رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

القومية‭ ‬بين‭ ‬الإخوان‭ ‬والناصرية

د‭ ‬. خلف‭ ‬عبدالعظيم‭ ‬الميرى
د. خلف عبدالعظيم الميرى
يحار‭ ‬المرء‭ ‬حين‭ ‬يكتب‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلي‭ ‬موضوعات‭ ‬وشروحات‭ ‬كثيرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬ذات‭ ‬جدليات‭ ‬شائكة،‭ ‬ولذا‭ ‬سنحاول‭ ‬الإلمام‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ولوفي‭ ‬إيجاز،‭

‬فإن‭ ‬موضوع‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬تناولته‭ ‬دراسات‭ ‬تاريخية‭ ‬وسياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وفلسفية‭ ‬وغيرها‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬مجاله‭ ‬،‭ ‬والشىء ‬ذاته‭ ‬عند‭ ‬الإبحار‭ ‬لمحاولة‭ ‬فهم‭ ‬تاريخ‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬والعلاقة‭ ‬مع‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬وتفصيلات‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو1952،‭ ‬والرؤي‭ ‬القومية‭ ‬إبان‭ ‬الفترة‭ ‬الناصرية‭.‬

علي‭ أى ‬حال‭ ‬فإن‭ ‬انتماءات‭ ‬وأفكار‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬اتفقت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجوانب،‭ ‬وتباينت‭ ‬علي‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬أخري‭ ‬إلي‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬ومنها‭ ‬نظرة‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬إلي‭ ‬مفهوم‭ ‬القومية،‭ ‬وإن‭ ‬ارتبطت‭ ‬بهذا‭ ‬المفهوم‭ ‬تفصيلات‭ ‬أخري‭ ‬منها‭ ‬مفاهيم‭ ‬الوطن‭ ‬والوطنية،‭ ‬الدولة‭ ‬والأمة،‭ ‬وماهية‭ ‬الفيدرالية‭ ‬والكونفيدرالية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الفترة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬مصر‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬إبان‭ ‬الخضوع‭ ‬للاستعمار‭ ‬وظروف‭ ‬التبعية‭ ‬والحماية‭ ‬والاحتلال،‭ ‬والتطلع‭ ‬إلي‭ ‬الاستقلال‭.‬

علي‭ ‬أية‭ ‬حال‭ ‬فإن‭ ‬تتبع‭ ‬طرفي‭ ‬المقارنة‭ ‬يعبران‭ ‬عن‭ ‬إطار‭ ‬أيديولوجي،‭ ‬ولكن‭ ‬الفارق‭ ‬بينهما‭ ‬كبير،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬المنطلقات‭ ‬الناصرية‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬واقعية،‭ ‬تعتمد‭ ‬بالأساس‭ ‬علي‭ ‬تأسيس‭ ‬مصر‭ ‬الدولة‭ ‬أولا؛‭ ‬حتي‭ ‬تُصبح‭ ‬ركيزة‭ ‬قوية‭ ‬لدعم‭ ‬بناء‭ ‬وتطور‭ ‬الأمة،‭ ‬علي‭ ‬أمل‭ ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬القطرية‭ ‬ثم‭ ‬تتسع‭ ‬تباعا،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬النجاح‭ ‬والفشل،‭ ‬فإنه‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬دعم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ومساعدتها‭ ‬علي‭ ‬نيل‭ ‬استقلالها،‭ ‬ومساعدة‭ ‬المستقلة‭ ‬علي‭ ‬تطوير‭ ‬أحوالها،‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬وثقافيا‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬واضحا‭ ‬لتحقيق‭ ‬مفهوم‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭.‬

بينما‭ ‬جاءت‭ ‬الرؤية‭ ‬الإخوانية‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬فكرة‭ ‬الوطن‭/ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هلامي،‭ ‬علي‭ ‬أمل‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الكبري‭ ‬غير‭ ‬الواقعية،‭ ‬علي‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والدولة‭ ‬الأموية،‭ ‬وعلي‭ ‬أساس‭ ‬إمكانية‭ ‬اتخاذ‭ ‬كل‭ ‬فرع‭ ‬من‭ ‬مكاتبها‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬الدول‭ ‬ركيزة‭ ‬لتأسيس‭ ‬مكونات‭ ‬الأمة،‭ ‬وعلي‭ ‬أساس‭ ‬إذابة‭ ‬خصوصيات‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدول؛‭ ‬والإطاحة‭ ‬بحكوماتها؛‭ ‬وتأسيس‭ ‬حكومة‭ ‬عالمية،‭ ‬لها‭ ‬حاكمها‭ ‬ومرشدها‭ ‬العام،‭ ‬متناسين‭ ‬تغيرات‭ ‬الأزمنة‭ ‬والأمكنة،‭ ‬ورسوخ‭ ‬القوميات‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التطورات‭ ‬العالمية‭ ‬وصراعات‭ ‬المصالح‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬القوي،‭ ‬وإن‭ ‬طرح‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬قد‭ ‬تستقطب‭ ‬العامة‭ ‬علي‭ ‬أسس‭ ‬غير‭ ‬واقعية،‭ ‬أو‭ ‬تتحقق‭ ‬في‭ ‬أسمي‭ ‬حالاتها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأطر‭ ‬الكونفيدرالية‭.‬

وقد‭ ‬كانت‭ ‬الولاءات‭ ‬الدينية‭ ‬والقومية،‭ ‬منطلقات‭ ‬أساسية،‭ ‬اختلفت‭ ‬لدي‭ ‬كل‭ ‬منهم،‭ ‬وليس‭ ‬معني‭ ‬ذلك‭ ‬نفي‭ ‬أو‭ ‬انتفاء‭ ‬الوجود‭ ‬الكلي‭ ‬لأحد‭ ‬العنصرين‭ ‬لدي‭ ‬الآخر‭ ‬فعبدالناصر‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬الوازع‭ ‬الديني‭ ‬ولكن‭ ‬غلبت‭ ‬عليهم‭ ‬التنشئة‭ ‬العسكرية،‭ ‬والبنا‭ ‬وجماعته‭ ‬غلبت‭ ‬عليه‭ ‬الولاءات‭ ‬الدينية،‭ ‬ولا‭ ‬ننسي‭ ‬أن‭ ‬ظروف‭ ‬الفترة‭ ‬كانت‭ ‬شيئا‭ ‬مختلفا،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أجنبي‭ ‬يحتل‭ ‬البلاد،‭ ‬والتطلع‭ ‬إلي‭ ‬الاستقلال‭ ‬قضية‭ ‬وطنية‭. ‬

ولسنا‭ ‬هنا‭ ‬بصدد‭ ‬تفنيد‭ ‬النقاط‭ ‬الوفاقية‭ ‬أو‭ ‬الخلافية،‭ ‬ولكن‭ ‬يمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بموضوعنا،‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬السلطة‭ ‬غاية‭ ‬قومية‭ ‬لدي‭ ‬الثورة،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬السلطة‭ ‬غاية‭ ‬أممية‭ ‬عند‭ ‬الإخوان،‭ ‬وكان‭ ‬العنف‭ ‬مكونا‭ ‬رئيسيا،‭ ‬وهذا‭ ‬يتضح‭ ‬مما‭ ‬أورده‭ ‬عندما‭ ‬أصدرت‭ ‬الجماعة‭ ‬مجلة‭ ‬النذير‭ ‬1358هـ‭/‬36‭-‬1937م‭ ‬حرص‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الساعاتي‭ ‬والد‭ ‬المرشد‭ ‬العام‭ ‬حسن‭ ‬البنا‭ ‬علي‭ ‬كتابة‭ ‬افتتاحية‭ ‬صاعقة‭ ‬قال‭ ‬فيها،‭ ‬‮«‬استعدوا‭ ‬يا‭ ‬جنود،‭ ‬وليأخذ‭ ‬كل‭ ‬منكم‭ ‬أهبته،‭ ‬ويعد‭ ‬سلاحه،‭ ‬ولا‭ ‬يلتفت‭ ‬منكم‭ ‬أحد،‭ ‬وامضوا‭ ‬إلي‭ ‬حيث‭ ‬تؤمرون‭ ‬ثم‭ ‬خذوا‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬برفق‭ ‬فما‭ ‬أحوجها‭ ‬إلي‭ ‬العناية‭ ‬والتدليل،‭ ‬وصفوا‭ ‬لها‭ ‬الدواء‭ ‬فكم‭ ‬علي‭ ‬ضفاف‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬مريض‭ ‬وجسم‭ ‬عليل،‭ ‬واعكفوا‭ ‬علي‭ ‬إعداده‭ ‬في‭ ‬صيدليتكم،‭ ‬ولتقم‭ ‬علي‭ ‬إعطائه‭ ‬فرقة‭ ‬الإنقاذ‭ ‬منكم،‭ ‬فإذا‭ ‬الأمة‭ ‬أبت‭ ‬فأوثقوا‭ ‬يديها‭ ‬بالقيود‭ ‬وأثقلوا‭ ‬ظهرها‭ ‬بالحديد‭ ‬،‭ ‬وجرعوها‭ ‬الدواء‭ ‬بالقوة،‭ ‬وإن‭ ‬وجدتم‭ ‬في‭ ‬جسمها‭ ‬عضوا‭ ‬خبيثا‭ ‬فاقطعوه،‭ ‬أو‭ ‬سرطانا‭ ‬خطيرا‭ ‬فأزيلوه‭.. ‬استعدوا‭ ‬يا‭ ‬جنود‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬آذانهم‭ ‬وقر‭ ‬وفي‭ ‬عيونهم‭ ‬عميب‭.‬

هل‭ ‬تحتاج‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬إلي‭ ‬تفسير؟‭ ‬خذوا‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬برفق‭ ‬فما‭ ‬أحوجها‭ ‬إلي‭ ‬التدليل،‭ ‬صفوا‭ ‬لها‭ ‬الدواء‭ ‬ـ‭ ‬أعدوه‭ ‬في‭ ‬صيدليتكم‭ ‬ـ‭ ‬تعطيه‭ ‬فرقة‭ ‬الإنقاذ‭ ‬منكم،‭ ‬أي‭ ‬هم‭ ‬وحدهم‭ ‬يصفون‭ ‬الدواء‭ ‬ويصنعونه‭ ‬ويجرعونه‭ ‬للأمة،‭ ‬فإن‭ ‬الأمة‭ ‬أبت‭ ‬؟‭ ‬لا‭ شىء ‬سوي‭ ‬العنف‭.. ‬وحسبما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬للجماعة‭ ‬جهازها‭ ‬السري‭ ‬المسلح،‭ ‬وحسبما‭ ‬ذكر‭ ‬د‭.‬رفعت‭ ‬السعيد‭ ‬«أن‭ ‬وثيقة‭ ‬إخوانية‭ ‬كانت‭ ‬ضمن‭ ‬مضبوطات‭ ‬تخص‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬تحدثت‭ ‬صراحة‭ ‬بأن‭ ‬القتل‭ ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬جريمة‭ ‬في‭ ‬الأحوال‭ ‬العادية،‭ ‬يفقد‭ ‬صفته‭ ‬هذه،‭ ‬ويُصبح‭ ‬فرضا‭ ‬واجبا‭ ‬علي‭ ‬الإنسان‭ ‬إذا‭ ‬استعمل‭ ‬لتأييد‭ ‬الدعوة،‭ ‬وإن‭ ‬من‭ ‬يناوئ‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬يحاول‭ ‬اخفات‭ ‬صوتها‭ ‬مهدر‭ ‬دمه‭ ‬وقاتله‭ ‬مثاب‭ ‬علي‭ ‬ما‭ ‬فعله»‭.‬

وهكذا‭ ‬نري‭ ‬أن‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والرأي‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬الدين‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬مخيف،‭ ‬لأنه‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولي‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬ولأن‭ ‬أفكارهم‭ ‬هي‭ ‬وحدها،‭ ‬كانت،‭ ‬وتكون‭ ‬،‭ ‬وستكون،‭ ‬صحيح‭ ‬الإسلام‭ ‬،‭ ‬فإنها‭ ‬دوما‭ ‬صحيحة‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬مراجعتها‭.‬

وهنا‭ ‬يتبدي‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬وهو‭ ‬الشمولية‭ ‬باسم‭ ‬الدين،‭ ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬الناصرية‭ ‬أيضا‭ ‬شمولية‭ ‬سياسية،‭ ‬نعم‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬اشتراكية،‭ ‬وفي‭ ‬تقديرنا‭ ‬أن‭ ‬الشمولية‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ـ ‬قد‭ ‬تلصق‭ ‬بالدين‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬منها‭ ‬برئ‭ ـ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فهي‭ ‬أشد‭ ‬وأنكي‭ ‬من‭ ‬الشمولية‭ ‬السياسية،‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أتاحت‭ ‬فيه‭ ‬الشمولية‭ ‬السياسية‭ ‬استقرارا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والممارسات‭ ‬والحرية‭ ‬الدينية‭ ‬وغيرها،‭ ‬نجد‭ ‬الشمولية‭ ‬الدينية‭ ‬توجد‭ ‬فروقا‭ ‬بين‭ ‬أتباع‭ ‬الجماعة‭ ‬وخصومهم،‭ ‬وهذا‭ ‬لم‭ ‬تنكره‭ ‬أدبياتهم،‭ ‬وهذا‭ ‬اتساق‭ ‬مع‭ ‬معطياتها‭. ‬قد‭ ‬عاشته‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطي،‭ ‬وتخلصت‭ ‬منه‭ ‬بدخولها‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬وبروز‭ ‬القوميات،‭ ‬وتجاوزه‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬نفسه‭ ‬بمكونات‭ ‬دولها‭ ‬لقومية‭.‬

وهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬آمن‭ ‬بها‭ ‬قادة‭ ‬يوليو‭ ‬،‭ ‬وغلفت‭ ‬الفترة‭ ‬الناصرية‭ ‬،‭‬كانت‭ ‬تتسق‭ ‬مع‭ ‬أدبيات‭ ‬مفهوم‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬العروبة‭ ‬في‭ ‬مفهومها‭ ‬المعاصر،‭ ‬وهي‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬شعب‭ ‬واحد‭ ‬تجمعه‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والمصالح،‭ ‬وبأن‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬واحدة‭ ‬ستقوم‭ ‬لتجمع‭ ‬العرب‭ ‬ضمن‭ ‬حدودها‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلي‭ ‬الخليج،‭ ‬ويؤمن‭ ‬القوميون‭ ‬العرب‭ ‬بالعروبة،‭ ‬كعقيدة‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬تراث‭ ‬مشترك‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلي‭ ‬مبدأ‭ ‬حرية‭ ‬الأديان‭. ‬

وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬الوحدة‭ ‬القومية‭ ‬هدفا‭ ‬وغاية،‭ ‬وقد‭ ‬جسدت‭ ‬الناصرية‭ ‬والتيار‭ ‬البعثي‭ ‬اللذان‭ ‬كانا‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬ذلك‭ ‬بقيام‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا،‭ ‬مثلما‭ ‬كانت‭ ‬عدة‭ ‬محاولات‭ ‬وحدوية‭ ‬أخري‭.‬

وبينما‭ ‬كان‭ ‬الصراع‭ ‬الإخواني‭ ‬يوجه‭ ‬أسلحته‭ ‬إلي‭ ‬تصفية‭ ‬خصوم‭ ‬الداخل،‭ ‬سواء‭ ‬فيمن‭ ‬اختلفوا‭ ‬مع‭ ‬أفكار‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬التنظيم‭ ‬أو‭ ‬تصادم‭ ‬مع‭ ‬مصالحهم‭ ‬سياسيا‭ ‬أو‭ ‬فكريا،‭ ‬فإن‭ ‬الضباط‭ ‬لم‭ ‬يتورطوا‭ ‬في‭ ‬تصفية‭ ‬خصوم‭ ‬وطنيين‭ ‬قبل‭ ‬23‭ ‬يوليو،‭ ‬وكان‭ ‬طبيعيا‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬الصدام‭ ‬بين‭ ‬قوتين‭ ‬سياسيتين‭ ‬إحداهما‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬وكان‭ ‬الوطن‭ ‬غايتها،‭ ‬والأخري‭ ‬تطلعت‭ ‬إلي‭ ‬السلطة،‭ ‬ولم‭ ‬تأب‭ ‬إلا‭ ‬الاستحواذ‭ ‬علي‭ ‬النصيب‭ ‬الأوفر،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬المشاركة،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬الثورة‭ ‬استثنت‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬حل‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬يناير‭ ‬1953،‭ ‬وتركت‭ ‬لها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬نفسها‭ ‬جماعة‭ ‬دينية‭ ‬بحتة،‭ ‬وليست‭ ‬سياسية،‭ ‬ولكن‭ ‬الجماعة‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬يتولي‭ ‬جزء‭ ‬منهم‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ - ‬وهذا‭ ‬يذكرنا‭ ‬بالتحول‭ ‬إلي‭ ‬حزب‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ - ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يقبل‭ ‬به‭ ‬مجلس‭ ‬الثورة‭ ‬علي‭ ‬أساس‭ ‬عمومية‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭. ‬

وعلي‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬أمر‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬934‭ ‬مواطنا‭ ‬كانوا‭ ‬مسجونين‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬قبل‭ ‬1952‭ ‬كان‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬الإخوان،‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬بإعادة‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬مصرع‭ ‬حسن‭ ‬البنا،‭ ‬رغم‭ ‬مضي‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬علي‭ ‬الاغتيال‭.‬،‭ ‬وتمت‭ ‬محاكمة‭ ‬المتهمين،‭ ‬وبعدما‭ ‬طالبت‭ ‬الجماعة‭ ‬بوزيرين‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬وزارة‭ ‬الثورة‭ ‬،‭ ‬جرت‭ ‬محاولة‭ ‬تعيينهما‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬سرت‭ ‬خلافات‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬الإرشاد‭ ‬والامتناع‭ ‬عن‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬الوزارة‭ ‬،‭ ‬وقام‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بتعيين‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬الباقوري‭ ‬وزيرا‭ ‬للأوقاف،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المرشد‭ ‬العام‭ ‬حسن‭ ‬الهضيبي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬بفصله‭ ‬من‭ ‬الإخوان‭.‬

أخذ‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬علي‭ ‬عاتقه‭ ‬مهمة‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والتبعية،‭ ‬وإنهاء‭ ‬الاستغلال‭ ‬وسيطرة‭ ‬الأجانب‭ ‬علي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬تحقيقا‭ ‬للعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ونصرة‭ ‬الفقراء‭ ‬والمستضعفين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬المصري،‭ ‬وحفلت‭ ‬قائمة‭ ‬إنجازات‭ الـ«001 ‬يوم‭ ‬الأولي» ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬والإنجازات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬دلائل‭ ‬علي‭ ‬الانحيازات‭ ‬الواضحة‭ لمصلحة ‬أغلبية‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬الفقراء‭.‬

لم‭ ‬تستطع‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬أن‭ ‬تروج‭ ‬لمقولتها‭ ‬بأن‭ ‬صراعها‭ ‬مع‭ ‬عبدالناصر‭ ‬كان‭ ‬دينيا،‭ ‬فعدد‭ ‬المساجد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الزعيم‭ ‬الراحل‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬11‭ ‬ألفا‭ ‬إلي‭ ‬21‭ ‬ألف‭ ‬مسجد،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ (‬18‭ ‬سنة‭) ‬تم‭ ‬بناء‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬مسجد،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬يقارب‭ ‬ما‭ ‬بني‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬مساجد‭ ‬منذ‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬علي‭ ‬يد‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬حتي‭ ‬عصر‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬سأل‭ ‬الهضيبي‭ ‬مرشد‭ ‬الإخوان‭ ‬وقتها‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬الأولي،‭ ‬وكانت‭ ‬الثورة‭ ‬قد‭ ‬حددت‭ ‬أهدافها‭ ‬الستة‭ ‬المشهورة،‭ ‬سأله‭ ‬وأين‭ ‬الإسلام؟‭ ‬فكان‭ ‬رد‭ ‬عبدالناصر‭: »‬إن‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاستغلال‭ ‬بداية‭ ‬العمل‭ ‬للإسلام»‭. ‬وبذلك‭ ‬جسدت‭ ‬الرؤية‭ ‬الناصرية‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬باعتباره‭ ‬حلما‭ ‬قوميا‭ ‬سعت‭ ‬إلي‭ ‬تحقيقه،‭ ‬وأصبح‭ ‬له‭ ‬الملاذ‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الحالكة‭ ‬التي‭ ‬تلم‭ ‬بالأمة، حتي‭ ‬لو‭ ‬بدا‭ ‬حلما‭ ‬علي‭ ‬الصعيد‭ ‬المعنوى‭.‬

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق
  • 1
    مصرى حر
    2016/10/31 07:57
    0-
    2+

    ناصر كان وسيظل بطل الابطال ورجل الاقدار على مر الازمان
    لايبغض الزعيم ناصر الا الاخوانجية الذين قال فيهم قولته الصادقة الخالدة"مالهومش أمان"،،،ولايبغض الزعيم ناصر إلا ذوى المصالح الذاتية من أبناء وأحفاد الرأسمالية والاقطاع والحاشية والخاصة الملكية والوصيفات
    البريد الالكترونى
     
    الاسم
     
    عنوان التعليق
     
    التعليق