رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الإنسان صانع النصر
دراما الحرب والحب فى أكتوبر

د. عادل وديع فلسطين
على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على حرب أكتوبر، مازالت هذه الحرب تفيض بالأسرار وتقدم دروساً فى العسكرية والتخطيط الإستراتيجى الحربي، وهى الحرب العربية الاسرائيلية الأولى التى استطاع خلالها الطرف العربى أن يكون ليس نداً للخصم بل متفوقاً عليه، وهى الحرب التى امتلك فيها العرب عنصر المبادرة، بعد أن تفوق العرب عامة والمصريون خاصة على أزمتهم النفسية بعد هزيمة يونيو .. فكان لهم التفوق الاستخباراتى والميدانى ثم نجاح فى معركة المباحثات التى انتهت بانسحاب اسرائيل ليس فقط من مواقعها غرب القناة، بل شرقا حتى الحدود الدولية. أما الانتصار الأخير فكان قانونياً لاسترداد ماتبقى من الأرض وهى طابا. وهذا الانتصار القانونى يبرز قدرة مصر على استرداد حقوقها بالمفاوضات والمستندات.

رتبة لواء.. هدية للعروس

كان العميد حسن أبو سعدة قائداً للفرقة الثانية فى الجيش الثاني، تلقى الاستدعاء التليفونى للجبهة وكان فى أول أيام شهر العسل واستطاع أن يقدم لحبيبته الأولى مصر.. أروع هدية.. فقد دمر اللواء الإسرائيلى المدرع 190 وأسر قائده عساف ياجورى وبعد وقف إطلاق النار عاد إلى عروسه برتبة اللواء تزين كتفيه.. قصته هى قصة الحب والحرب، لقد فهمت زوجته كل شيء عندما كتب لها شيكا بكل مايملكه فى البنك.. وتماسكت ودعت له بالتوفيق.

كانت منطقته غاية فى الصعوبة، فالساتر الترابى المواجه لهذه المنطقة رهيب يصل ارتفاعه إلى أكثر من 22 متراً وعليه بعد أن يعبر التصدى بالمشاة فقط لدبابات العدو كما أن عليه التمسك بالأرض حتى تعبر دباباتنا الكبارى وكذلك عليه التصدى للواء مدرع العدو فى المليز خلف مواقع بارليف.

وكان الرئيس الراحل أنور السادات قد زار هذا الموقع فى شهر مايو 1973، وتذكر السادات أنه عندما شاهد هذا الموقع جنرال سوفيتى قبل ذلك قال هذا الجنرال يومها : إن العبور فى هذا الموقع مستحيل. ويومها سأل السادات قائد هذا الموقع «هل تستطيع الاستيلاء على هذه المنطقة فى ليلة واحدة ؟» فأجاب ممكن يافندم ـ وقدم يومها أبو سعدة قائد الفرقة الثانية إلى الرئيس علم الفرقة وقال «أرجو أن تحتفظ بهذا العلم ياسيادة الرئيس القائد الأعلى حتى تضعه على مكتبك أمامك عندما يصلك البشير بأن الفرقة الثانية نفذت مهمتها وحققت النصر». تسلق العميد حسن أبو سعدة الساتر الترابى على قدميه ولم يستخدم سلم الحبال، بل إنه وجد جهازاً لاسلكياً يحمله أحد الجنود ثقيلاً على كتفه فحمله هو بدلاً منه. وكان أول انتصار عند موقع العدو أمام بحيرة التمساح ـ وكانت جبهة هذه الفرقة تمتد من الإسماعيلية إلى الفردان على مساحة 30 كيلومترا ويطلقون عليها «صرة الجبهة» لأن العدو لو نفذ إليها لاستطاع أن يستولى على الإسماعيلية.

تحرير القنطرة.. ومغامرة حصن ميلانو

أحداث تحرير مدينة القنطرة شرق تستحق الدراسة والتوثيق والاهتمام، فى حدث تحول من استيلاء للقوات المصرية إلى السيطرة عليها مرة أخرى من جانب الإسرائيليين ثم تحريرها نهائيا بيد القوات المصرية مما يعد بكل المقاييس حدثا دراميا مثيرا للغاية.

وللقنطرة شرق أهمية سياسية خاصة فهى المدينة الثانية فى سيناء بعد العريش، والمعركة الخاصة بها كانت شديدة للغاية فأرض القتال تتوسطها مبانى المدينة ـ وهذا عائق قتالى كما أن موقع الهجوم المصرى فى الضفة الغربية منخفض كونه أرضا زراعية قبالة موقع العدو المرتفع فى الشرق. كما أن أرض المعركة ليست جافة بل (سبخ) لا تصلح للسير أو التحرك العسكري. استمرت المعارك طوال الليل وعبرت الدبابات على معديات لا كبارى واشتد القتال، وفى صباح 7 أكتوبر دفع العدو بلواء مدرع تم عمل مصيدة له واستردت قواتنا المدينة وخسر العدو 70 دبابة و10 طائرات ومجموعة كثيرة من الأفراد.

إلا أن أفراد حصن ميلانو قاموا بمغامرة، إذ استغلوا فرصة الظلام الدامس ودخلوا المدينة التى كانت قوة من الفرقة 18 مشاة قد احتلتها بقيادة العميد فؤاد عزيز غالي، وكانوا يأملون ألا يتعرف عليهم أحد، واصطدم الإسرائيليون فى أثناء تقدمهم داخل المدينة عدة مرات بكمائن مصرية دون أن تتعرف عليهم لكن فى إحدى المرات اضطر أحد الجنود الإسرائيليين الذين يعرفون اللغة العربية إلى الرد على إحدى الدوريات المصرية للسماح لهم بالمرور ولكن لهجته غير المصرية كشفته فأطلقت عليهم النيران فى الحال مما أدى إلى قتل البعض ولاذ الباقون بالفرار وتجمعوا فى أحد البيوت الخالية، وعن طريق الاتصالات تم تحديد نقطة التقاء مع قوة الإنقاذ الإسرائيلية ونجح الذين بقوا على قيد الحياة فى التسلل إلى الخارج وهربوا ثم التقوا بقوة اسرائيلية كانت فى انتظارهم وهى سرية دبابات من لواء العقيد جابي.



درس القائد.. فى حوار ضاحك

ويكتب الراحل الأستاذ موسى صبرى حول الروح المعنوية العالية للمقاتلين المصريين على جميع المستويات ويقول إن التكوين العسكرى للقادة شيء مذهل، وسط الدماء والقصف والمواقف الحرجة هناك أيضا (الهزار) والمداعبة ويحكى قصة محاولة قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون الاتصال المكثف بالعميد غالى قائد الفرقة 18 عدة مرات لمدة ساعة دون استجابة الأخير مما جعل اللواء سعد مأمون فى حيرة وقلق شديدين خاصة حين جاء الرد أن قائد الفرقة غير موجود فى موقعه ودار فى مخيلة القائد سعد مأمون ما دار.

وعند منتصف الليل اتصل العميد فؤاد عزيز غالى بقائد الجيش:

سعد مأمون: يافؤاد قطعا كان عندك موقف عسير.

فؤاد غالي: فعلا يافندم لكننا تغلبنا عليه.

 


سعد مامون و فؤاد عزيز غالى



سعد مأمون: لماذا لم تتصل بى على الفور؟

فؤاد غالي: أنا من عادتى عندما أواجه موقفا صعبا لا أثقل على قائدي، لذلك لم أرد حتى أنتهى من مواجهة الموقف على أحسن حال

سعد مأمون: هذا خطأ

فؤاد غالي: لكننى كنت متابعا لكل اتصالاتك يافندم واسمع قراراتك ومشورتك وكنت أعمل بها وبغيرها من واقع ما أراه على الطبيعة وكان هدفى ألا أزعجك فأنا أعرف مسئولياتك مع مواجهة ممتدة 100 كيلو متر .

سعد مأمون: أكرر.. ده غلط لأنى حينها لا أسمع صوت قادتى لمدة ساعة أقلق جدا.. لا تفعل هذا مرة أخري.. هذه آخر مرة.

فؤاد غالي: حاضر يافندم.

وفى صباح اليوم التالى فى العاشرة صباحا يتصل العميد فؤاد غالى باللواء سعد مأمون ويقول:

أنا فى مأزق.. لواء مدرع للعدو فى طريقه لمهاجمتى من الجانب الأيسر.. أرجو الحماية بالطيران والمدفعية.

سعد مأمون: سأفترض أننى لم أسمع سأقفل الخط وأرد عليك بعد ساعة.. زى ما عملت

فؤاد غالى (ضاحكا) لا.. فى عرضك.

سعد مأمون: هل عرفت الآن معنى عدم ردك عليّ لمدة ساعة؟فؤاد غالي: عرفت.. لن تحدث مرة أخري.. أرجوك اطلب الحماية بسرعة.

سعد مأمون: حرمت؟

فؤاد غالي: تبت.

ويضحك قائد الجيش وقائد الفرقة ـ وتم على الفور اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تقدم اللواء المدرع الإسرائيلي.

ويضيف الراحل موسى صبري: وبعد أن تحقق الانتصار وفى أول اتصال تليفونى للأب فؤاد غالى مع أسرته صاح ابنه شريف فى التليفون ضاحكا:

عملتها يابابا.. برافو عليك.



غندور اللبان.. وشركاه

كانت المقاومة الشعبية فى السويس وما قامت به لصد العدوان الإسرائيلى القادم من ثلاث جهات بدباباته وعتاده وطيرانه، ملحمة مصرية بالإضافة للدور المهم الذى قام به كل أفراد الشعب بعد حصار المدينة وتجلى ذلك يوم 24 اكتوبر، فى هذا اليوم تعرضت المدينة لأعنف هجوم برى وجوى تمكنت المقاومة من تدمير 33 دبابة فى يوم واحد.

أغلقت المحال التجارية وشارك أصحابها فى المقاومة.. غندور اللبان رجل من عامة الشعب بعد استشهاد ابنه شارك هو بنفسه على قدر جهده فى توجيه المواطنين للمخابئ.. حسن الأسمر أخذ يوزع الذخيرة والتموين. سيد شراب العربجى الوحيد فى البلدة جعل من عربته عربة اسعاف لنقل الجرحي.. أحمد الحلاق.. محمود القهوجي... الخ..

أما دور الدكتور محمد أيوب مدير الإدارة الصحية بالسويس فهو عمل بطولى يشهد له الجميع ولم يترك الساحة إلا بعد انسحاب القوات الاسرائيلية فقد فاضت روحه بعد اجهاد متواصل عدة شهور لم يسترح خلالها يوما واحدا وكانت آخر أقواله للأطباء المحيطين به أنا راض عن نفسي

وحدثت مواجهات عنيفة لا تخلو من قصص البطولات فى قرية الجبلاية... جبلاية السيد هاشم... قرية العمدة.

وداخل المسجد كان الشيخ حافظ سلامة رمزا للمقاومة وأبا روحيا للشباب وانضم للشيخ رموز المقاومة وعلى رأسهم العميد عادل اسلام المستشار العسكرى لمحافظة السويس، والمهندس الشاب حمدى عقدة الحاصل على شهادات من جامعات أوروبية.. عاد إلى السويس فى أثناء حرب 1967 واستقر فى إحدى القري.. وبالرغم من إصابته فى إحدى المعارك إلا أن هذه الإصابة كانت حافزا لاستمرار المقاومة.

أما موقعة قسم شرطة الأربعين فهى حدث عسكرى درامى قامت المقاومة الشعبية بدور لا ينسي.. فبعد تحطيم دبابات العدو عند مدخل المدينة فى حى الأربعين.. فر الجنود الاسرائيليون واحتموا داخل مبنى قسم الشرطة.. وقاد النقيب عاصم حمودة الموقف مع الضباط شندى وعنتر وحسن أسامة ومحمود عواد الذى سكب كميات كبيرة من البنزين على بعض الدبابات وأحرقها.. وحاول الشاب إبراهيم سليمان وثلاثة آخرون اقتحام المبنى لكنهم استشهدوا..

وكانت لإبراهيم سليمان قصص عديدة فى مواجهة العدو. وكانت شجاعته تفوق الوصف.

اشترك فى المقاومة أناس لم يحملوا السلاح قبل ذلك ومنهم عبد العزيز محمود موزع الصحف إلى السويس وكان الأطفال ينقلون الذخيرة والعجائز يطفئون الحرائق.

واستمرت المعارك لتحرير قسم شرطة الأربعين وسقط الشهداء على أسوار وحوائط المبنى وأمام أبوابه.. وكانت المهمة صعبة بسبب احتجاز المأمور وضباط القسم داخله فى غرفة مغلقة لكن السيناريو يتغير والملحمة تكتمل.. ليقوم أحد جنود القوات المسلحة وكان محجوزا فى القسم بسبب شجاره مع مواطن باقتحام الغرفة.. وقتل الجنديين المكلفين بالحراسة وأطلق سراح المأمور والضباط من الباب الخلفى للقسم.. وعندما اطمأن أفراد المقاومة على خروجهم سالمين اندفعوا واقتحموا المبنى بعد معركة شرسة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق