رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

العلماء فى ذكرى الهجرة النبوية الشريفة:
الانتماء وحب الأوطان وحسن التخطيط ..أهم الدروس

تحقيق ــ خالد أحمد المطعنى
فى هذه الأيام تمر علينا ذكرى الهجرة المباركة من مكة المكرمة إلى يثرب التى أصبحت بعد ذلك المدينة المنورة، فالهجرة قصة إيمان وحياة وتضحية، فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، الوطن والمال والأهل ابتغاء رضوان الله تعالي، وليس فرارا كما يدعى البعض، أو لأى هدف آخر، وقد سجل القرآن ذلك فى سورة الحشر، قال تعالى «للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون».

وطالب علماء الدين، بضرورة الاستفادة من دروس ذكرى الهجرة النبوية المباركة، من خلال غرس قيم حب الوطن والانتماء له والدفاع عنه، فى نفوس النشء، حتى يكبروا وينشأوا ويتربوا على ذلك، وأكدوا أن حادث الهجرة مملوء بالدروس والعبر، التى يمكن الاستفادة بها فى مختلف المجالات للنهوض بالبلاد، ويتحقق الخير للجميع.

ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء، لقد أعطت الهجرة النبوية المباركة، دروسا عميقة ودقيقة فى قيام الدولة الإسلامية على قواعد راسخة، منها توثيق الصلة بالله من خلال بناء المسجد فى المدينة، وتوثيق الصلة بين المسلمين مع بعضهم البعض، فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وضرورة التعايش السلمى بين المسلمين وغيرهم من ساكنى المدينة المنورة من اليهود وأصحاب الديانات الأخري، فكانت وثيقة المدينة لتحقيق الأمن الداخلي، وتوحيد الجبهة الداخلية فى مجتمع المدينة، فيما عرف بعد ذلك بأول وثيقة عرفتها الإنسانية لحقوق الإنسان، وتنص هذه الوثيقة على أن جميع المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات، فكانت تلك الوثيقة ترسيخا لمعنى ومبدأ المواطنة الحقيقية، والأساس فى بناء الوحدة الوطنية بمفهومها الصحيح.

نشر القيم الحميدة

وأشار إلى أن ذكرى الهجرة كلما أشرق نورها، وجب على المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، أن يستلهموا منها العبر والدروس، ونشر القيم الحميدة فى المجتمع، مثل الإيثار والشجاعة والانتماء والولاء وحب الأوطان، وإتقان العمل والمحبة، حتى تنهض الأمة برسالتها، موضحا انه إذا كانت الهجرة قد سعد بها المسلمون الأوائل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن المسلمين فى عصرنا الحاضر عليهم الاقتداء بأسلافهم، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» فالذى فاتته الهجرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، عليه أن يهاجر من الحقد والحسد إلى حب الخير، وان يهاجر من الذنوب والمعاصى إلى طاعة الله والعمل الصالح، ومن حب النفس إلى الإحساس بالآخرين، حتى يعيش الجميع فى خير وسعادة ونماء.

وأكد ان من الدروس المستفادة من حادث الهجرة، حسن التخطيط لأى عمل يقوم به الإنسان فى حياته، سواء كان هذا العمل صغيرا أو كبيرا، حتى يصل إلى الهدف الذى يصبو اليه، فقد أحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذ جميع الأسباب التى أوصلته فى النهاية الى غايته والوصول إلى المدينة المنورة بسلام وأمان، وذلك من خلال الاستعداد المسبق للهجرة، فقد درب أصحابه على أسلوب الهجرة من مكة، حينما أمرهم بالهجرة الأولى إلى الحبشة، كما أحسن التخطيط حينما وزع الأدوار، فابوبكر الصديق كان الصاحب للرسول صلى الله عليه وسلم فى هذه الرحلة، وعلى بن أبى طالب ينام فى فراشه ويتغطى ببردته ليلة الهجرة كنوع من التمويه على المشركين، ويقوم على بن ابى طالب بعد ذلك برد الأمانات التى كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهلها، كما قامت أسماء بنت ابى بكر الصديق بحمل الطعام له ولأبيها حينما مكثا فى غار ثور، قبل الانطلاق الى المدينة، واتخذ الرسول صلى الله عليه سلم عبد الله بن اريقط دليلا له فى طريق الهجرة وهو غير مسلم، وفى هذا دليل على انه يجوز الاستعانة والاستفادة بغير المسلمين الذين لديهم خبرة، فى الأمور إلى تتحقق فيها الفائدة للإسلام والمسلمين، فما أحوجنا إلى أن نتعلم ونستفيد من دروس الهجرة فى حياتنا، لتنهض الأمة من كبوتها، ويتحقق فيها قول الله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».

دروس باقية

ويرى الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق، ان هناك دروسا كثيرة نستفيدها فى ذكرى الهجرة المباركة، وهى دروس تظل باقية فى إطار الإفادة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، من هذه الدروس تعلم قيمة الانتماء ومحبة الأوطان، ونلحظ ذلك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما اشرف على الخروج من مكة المكرمة فى طريقه مهاجرا إلى المدينة المنورة، حيث نظر اليها وفى عينيه دموع المفارق للحبيب، وقال بكلمات يذكرها التاريخ بأحرف من نور «والله انى لأعلم انك احب بلاد الله الى الله وأحب» البلاد إلى قلبى ولولا أن اهلك اخرجونى منك ما خرجت، وعلينا ان نتخيل ونتصور المشاعر الجياشة فى قلب النبى صلى الله عليه وسلم فى تلك اللحظة، ولم لا وهى مسقط رأسه وبلده التى كبر وترعرع فى وديانها وجنبات أركان بيتها العتيق، وهذا يدلنا على مدى شدة الانتماء لوطنه مكة، على الرغم انه قوبل بعنت وأذى شديدين من أهلها، ولقد طمأنه رب العزة سبحانه وتعالى بأنه راجع وعائد إليها، وأنزل عليه قوله «إنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّى أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِى ضَلَالٍ مُبِينٍ».

وأشار إلى أن الدرس الذى نتعلمه من ذلك الموقف، هو التذكير بضرورة إيجاد العلاقة الروحية والانتمائية والنفسية بالمكان الذى ولد وتربى ونشأ فيه الإنسان، وقيمة الحب والانتماء للوطن تقتضى من الإنسان ان يكون حاميا ومحبا ومدافعا عنه ومفتديا له بكل غال ونفيس، ومجاهدا وعاملا بكل ما فى استطاعته وقدرته، والمحافظة على كل ما فيه من مقدسات، وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الخاصة الضيقة، حتى يتحقق لهذا الوطن التقدم والرفعة والرخاء والتنمية لجميع أبنائه، موضحا ان يجب على الأسرة أولا والمؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية ثانيا، ان تغرس قيمة حب الوطن والانتماء له فى نفوس النشء، حتى يتربوا عليها منذ الصغر، وتكون ملازمة له فى شبابه، فلا يقع فريسة لأفكار تنحرف به والمجتمع عن المسار الصحيح.

وأشار إلى أن فى الهجرة المباركة معانى عظيمة وقيما جليلة، تتجلى فى أن بناء مؤسسات الدولة، من أهم ما يفعله المسئول عن الدولة، فأول شىء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين دخل المدينة المنورة مهاجرا، هو بناء المسجد، ولم يكن مكانا للعبادة فقط، بل مكان للاجتماع فيه والتشاور فى جميع أمور الدولة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية، فيما يخدم المصلحة العليا للدولة، وليس لمصلحة فرد او جماعة، كما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فى أفضل صورة عرفتها البشرية وسجلها التاريخ، حتى يتم توحيد الصف والكلمة، «والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة»،

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق