من المعلوم أن الولادة الطبيعية عملية فسيولوجية تمر بها ملايين النساء منذ بدء الخليقة وحتي الآن.وكان يستتبعها بالضرورة البدء في عملية الرضاعة الطبيعية فيستفيد المولود من أول اللبن الذي يصدر من ثدي الأم ويسمي لبن السرسوب, وهو لبن يتكون في الأيام الأولي بعد الولادة أو قبلها بقليل ويكون سائلا سميكا أصفر اللون يحتوي علي العديد من مضادات البكتريا والمواد المدعمة للمناعة والعناصر الضرورية للمولود, والتي لا توجد في أي نوع من الألبان الصناعية علي الإطلاق, وهكذا يبدأ الطفل رحلته مع الرضاعة الطبيعية ذات الفوائد والمزايا العديدة له ولأمه, وكان اللجوء لإجراء العمليات القيصرية يتم في أضيق الحدود ولأسباب طبية حقيقية.
وانقلبت الحال خلال العقود القليلة الماضية, وأصبح إجراء العملية القيصرية هو القاعدة, وأصبحت مبررات إجرائها جاهزة علي الألسنة, وصارت مصر تمثل الآن أعلي المعدلات العالمية في الولادة القيصرية, حيث تبلغ النسبة في مصر(56%) من مجموع الولادات السنوية, وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن هذا الأمر يمثل وباء نظرا لأنه من الضروري ألا تتخطي هذه النسبة(15%).
وبالطبع تعاني الأم بعد إجراء هذه العملية من الإرهاق الشديد لعدة أيام لا تستطيع خلالها إرضاع وليدها, وهنا تتدخل الأيدي الآثمة المدربة لتمد الأم وهي مازالت بالمستشفي بعينات من الألبان الصناعية, فيتم حرمان الطفل من لبن السرسوب, ويتعود تدريجيا علي استعمال الببرونة ويصير ارجاعه إلي صدر أمه شيئا صعبا للغاية حتي يجف لبنها تماما وتبدأ مأساة البحث عن علبة اللين الصناعي.
وهناك عوامل كثيرة أخري منها قصر مدة الإجازة الممنوحة للأم العاملة لرعاية طفلها, وانعدام رغبة الأم في إرضاع طفلها بحجة المحافظة علي قوامها, وكذلك الدور السلبي لبعض الزملاء من أطباء الأطفال لفرض اللبن الصناعي علي الأم, بالإضافة إلي الدعاية من جانب الشركات المنتجة للألبان الصناعية, وقد أدت هذه العوامل وغيرها إلي انقلاب الوضع, وأصبحت علبة اللبن الصناعي هي سيدة الموقف, بالرغم من كونها خروجا عن الفطرة واستثناء من القاعدة وشكلت عبئا كبيرا علي موازنة الدولة وصار غيابها مؤرقا للجميع.
د.أنس عبدالرحمن الذهبي ـ طنطا
رابط دائم: