رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بعد مصرع 7 بينهم 3 طبيبات
مواكب الأفراح جرائم جنائية وأخلاقية

تحقيق ــ وائل العزب
شهد مجتمعنا فى السنوات الأخيرة الكثير من الظواهر التى أقل ما توصف به أنها «سلبية»تحولت إلى إخطار محدقة تنقض على الامنين وعابرى السبيل ، تقض مضاجعهم وتقصف أعمارهم وتصيبهم بعاهات لا تشفى وتقتل آمالهم حتى فى أعمالهم ولا ينجو منها حتى الضيوف فى هذه المناسبات. كل هذا دون ذنب اقترفوه أو خطأ ارتكبوه إلا إذا اعتبرنا «السير فى الشارع» جريمة و«حضور المناسبات الاجتماعية» ضغينة لهؤلاء.

تنشر الرعب والهلع فى كل مكان حتى فوق الكبارى وداخل الأنفاق

المرور: عدم منح رخص القيادة إلا من المدارس ورفع جودة الطرق

 

وفى البداية كانت محدودة الانتشار والأثر، لكن مع انتشارها حولت حياة الناس إلى جحيم حقيقى يزداد ويتعاظم خطره فى المناسبات والأفراح وحتى الأعياد. ومن هذه المخالفات غير الأخلاقية التى لا يقرها عرف ولا دين إن صح التعبير الاحتفاء بالمناسبات أفراحا كانت أو أتراحا.

وعانى الجميع من ظاهرة مواكب الأفراح التى بدأت على استحياء بتزيين السيارة التى يستقلها العروسان وإطلاق أبواق السيارات بشكل متكرر تعبيرا عن الفرحة ، ثم دخلت المركبات العشوائية كالموتوسيكلات والتكاتك ، ويمارسون الفوضى حتى أغلقوا الطرق وعاثوا فسادا فى كل ما يحيط بهم ، وراحوا يطلقون الأعيرة والصواريخ النارية ، والويل لمن يعترض أو حتى يبدى تبرمه فسيجتمع عليه هؤلاء ويصبح لعبتهم.

ويروى لنا العديد من المواطنين مآسى كثيرة فقد حكى أحدهم أن نفق الأزهر أغلقه أحد هذه المواكب ولك أن تتخيل حجم الهلع والرعب عندما بدأوا فى إطلاق الأبواق وطلقات مسدسات الصوت داخل النفق المغلق لنحو نصف ساعة دون أن يردعهم رادع ، والأمر ذاته تكرر على الكبارى العلوية، كما دأبوا على غلق مناطق بعينها كما فى منتصف شارع الهرم وأول شارع فيصل وتقريبا كل شوارعنا ، الرئيسى منها والفرعي.

وطالعتنا الصحف بحوادث متعددة منها مقتل ثلاث طبيبات امتياز بكلية طب شبين الكوم آثرن العمل أيام عيد الأضحى فى خدمة مرضى الاستقبال ، فأثناء عبورهن الطريق الى المستشفى تصادف مرور زفة عروسين تشترك بها عشرات المركبات ما بين موتوسيكل وسيارة وتوك توك ، تتلوى كلها يمينا ويسارا ، لتدهس إحدى سيارات الموكب المنطلقة بجنون الطبيبات الثلاث وتطير أجسادهن فى الهواء وتسقط جثثا هامدة لتقتل ليس فقط الحياة فى أجسادهن الطاهرة وإنما الأمل فى نفوس أهاليهن وأقاربهن وتفجع قلوب المواطنين فى مجتمعنا بأسره.

والحادثة الثانية كانت فى دمياط وحولت حفل زفاف إلى مأتم عندما اصطدمت سيارتان مشاركتان فى موكب زفاف ببعضهما ، ومع التزاحم وعشوائية السير اصطدم بالمركبتين كذلك عدد من الموتوسيكلات والتكاتك مما أسفر عن وفاة 4بينهم رضيعة عمرها 9أشهر وإصابة 18آخرين بينهم العروسان .

وفى السطور التالية سوف نحاول تحليل تلك الظاهرة وأسبابها ووسائل الحد منها نفسيا ودينيا ومروريا ، بعد أن توحشت إلى هذه الدرجة الخطيرة.

النشأة الخاطئة

تقول الأستاذة الدكتورة ابتسام محمد صلاح الدين - أستاذة صحة الطفل بالمركز القومى للبحوث - : نعانى فى كل مناحى حياتنا من غياب دور الأسرة فى التنشئة السليمة للأطفال ونمو الطفل الاجتماعى والانفعالى. وهنا أود التركيز على الأهمية القصوى للسنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل والتى لا تلقى الاهتمام الواجب منا كمجتمع.

وهذا يدفعنا الى التطرق لنقطة أخرى هى أن معظم حديثى الزواج غير مؤهلين لتحمل مسئولية تنشئة طفل سليم بدنيا ونفسيا، وعدم تخصيص وقت من قبل الوالدين لتوعية الأطفال بما يجب عليهم تجنبه وتعريفهم بقيم المجتمع التى من المفروض أن ننشئ أطفالنا عليها مما يؤدى الى غياب مفهوم احترام حرية الاخرين وملكيتهم الخاصة .

وقبل إنهاء كلامها قالت : أحذر من ظهور سلوك عدوانى فى سنوات الطفولة المبكرة وهو ما لم يكن موجودا من قبل وأدعو إلى التحرك السريع والمدروس لتلافى ذلك لأنه سيتعاظم مع بلوغ هؤلاء مرحلة المراهقة والشباب.

نفسية الكبار

أما عن أسباب تلك التصرفات من الكبار فيرجعها الدكتور أحمد فخري- استشارى علم النفس وتعديل السلوك بجامعة عين شمس الى أن مواكب الأفراح ظاهرة قديمة سواء فى الريف أو الحضر ، وهو نوع من التباهى بالعزوة والأهل والفكر القبلى بشكل عام. وكان قديما من خلال مواكب الدواب التى تحمل متاع عش الزوجية للتفاخر أمام الجيران ، وأصبح الآن يأخذ بعدا آخر مختلفا عما كان سائدا من مراعاة لظروف الآخرين ، وبات موكب العرس يتحدى الشارع المصرى من خلال افتعال الصخب والضجيج الشديد المنبعث من أبواق السيارات واطلاق الصواريخ والأعيرة النارية وتحدى سير المارة فى الشارع كنوع من إظهار القوة والتباهى بالسيارات والمركبات والسرعة الجنونية فى الطرقات.

والأغرب هو مساهمة العروسين فى هذه المهزلة - إن جاز التعبير- بالرقص والحركات البهلوانية وهى كلها مظاهر فارغة وتثير غضب المواطنين وتعطل مصالحهم والمؤسف أن هذا الجنون يمتد الى وقت الفجر لتوصيل العروسين الى عش الزوجية. وهنا أؤكد أنه من الناحية الاجتماعية والنفسية من حق الجميع أن يفرح ، لكن مع الحفاظ على مشاعر الآخرين وحريتهم وحقهم فى الهدوء.

والحل الأفضل والفعال لابد أن يكون بتطبيق القانون بحسم لأنه أقوى وأقصر وسيلة لإجبار هؤلاء على الالتزام بالقانون.

الوعى المرورى

يقول اللواء حمدى الحديدى - مساعد وزير الداخلية ومدير مرور القاهرة السابق : إذا حللنا تلك الظاهرة سنجد أن النتيجة حدوث قتل ، لكن الاداة هى السيارة وهنا يظهر أهمية تعظيم الدور المجتمعى فيما يختص بالوعى المرورى بخطورة وتداعيات حوادث الطرق التى لها أسباب عدة فى الطريق ومستخدميه والمركبة وهى تتلخص فى ثلاثة عناصر هى : الطريق والمركبة وقائد المركبة ، والوعى المرورى الذى يقلل الى حد كبير وقوع الحوادث ، فمثلا عدم استخدام حزام الامان وإهمال معظم قواعد السير، بل والإقدام على ارتكاب عكسها ، والعلاج من وجهة نظرى لابد أن يكون شاملا ويبدأ من مرحلة مبكرة جدا، بداية من الطفل بتوجيهه وتوعيته لترسيخ قناعة لدى التلميذ والطالب أن المركبة التى توصله قد تتحول - اذا أسيء استخدامها - الى أداة قتل. ليس هذا فقط وإنما حسن استخدام الوسيلة للإفادة منها وتقليل مخاطرها.

ومن ناحية أخرى لابد من تطبيق القانون بحسم فى المخالفات التى تؤدى الى حوادث الطرق مثل السرعة الزائدة والسير عكس الاتجاه أو مركبة غير صالحة فنيا، وقد تمتد عدم الصلاحية الى السائق نفسه اذا كان غير مؤهل وغير مسئول أو يقود تحت تأثير مخدر أو مسكر أو مندفعا متهورا.

ولابد من نشر مدارس لتعليم القيادة بناء على قواعد حقيقية وفعلية ومدروسة ، مع التشديد فى اختبارات القيادة واعتبار اجتياز الدورات التدريبية من تلك المدارس شرطا للحصول على الرخصة.

والمعروف أن قانون المرور يتم تعديله الآن طبقا لنظام النقاط الذى يوقف سريان الرخصة فى حالة ارتكاب مخالفات محددة لخطورتها ، وتلك العقوبة تؤدى فى النهاية الى سلب حق القيادة من قائد السيارة المخالف الى أن يعاد تأهيله.

وبالنسبة لحفلات العرس لابد من تشديد العقوبة على تلك المجاملات العبثية القاتلة التى باتت تتكرر حتى أصبحت ظاهرة ، ومعاقبة مرتكبيها والمشاركين فيها بغرامات رادعة و بإلغاء ترخيص المشاركين فيها. أما إذا لم تكن المركبة مرخصة حينئذ تتم مصادرتها وتطبيق أقصى عقوبة على مرتكبها.

وبالنسبة لحوادث إطلاق النار والصواريخ فيجب إلغاء ترخيصها ومنعه من الترخيص مستقبلا ومضاعفة عقوبته فى حالة عدم ترخيصها.

لا ضرر ولا ضرار

يقول الدكتور احمد كريمة - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر - ظاهرة التصرفات المسيئة فى الاحتفالات الاجتماعية كالزواج والخطبة وعقد القران ، وما يتصل بها ويصاحبها من تعطيل السير والمرور ، مخالف لما أوجبته الشريعة الإسلامية من حقوق الطرق واطلاق ما يسمى بالشماريخ ذات الأصوات المفزعة ، كلها حكمها كحكم سابقتها فى المخالفة لما قررته الشريعة الإسلامية «لا ضرر ولا ضرار»، وإطلاق الأعيرة النارية التى تودى بحياة الأبرياء والتى جرمها الشرع المطهر «ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة»، «ولا تقتلوا أنفسكم ، إن الله كان بكم رحيمًا».

ولتلافى هذه الظاهرة المؤسفة والمتفاقمة والضاربة بعرض الحائط بكل القيم والمبادئ والأعراف الأصيلة يجب الأخذ بتدابير وقائية وأخرى زجرية ، فأما الوقائية فلابد من الوعى الدينى والإعلامى بشتى الوسائل للتبصرة والتذكرة بتداعيات هذه التصرفات الهوجاء. وأما التدابير الزجرية فلو وجدت دوريات شرطية أمنية وتعاملت بحسم وحزم مع هؤلاء المتهورين ما تفشت هذه الظاهرة ويجب على المقنن فى التشريع تغليظ العقوبات فهذه جناية عمدية مكتملة الأركان تعد خروجا على الآداب العامة للمجتمع.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق