة» ودور» الباب الخلفي» إلى أشده فى عهد الرئيس الجمهورى جورج بوش الابن، خاصة فى أعقاب هجمات الحادى عشر من سبتمبر. ومازال قائما فى عهد الإدارة الديمقراطية لباراك أوباما.

تقدم الغمرى بشرح الروابط الوثيقة بين سياسة « الباب الخلفي»، من جانب، وتحولات ما يعرف بـــ « الربيع العربي» وصعود أسهم حركة الإخوان خاصة فى النموذج المصري، من جانب آخر. وكيف حاولت الولايات المتحدة توظيف « الإخوان « كوكيل لفرض الهيمنة وإدارة الشئون الداخلية لدول الشرق الأوسط. يمكن تتبع بداية مخطط أمريكى لتغيير واسع النطاق وسريع يتسم بالعنف على صعيد الشرق الأوسط، فى أدبيات مايكل ليدين، المستشار السابق لمجلس الأمن الأمريكى ووزارتى الدفاع والخارجية الأمريكيتين، وما ورد عن « مشروع العشر سنوات» و «التدمير الخلاق» فى نطاق الدول العربية باستخدام المؤسسات والوكلاء الأمريكيين فى الداخل العربي. وتكرر الطرح ذاته من خلال الجنرال ويسلى كلارك، الذى خاض سباق ترشيح الحزب الديمقراطي، فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2004، وكتابه المعنون «الحروب الحديثة» والذى تحدث فيه عن توجه لنقل التجربة الأمريكية فى العراق إلى حوالى سبع دول عربية أخري.

وحول الشأن المصرى تحديدا، أوضح الغمري، أن دراسة أجريت عام 2010 بطلب من إدارة أوباما حول استشراف الأتى على الصعيد المصري، وانتهت الدراسة إلى أن هناك ثورة أو حملة عصيان ستقع بشكل عاجل غير آجل ضد النظام الحاكم أنذاك. ولعبت السفارة الأمريكية، وفقا للغمري، دورا فى دعوة عدد من الشباب المصرى والذين حضروا مع وفود شابة من عدة دول أخرى حول العالم مثل صربيا، تجمعا للتدريب على مهارات مثل إطلاق المظاهرات وحشد الدعم الشعبى لها. لكن مجريات الأمور المصرية تطورت إلى ما خالف التقديرات الأمريكية، بوقوع ثورة هائلة بمشاركة مئات الآلاف وانتهت إلى إسقاط سريع لنظام محمد حسنى مبارك. وعلى سبيل الحل وإنقاذا للموقف، طرحت الرؤية الأمريكية عند هذه المرحلة، فكرة «اختطاف الثورة المصرية» وتسليمها إلى تيار الإخوان. ويلاحظ وفقا لإفادة الغمرى أن وصول الإخوان للحكم فى مصر كان ضمن خطة مقصودة من جانب إدارة أوباما لتمكين الحركة من حكم دول المنطقة وليس مصر منفردة.

وردا على سؤال حول دور الإخوان كوكيل جديد للولايات المتحدة فى المنطقة؟ أوضح الغمرى أن تشكيل علاقة الوكيل بين الولايات المتحدة والإخوان قديمة تسبق مرحلة الربيع العربى والثورة المصرية وإن تم تفعيلها بقوة عقب أحداث يناير 2011. وأشار إلى ما توضحه وثائق البيت الأبيض عن أن إعداد الوكيل الاخوانى شهد تفعيلا لسياسة الباب الخلفى الأمريكي، حيث تجرى الاتصالات بقيادات التنظيم من أيام حسن البنا وترجع فى الأساس إلى عهد الرئيس أيزنهاور. فدعت حكومة أيزنهاور عام 1953 الجماعات والتنظيمات الإسلامية لحضور مؤتمر تثقيفى حول العلاقات مع الولايات المتحدة، إدراكا للطموح الواسع من جانب هذه الجماعات وقدراتها فى توجيه الرأى العام العربي. وكان قد مثل الإخوان فى المؤتمر، سعيد رمضان، زوج أبنة حسن البنا، ليصبح من وقتها عميلا رسميا للمخابرات الأمريكية.

وأشار الغمرى إلى أن هناك انقساما واضحا بين عناصر النخبة الموجهة للسياسة الخارجية الأمريكية حاليا، مقابل ما كان يتردد قديما عن أن قوة السياسة الأمريكية فى توافق عناصرها ومؤسساتها. ويرجع الانقسام فى الأساس إلى تحولات المشهد العالمي، وحقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد القوة الوحيدة والمهيمنة دوليا. فهناك تيار الإنكار للتحولات العالمية الجارية، مقابل تيار الدعوة للتعامل مع التعددية القطبية حول العالم بشكل أكثر إيجابية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق