«حمامة بيضاء» رواية صبحى موسى، التى صدرت طبعتها الثانية أخيرا عن مؤسسة بتانة للنشر، نجد فيها صراعا يدور بين عالمين، أحدهما يخص مدير التحرير ذى الأصول القروية والذى ينتمى إلى طبقة فقيرة ويقيم فى منطقة عشوائية ويحلم بتطلعات كبرى كأن يظل فى وظيفته مديرا للتحرير ولا يطيح به رئيسه؛ والثانى هو عالم رئيس التحرير الذى تجاوز السبعين ويقيم فى واحد من الأحياء الراقية بوسط المدينة، وينتمى إلى أسرة عريقة، فضلاً عن أنه ذو ماض عريق.
عكس موسى, من خلال الصراع بين العالمين, التاريخ الاجتماعى المصرى منذ قيام ثورة يوليو حتى ظهور حركة كفاية وأدباء من أجل التغيير وغيرها، ورصد فى الرواية, من خلال شخصية رئيس التحرير وأسرته ذات الأبعاد الصوفية، كيف لعب بطل الرواية عبد القادر الأطرش دورا مهماً مع الرئيس السادات - الذى جعله موسى أحد شخوص روايته - فى مقاومة الاحتلال البريطاني, وكيف أصر السادات على اتخاذ طريق العنف، بينما رأى الأطرش أن خطب التوعية هى الوسيلة الفضلى. ومع مطلع السبعينيات يصبح السادات رئيساً، بينما يصبح الأطرش وزيرا للتموين فى حكومته، ويرفع السادات سعر رغيف العيش فتقوم الثورة مطالبة بإقالة الأطرش، فيقيله السادات ولا يعيد الخبز لسابق سعره، بعدها يطلب الأطرش أن يكون حزباً سياسياً فيسمح له السادات بذلك، لكنه سرعان ما يقبض على الأطرش ورفاقه ويزج بهم فى السجون ومع مطلع الثمانينات، يسافر للعمل فى اليابان ثم يصبح ممثلاً لمصر فى التفاوض حول الشراكة الأوربية.
يظل الأطرش بمثابة الورقة الرابحة للحكومة فى التفاوضات التى تحتاج إلى وجه مستقل عن النظام، والأطرش بتاريخه اليساري، ومعارضته للسادات، ودخوله السجن أكثر من مرة، كان النموذج الأمثل لذلك. هكذا دامت العلاقة بين الطرفين إلى أن ظهر مدير التحرير فى حياة الرجل، فأخذت أموره فى التغير، ورفض أن يكون حمامة السلام، فقبضوا على ابنه كى يكون ورقة ضغط عليه، لكنه رفض واعتبره شهيدا، وفى النهاية اجتمع بأساتذة الجامعات وحمل منهم رسالة شديدة اللهجة للسفير الفسلطينى اعتراضاً على موقفه السلبى إزاء اجتياح جنين، فما كان من السفير سوى أن ألقى به خارج السفارة، فغضب الأطرش وقرر أن يجمع المثقفين ليعتصموا فى بيته حتى تطرد الدولة السفير، وبدأ الاعتصام قويا إلا أنهم سرعان ما تسربوا منه وتركوا رئيس التحرير يتحول إلى ما يشبه حمامة صغيرة بيضاء على رف الكتب.
على الجانب الآخر يسعى مدير التحرير الغاضب الحانق إلى رفض العمل مع رئيس التحرير فى المشهد الأول من النص، لكنه ما إن يدخل فى عالم الأطرش حتى يتأثر به ويخبره أن حياته تصلح لأن تكون عملاً روائيا كبيراً، فيوافقه ويحضر له كل ما يحتاج عن حياته كى يبدأ فى كتابة رواية عنه. هكذا نجد أنفسنا أمام نص لا يعرف كاتبه كيف يكتبه، ويصبح القارئ بشكل ما مشارك فى كتابته، فيتعرض مدير التحرير لأسرة رئيس التحرير ذات الأبعاد الصوفية وكيف ارتبطت بعائلة الأخضر وكيف أتى بمعجزة من سيدى الأخضر، وما إن يكمل روايته ويحضر نسخة منها من المطبعة حتى يأتى ليسلمها لرئيس التحرير الذى قتل نفسه جوعاً فى الاعتصام، فيجده تحول إلى حمامة بيضاء!
الرواية: حمامة بيضاء
الروائي: صبحى موسى
الناشر: مؤسسة بتانة للنشر
رابط دائم: