"مقالات محمد حسنين هيكل – دراسة فى البنية والأسلوب" هو عنوان رسالتى التى قدمتها لنيل درجة الدكتوراه من قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس، وبعيداً عن الرسالة ومادتها العلمية،فقد حفلت المناقشة بالكثير من الآراء والأفكار المهمة عن هيكل، طرحتها لجنة المناقشة فى سياق مناقشة الأفكار التى طُرحت بالرسالة، وكانت الآراء من الأهمية بحيث يمكن أن يُفرد لها موضوع خاص بعيداً عن الأفكار التى طُرحت بالرسالة، حيث تعبر هذه الأفكار عن رأى بعض قامات الأدب والنقد فى هيكل وكتاباته.
...........................................................
وبدأت المناقشة بكلمة د. محمد فايد هيكل الأستاذ المساعد بكلية الدراسات العربية للبنات بجامعة الأزهر بالمنصورة، فقال إن أحد أكثر الجوانب الإيجابية فى الرسالة هو اختيار هذا الموضوع المتميز، لأن اختيار كاتب مشهور له قدره ودوره البارز فى الحياة الواقعية والسياسية، ويتميز بأسلوبه الخاص ومكانته، خاصة مع أن الباحث مال للجانب الأدبى فى مقالات محمد حسنين هيكل، فقد نظر إلى الظواهر الأسلوبية البلاغية التى يتميز بها أسلوب هيكل، فطبق المقاييس البلاغية المستمدة من التراث.
وأضاف أن من أبرز السمات الأسلوبية عند هيكل "التشبيهات والصور البلاغية، فالتشبيه عند هيكل رائع، خاصة التشبيه التمثيلى الذى يصور فيه صورة كلية ويطبقها على الحياة السياسية أو الأوضاع القائمة، كذلك تميز هيكل بروعة الإيجاز، فإن له عبارات موجزة كثيرة خاصة فى عناوين مقالاته، وأشار إلى أنه يصنف مقالات هيكل على أنها موضوعية تظهر فيها السمات الذاتية.
وأوضح أنه كان يحرص على قراءة مقال هيكل كل يوم جمعة، رغم اختلافه معه فى بعض ما طرحه، مثل هجومه على الملك فيصل –رحمه الله- فى مقاله "إلى صاحب الجلاله"، موضحا أنه يرى أن ذلك قد أثر سلباً على العلاقات المصرية السعودية فى ذلك الوقت، وعلى حركة القومية العربية بشكل عام، فكانت فكرة الملك فيصل تكوين الحلف الإسلامى، لأنه يرى أن قضية فلسطين قضية إسلامية إسلامية، فقد أراد أن يجيش الدول الإسلامية من أجل استرداد حقوق الفلسطينيين، ومن ورائها دول العالم، لكن هيكل تصدى لهذا الاتجاه وكتب ضده.
أما د. محمد يونس عبد العال الأستاذ بالكلية فقد بدأ كلامه بالإشادة بهيكل، فقال إنه قامة كبيرة، وكلنا عشنا جميعا فوجدناه كما وجدنا نهر النيل والأهرامات، وافتقدناه منذ أقل من ستة أشهر، وعند قراءتى مثل هذه الرسالة تداعت عندى الذكريات، فأنا أقرأ لهيكل منذ خمسينيات القرن العشرين، ومهما اختلفنا حوله، فإنه حتما يشدنا جميعا، فنحن نقرأ كلامه وننصت له، وكنا ننتظر أحاديثه فى السنوات الأخيرة ونحرص على ألا تفوتنا حلقة منه، وكان معظم المصريين يستيقظون صبيحة يوم الجمعة على مقاله المعروف "بصراحة" كأنه من الضروريات التى لا يستغنى عنها المصرى.
وأضاف: كان –رحمه الله- مؤثراً فى أساليبه، وكان ذا أثر كبير على جماعات المثقفين وجماعات الصحفيين، وكان مثالاً احتذاه صحفيو العصر، لكن لا ننسى أنه واحد من مئات الصحفيين فى مصر، فمثله كثيرون، لكن هيكل عين لاقطة وأذن منتبهة دائماً، وعقل مشتعل، له ملحوظات دقيقة يذكرها فى كتاباته، وكأن عينيه آلة تصوير تسجل كل شئ، وهو من جيل الرواد، شخصيته منفتحة على العالم وملم بثقافة عربية وأجنبية واسعة، وزار بلاداً كثيرة.
وأوضح أن ما يشده لهيكل وجيله أنه نتاج الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية وعام 1952 التى اصطلح على تسميتها بالفترة الليبرالية، وهى فترة خصبة أرى أن من عاشوها قارنوا بين تلك الفترة وفترة جديدة عاشها هيكل، فهو –فى رأيى- تلميذ لطفى السيد وطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وهذا الجيل الذى كان له تأثيره فى هيكل، لكن لا أنسى أن هيكل –بعد عام 1952- كان قريبا من الحاكم أياً كان، وبخاصة الحاكم الأول الذى حكم مصر فى الفترة الأولى، لكن هيكل كان معروفاً فى فترة الأربعينيات وكان رئيساً لتحرير مجلة آخر ساعة.
وقال د. يونس: أنا أرى أن هيكل كان يكتب كما يؤمر وليس كما يريد، فهو نفسه صرح بذلك حينما تحدث عن كتابى "فلسفة الثورة" والميثاق"، والرسالة تتحدث عن تنوع المقالات عند هيكل بين الذاتية والموضوعية، لكنى أرى أن هناك نوعاً واحدا لهيكل فى مقالاته، فهو مقال سياسى بالدرجة الأولى، فهيكل بالنسبة لى، وأنا ملمٌ إلى حد ما بتاريخ الأدب العربى القديم، يمثل ظاهرة الكاتب الأول فى الدولة، بمعنى أنه على مر عصورنا كان الحاكم العربى، الخليفة وغير الخليفة، كان الرجل الثانى بالنسبة له هو رئيس ديوان الرسائل، فهو أبرز كاتب فى الدولة، وهو الذى يستطيع أن يعبر عن أفكار الحاكم وأن يصوغها بما يلائم السياسة المطلوبة للدولة، حتى إن المؤرخين القدامى فى أدبنا العربى القديم كلهم عندما يتحدثون عن "فلان" الخليفة، كانوا يتحدثون عن كُتَّابه وقضاته، وأنا أعتقد أن هيكل كان له تأثيره فى سياسات البلاد بشكل واضح، ولا ننسى أن الحاكم آنذاك عندما أراد وزيراً للإرشاد القومى جعله هو وزيراً، وحينما خلا منصب وزير الخارجية لأن الوزير كان فى إجازة أو ما يشبه الإجازة، قال لهيكل: كن أنت وزير الخارجية وقم بأعمال الوزارة إلى ان يعود، فتسلم هيكل المناصب بشروط نظراً لاعتزازه بمنصبه الصحفى، ولعله كان يخشى تقلبات السياسة ومحاذيرها.
وأشار إلى أن ذلك لا ينفى أن هيكل ظاهرة تشدك إليه، لا تستطيع أن تتخلى عن قراءته، وسيظل مرجعاً لكل من يؤرخ للفترة الطويلة التى عاشها، والتى ملأ فيها الدنيا بكتاباته، وحتى الآن لا تخلو صحيفة من الكتابة عن هيكل، وقال إنه شعر بالأسف لوفاته، حيث كان يترقب حلقاته وحواراته، وأنه كان يتمنى أن يذكر انطباعاته الحقيقية عما قبل عام 1952 وما بعده.
وأشاد د. محمد يونس باختيار مقالات محمد حسنين هيكل موضوعاً للرسالة، مؤكداً أنه اختيار موفق لأن هيكل يستحق دراسات كثيرة، وهناك جوانب كثيرة فى هيكل يجب أن تدرس، منها الصور البيانية عنده، فيمكن أن يفرد لها مباحث متعددة، ولعل هذه الروح الأدبية التى ميزت كتاباته وجعلته مختلفاً عن كُتَّاب عصره هى التى أبهرت القراء، وجعلته يستحق أن يُفرد له ولمقالاته الدراسات والأبحاث. واختتمت المناقشة بكلمة د. إبراهيم عوض الأستاذ بكلية الآداب والمشرف على الرسالة وصاحب فكرتها، فقال: اخترت هيكل موضوعاً لهذا البحث لعدة أسباب، فقد أردت الخروج عن الموضوعات التقليدية المعروفة للرسائل فى الشعر والقصة والرواية والنقد، والمقالات فرع أصيل من فروع الأدب، ووقع اختيارى على هيكل أولا هيكل لأن أشهر صحفى فى العالمين العربى والإسلامى وأيضا هو من كبار الصحفيين فى العالم من حيث الشهرة. وأضاف: لقد قمنا بالتركيز على الجانب الأدبى فى مقالات هيكل، فقد كان حريصا على بناء المقال وجمال العبارة، وكان يستشهد فى مقالاته بآراء الأدباء والمبدعين والمفكرين، كذلك فقد كان يتحدث أحياناً عن أدباء كبار وأعمال أدبية كبرى، فلا أنسى مقاله الذى كتبه عن ترجمة الأديب الأسكتلندى جيمس بوزويل لسيرة حياة صمويل جونسون أحد أعظم الكتاب الإنجليز، وقد انتظرت حتى سافرت إلى انجلترا لأبحث فى كتابات جونسون التى لفت نظرى إليه مقال هيكل.
وقال د. عوض: وأنا فى أكسفورد فى بريطانيا فى أواخر السبعينيات، دُعى هيكل لالقاء محاضرة هناك، وقد عومل على انه زائر كبير، فرأيت كيف استقبلوه استقبالا رائعا، والحشد الكبير الذى حضر المحاضرة من العرب وغير العرب، وألقى المحاضرة بلغة انجليزية قوية.
وأوضح أن كان كثيراً من الناس ينظرون إلي هيكل على أنه كان الرجل الثانى فى الدولة بجوار عبد الناصر، كذلك فقد كان –رحمه الله- حريصا على فخامة مظهره، فقد كان انيقاً حريصا على الظهور بالملابس الرسمية والسيجار الفخم، وكان يتكلم دائما عن الزعماء، وعندما كان يهاجمه أو اتهمه أحد لا يرد، ويتظاهر باللامبالاة، فلم نسمع أنه أقام دعوى قضائية ضد أحد رغم كثرة من هاجموه، وكانت مقالاته تنشر فى عدد من أكبر الصحف العالمية وكان مقاله بصراحة منتشرا لدرجة أن إذاعة اسرائيل كانت تذيعه كاملا.
وأشار إلى أنه كان يتمنى لو حضر هيكل لكنه قدر الله أن يتوفاه قبل المناقشة بأسابيع.
رابط دائم: