إطلالة بها كثير من الإنصاف لفنانين تألقوا فى سماء السينما المصرية، بجناحيها الروائى والتسجيلي، حاول الناقد السينمائى على أبو شادي،أن يحدد ملامحها ويسبر أغوارها ويؤكد تفردها،
عبر ١٧٩ صفحة هى صفحات كتابه «وجوه وزوايا» الصادر حديثا عن دار نشر «بتَّانة» وتحت عنوان «قبل أن تقرأ» ينبه القارئ إلى ماهية الكتاب بأنه محاولة لتقديم صورة مقربة لعدد من الشخصيات التى أثْرت وأثَّرت فى السينما المصرية عبر تاريخها وسعت للارتقاء بهذه السينما، باعتبارها رافدا أصيلاً من روافد الثقافة الوطنية وبات جُلُّها رموزاً حية لكل ما هو نبيل وجاد فى تاريخ السينما والثقافة السينمائية فى مصر، مؤكداً أن هذه المواد وإن تباعدت فترات نشرها، ما زالت تحمل وجهة نظره ورؤيته لتلك الشخصيات التى اختارها من بين العديد من السينمائيين عبر عدة عقود.
يتضمن الكتاب قراءة فى أعمال ٢٣ شخصية يبدؤها بدراسة مطوَّلة عن المخرج الكبير يوسف شاهين ورحلته الطويلة منذ ١٩٥٠ وحتى وفاته، حيث يرى المؤلف أنها كانت «سعياً دائماً لاقتناص الجوهر» ويصف مشوار كمال الشيخ بأنه «رحلة الإبحار عكس التيار» وتتوالى عناوين الكتاب موحيةً وملخصةً ومعبرة بدقة ملحوظة، عن إنجاز وتميز كل شخصية وتقييم الكاتب لها، فالمهندس أنسى أبو سيف فى نظره «مخرج الديكور» وتوفيق صالح «المتمرد الكبير» والتسجيلى على الغزولى «مخرج بدرجة شاعر» مشيراً إلى «بلاغة الأداء» عند سعاد حسنى ونجيب محفوظ الذى حظى باهتمام خاص وأفرد له أبو شادى ثلاث دراسات باعتباره «أستاذ الأدب السينمائي» والرجل الذى غير وجه السينما فى مصر.
الكتاب يجمع بين شخصيات كانت كلها تقريبا -عدا القديرة سعاد حسني- وراء الكاميرا، إبداعاً فى مجال السينما الروائية والتسجيلية، ونقداً وإثراءًا للثقافة السينمائية التى كان الناقد والمؤرخ أحمد الحضرى هو الأب الروحى لحركتها، إضافة إلى عطايا العم الكبير يحيى حقى وكتاباته عن السينما والناقد والمثقف رفيق الصبان شاعر النقد السينمائى بلا منازع، مشيرا للعطاء المتجدد للناقد والباحث والمخرج التسجيلى هاشم النحاس.
يتميز الكتاب بوضوح رؤية مؤلفه ودقة ملاحظاته وفهمه العميق لإنجاز شخصياته وقدرته على وضعها فى سياقها داخل وخارج تاريخ السينما، بأسلوب يجمع بين الدقة والرشاقة والسلاسة والنظرة المتفحصة والروح المحبة، فيقول عن رأفت الميهى «رجل السينما»:إنه فى تاريخ السينما المصرية قد «احتجز مكاناً عليا ومكانة عُلْيا بأعماله الرصينة ككاتب سيناريو ولغته السينمائية المتميزة كمخرج، وجرأته كمنتج لأفلام تغرد خارج السرب.. صاحب رؤية عميقة وبصيرة نافذة للواقع المصرى المعاصر بتحولاته وتشوهاته».
ويولى أبو شادى اهتماماً ملحوظاً بالسينما التسجيلية، فأفرد لعدد من صناعها ومبدعيها ست مقالات، أوضح وحلل فيها دور كل منهم فى تأسيس وتطوير السينما التسجيلية فى مصر، بدءًا من رائدها الأول المخرج سعد نديم الذى قضى أكثر من نصف عمره متبتلاً فى محراب معشوقته (السينما التسجيلية) وواصل المؤلف إلقاء الضوء على إسهامات هذه الرموز متناولاً هاشم النحاس بوجوهه المتعددة، مخرجاً تسجيلياً قديراً وناقداً متميزاً ومترجماً وباحثاً دؤوباً وهو بحق مع المخرجة عطيات الأبنودى رائدا السينما التسجيلية المصرية الجديدة منذ عام ١٩٧٢ وهى نفس سمات سينما المخرج على الغزولى الذى يستحق بجدارة لقب «مخرج بدرجة شاعر».
ينفرد الكتاب بالإنجاز الذى حققته دار «بتَّانة» حين زاوجت من خلال التكنولوجيا الحديثة، بين النسخة الورقية والصورة الحية، من خلال تقنية حديثة تنقل القارئ إلى عالم الميديا بالتوازى مع القراءة، باستخدام تطبيق مجانى يسمح للقارئ بمشاهدة المشهد أو جزء من الفيلم الوارد صوتاً وصورة.
الكتاب: وجوه وزوايا
المؤلف:على أبو شادي
الناشر: دار بتانة
رابط دائم: