قبل عشرين عاما وقفت بولين هانسون زعيمة حزب «أمة واحدة» اليمينى الأسترالى على منبر مجلس الشيوخ قائلة ان أستراليا معرضة لخطر تدفق الأسيويين, والآن تعود الزعيمة السياسية المتطرفة ذات الـ 62 عاما لنفس المنبر بعد حصول حزبها على أربعة مقاعد فى الانتخابات العامة الأخيرة
ليصبح رابع أقوى حزب فى المجلس المتوازن بدقة, مطلقة سهام العنصرية ولكن هذه المرة صوب المسلمين الذين ترى هانسون أنهم يشكلون خطرا على بلادها. فهى تريد حظر تدفق المهاجرين أو «أهل الزوارق» كما تطلق عليهم, كما تطالب بتثبيت الكاميرات الأمنية فى المساجد ومنع بناء أية مساجد جديدة, وحظر ارتداء النقاب فى الأماكن العامة والانسحاب من اتفاقية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وقبل بضع سنوات كانت مثل هذه السياسات على الهامش الخارجى للحياة السياسية الأسترالية.
بولين هانسون، السياسية الأسترالية المعادية للمسلمين والآسيويين فى بلادها، ذات الشعر الأحمر والأم لأربعة أطفال وصاحبة متجر الأسماك والبطاطا الشهير فى سيدني، حققت شهرتها بداية من عام 1996 حين استطاعت الحصول على مقعد فى البرلمان الأسترالي.
هانسون التى اشتهرت أيضا بالمشاركة فى برنامج تليفزيونى لمسابقات الرقص، أخفق حزبها فى الانتخابات العامة عام 1998 وفشلت حتى فى الاحتفاظ بمقعدها بمسقط رأسها فى ضاحية بريسبان, عندما توحدت الأحزاب الليبرالية ضدها, كما أدينت بتهمة تزوير الانتخابات آنذاك ودخلت السجن لمدة قصيرة. وبعد خروجها من السجن عام 2003 تعود الآن مع حزبها لتمثل قوة أساسية فى الحياة السياسية الأسترالية وخاصة مجلس الشيوخ الذى يفتقر فيه الائتلاف الحاكم الليبرالى الوطنى للأغلبية ويرزح تحت ضغوط سياسية ضخمة لتسريع النمو الاقتصادي, حيث يعتمد الليبراليون على هانسون من أجل تمرير القوانين التى ترفضها المعارضة اليسارية فى البرلمان. غير أن التفاوض مع «أمة واحدة» من الممكن أن يضع مالكولم تيرنبول، رئيس الوزراء وزعيم الحزب الليبرالي، فى موقف حرج, فالمصرفى السابق يعتبر ليبرالى النزعة حول العديد من القضايا الاجتماعية, فهو مؤيد قوى لزواج المثليين، على سبيل المثال, وهو الأمر الذى كثيرا ما يضعه فى خلاف مع الجناح المحافظ فى حزبه. أيضا التحالف مع هانسون قد يغضب بعض النواب البرلمانيين الذين فضلوا الانسحاب أثناء الجلسة التى ألقت فيها هانسون خطابها المعادى للمسلمين مؤكدين أنه غارق فى العنصرية, وكان زعيم حزب الخضر واحدا من هؤلاء المنسحبين وقد أعلن تضامنه مع كل الذين أثارت حفيظتهم تصريحات هانسون، مؤكدا أنه لا مكان للعنصرية تحت قبة البرلمان الأسترالي.
ابرام الاتفاقات مع هانسون يمكن أن ينفر أيضا أنصار تيرنبول فى المدن الأكثر ثراء، حيث يعتبر كثير من الناس أن خطابتها المثيرة للمشاعر من المحتمل أن تؤجج العداء تجاه الجالية المسلمة الصغيرة نسبيا.
ورغم أن أستراليا تعد واحدة من البلدان الأكثر سلمية وانسجاما اجتماعيا والجاذبة للمهاجرين فى العالم، والهجمات الارهابية فيها نادرة للغاية, الا أن الاختلافات الثقافية والعرقية بين 1.5% من السكان المسلمين والأكثرية المسيحية, تحظى بالكثير من الانتباه وتسهم فى التصور الذى يوجد لدى بعض الأستراليين أنه يتم قهرهم من قبل مهاجرين يحملون ثقافة وأيديولوجية مختلفة. وهنا يأتى دور اليمين المتطرف المتمثل فى حزب «أمة واحدة» ليلعب على تلك المخاوف, ولا يجد غضاضة فى اعلانها صراحة «أستراليا للأستراليين», كذلك تتسق سياساته وخطاباته مع تصريحات المرشح الجمهورى للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب التى ذكرت تقارير أن بولين هانسون استعانت بمستشار سابق له فى اطار سعيها لترسيخ نجاحها السياسى فى أستراليا. كما تتسق سياسات حزبها أيضا مع حزب الاستقلال بالمملكة المتحدة، والذى دافع عن التصويت الأخير بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بنجاح.
ويرى بعض المراقبين أن صعود اليمين الأسترالى وعودة زعيمته بعد سنوات من العزلة السياسية هو مثال صارخ على مدى شعبية «الاسلاموفوبيا»، حيث أكدت صحيفة »واشنطن بوست« الأمريكية أن التمييز العنصرى ضد المسلمين فى المجتمع الأسترالى قد ارتفع بشكل ملحوظ منذ صعود اليمين المتشدد, وأن المهاجرين من الأفارقة المسلمين هم الأكثر عرضة للتمييز العنصرى فى البلاد، حيث اعتبر 71% منهم أنهم تعرضوا لاعتداء وتهجم لفظي، فيما اعتبر 17% منهم أنهم تعرضوا لاعتداء جسدي, وفى نفس التقرير أعرب أحد المواطنين المسلمين فى أستراليا عن أنه لم يعد يعرف نفسه باسمه الحقيقى «محمد»، ويفضل استخدام اسم آخر خوفا من تعرضه للاضطهاد بسبب تصاعد الكراهية للمسلمين فى البلاد.
رابط دائم: