لا حديث يعلو على فطر «الإرجوت» حيث أشتعلت المعركة بين طرفى الأزمة منذ صدور قرار وزير الزراعة بمنع دخول شحنة مصابة بالفطر رغم عدم تجاوزها النسبة المسموح بها دوليا من منظمتى الزراعة والأغذية «الفاو» والصحة العالمية وهي 0.5%.وكلا الطرفين يبحث عن مصالحه الخاصة فقط على حساب الوطن فالطرف الأول يرى أن دخول قمح مصاب بالفطر سيؤدى الى أضرار كثيرة تصيب الإنسان والنبات والحيوان وأن الفطر فيه »سم قاتل« يؤدى إلى الإصابة بأمراض سرطانية والاصرار على دخول شحنة القمح المصابة تقف خلفه مافيا القمح التى لايهمها سوى المكسب المادى فقط.
وفى المقابل يرى الطرف الآخر أن الأمر لا يحتمل كل هذه الاتهامات الجاهزة وأن من يروجون للشائعات حول أضرار القمح لا يفهمون أكثر من أعضاء منظمتى «الفاو» والصحة العالمية وأن مصر مقبلة على أزمة فى توفير رغيف الخبز بسبب صعوبة توفير مايقرب من 10 ملايين ونصف المليون طن قمح خالٍ ــ يتم استيرادها من الخارج ــ دون فطر وأنه قد تم توريط مصر فى أزمة كنا فى غنى عنها وأننا لسنا أكثر خوفا على مواطنينا من الدول التى ينتشر فيها هذا الفطر مثل روسيا وفرنسا وأوكرانيا ولم يحدث لهم أى مكروه ليس هذا فقط بل إن الأزمة وصلت إلى البرلمان حيث قرر عدد من النواب تقديم استجوابات فى دور الانعقاد الثانى ضد وزير الزراعة لاتخاذه قراراً عشوائياً، دون دراسةبوقف دخول شحنات القمح المستورد إذا ما احتوى على 0٫5% من فطر «الإرجوت» ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تطور لقضية تعويضات من الشركات المصدرة ضد مصر حيث طالبت إحدى الشركات الرومانية مصر برد مبلغ 500 ألف دولار بعد عدم تمكنها من شحن القمح المتفق عليه بسبب الخلاف حول القدر المسموح به من فطر الإرجوت. ليس هذا فقط بل لا أحد يعرف مصير شحنات القمح القادمة وفى طريقها إلى مصر فى عرض البحر وتحركت قبل صدور قرار الوزير بمنع استيراد قمح يحتوى على أى نسبة من فطر الإرجوت، كما أننا كنا فى غنى عن تلويح روسيا بوقف استيراد الموالح المصرية التى تعد أكبر مستورد لها وثالث أكبر مستورد للبصل والبطاطس المصرية ويتجاوز حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا 5 مليارات و88 مليونا و820 ألف دولار. تحقيقات «الأهرام» تناقش ملف الفطر الذى تحول إلى أزمة ستحمل الكثير من المفاجآت خلال الأيام المقبلة.
فى البداية يرى ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان أن وزير الزراعة اتخذ قراراً متسرعاً دون دراسة أو مناقشة مع الجهات المختصة فى الدولة لتحديد الأضرار التى ستقع على مصر جراء فسخ تعاقداتها مع الدول المصدرة لـ»الإرجوت« وأنه تصرف بشكل فردى وكأنه لا توجد أجهزة فى الدولة تسهم فى اتخاذ القرار، مضيفاً أن كثيرا من الدول الأجنبية تستخدم هذا القمح لانخفاض درجات الحرارة خاصة أنه لا يوجد قمح خالٍ من الإرجوت، وشدد عضو مجلس النواب على إن روسيا تُعد من الأسواق الجيدة للحاصلات الزراعية المصرية وما يحدث ليس فى مصلحة الاقتصاد المصري.
قرار مصيرى
من جانبه، قال عبد الحميد الدمرداش، رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية ووكيل لجنة الزراعة بمجلس النواب: حتى الآن لم يتم حظر الموالح والفاكهة إلى روسيا والتهديد بهذا الأمر جاء بطريقة بمنتهى الاحترافية وعلينا معالجة الأمر باحترافية«مثلهم وليس باتخاذ قرارات غير مدروسة وشدد على أنه يجب التأكد من توفير 10 ملايين ونصف مليون طن قمح من بلاد ومصادر أخرى خالية من فطر الإرجوت وبأسعار معقولة وذلك لحماية صحة المواطن« قبل اتخاذ هذا القرار المصيري، فالقمح قضية أمن قومى من الدرجة الأولى لابد من دراسة كل مايتعلق بها قبل اتخاذ قرارات مصيرية، مؤكدًا أن هناك مراكب قمح روسى بها فطر الإرجوت موجودة الآن بعرض البحر فى طريقها إلى مصر سوف تمثل أزمة حقيقية للحكومة المصرية.وانه من غير المعقول أن ترد مصر مراكب القمح الروسى مشيرًا إلى أن السوق الروسى، هو أهم وأول الأسواق الغربية لمصر فى صادرات المحاصيل الزراعية، حيث تستورد روسيا حاصلات زراعية مصرية بنحو 250 مليون دولار سنويًا. كما ان هناك منظمت «الفاو» والصحة العالمية وهما يمثلان دستور الغذاء العالمى والمفوضية الأوروبية أكدتا جميعا أنه لا تأثير على الانسان والنبات من فطر الإرجوت فى حدود النسبة المسموح بها. وشدد وكيل لجنة الزراعة على أنه كان يجب على وزير الزراعة احترام الآراء المخالفة لرأيه حول هذه القضية وإجراء حوار مجتمعى مع المجالس التصديرية والنقابات والجهات المسئولة قبل اتخاذ القرار.
الإصابة بالفطر
أكد الدكتور عمرو قنديل، رئيس قطاع الطب الوقائى بوزارة الصحة، أن القمح الخام الوارد للبلاد بعد وصوله إلى مصر يمر بـ 5 مراحل لتنقيته من الشوائب وهى التبخير والتهوية والغربلة والنقاوة والغسل وأنه يتم أخذ عينات من القمح بعد تجهيزه للطحن بواسطة الجهات الرقابية ويتم فحصها بالمعامل المركزية لوزارة الصحة للتأكد من خلوها من الإرجوت بالنسب المضرة، مؤكدًا أن 100% من العينات التى تم سحبهاو تحليلها فى المعامل المركزية سليمةوخالية من فطر الإرجوت تمامًا.. الذى لا يمكن بعد العمليات الخمس التى يمر بها أن يتسرب إلى الدقيق المطحون.
والنسب المسموح بها لفطر الإرجوت فى القمح الخام بالمواصفات القياسية المصرية 0.05% هى نفس النسب التى يسمح بها بالمواصفات القياسية الدولية والتى جاءت بتشريعات هيئة الدستور الغذائى العالمى »الكودكس«، والتى تشترك فيها 187 دولة حول العالم، كما أن أكثر من 95% من القمح المتداول عالميًا به هذه النسب من الإرجوت فى القمح الخام، وتعتبر مصر من أكثر الدول التى تستورد القمح الخام.
وأكد قنديل أن مثل هذة الشائعات التى يرددها البعض حول فطر الإرجوت تتسبب فى حدوث بلبلة فى الرأى العام لمن يرغب فى زعزعة استقرار البلاد لافتًا إلى أن هناك 20 جهة فى مصر اتفقت على ألا تتعدى نسبة الإرجوت فى القمح 0.05 % ومنها وزارتا الزراعة والصحة.
خط أحمر
من جانبه، قال الدكتور صلاح يوسف، وزير الزراعة الأسبق إن قرار حظر الأقماح المصابة بفطر الإرجوت الذى أصدره وزير الزراعة الدكتور عصام فايد خلال الفترة الماضية ليس موجهًا إلى بلد بعينه ولكن ينطبق على جميع الأقماح المصابة بفطر الإرجوت فى العالم، مؤكدًا أن من يقل أن هذا القرار خرج بالتحديد للقمح الروسى فكلامه عار تمامًا عن الصحة، معللا ذلك بأننا نستورد من روسيا أقماحا خالية تمامًا من فطر الإرجوت منذ سنوات عديدة.
وأن روسيا عندما تتحدث عن حظر منتجات زراعية لأى دولة فهى لاتتحدث بعشوائية وانما بناء على نتائج علمية، مشيراً إلى أن الأزمة يفتعلها بعض رجال الأعمال والمستوردين ضاربين بعرض الحائط مصلحة المصريين، وأوضح أن امتناع المستوردين الوطنيين عن الدخول فى مناقصات الشراء يعد خيانة وعلى الدولة أن تتخذ إجراءات من شأنها شطب الممتنعين من سجل المستوردين.. فلا شك أن قرار وزير الزراعة ينحاز لحماية الأرض الزراعية والقمح المصرى من احتمالات الإصابة بهذه الآفة الخطيرة ليس مصلحة فردية ولكن مصلحة مصر.
وأوضح يوسف أن طفيل الارجوت هو مرض فطرى وهو من الآفات الخطيرة التى تصيب بعض النباتات ومنها القمح.. فمع بدء برودة المناخ تنتشر الآفات فى التربة لتنمو وتطلق الجراثيم فى الجو وتهاجم المحصول الجديد وعند موسم الحصاد تختلط هذه القرون السوداء مع محصول القمح ويأكلها الإنسان والحيوان . وبالطبع فهى خطرة جداً، كما أن هذا الفطر يحوي مادة «الإرجوتامين» والتى تم استخلاصها منه للمرة الأولى فى بدايات القرن العشرين والتى تستخدم طبياً لعلاج التشنجات العضلية ولزيادة انقباضات الرحم أثناء الولادة ولها الكثير من الاستخدامات الطبية.
وأكد أن صحة المصريين خط أحمر ولا يجب التنازل عن أى معايير من شأنها تهديد الأمن الغذائى والقومى المصري، مشيراً إلى أن جميع دول العالم تضع قواعد الحجر الزراعى التى تخصها وليس منوطا بها الالتزام بما جاء فى هيئة الدستور الغذائى «الكودكس» التى أنشئت عام 1963من قبل منظمة الأغذية والزراعة »الفاو« ومنظمة الصحة العالمية لوضع معايير الغذاء والدلائل الإرشادية والنصوص ذات الصلة مثل مدونات الممارسة فى إطار برنامج المواصفات الغذائية المشترك بين منظمتى الصحة العالمية والفاو.
المناخ غير مناسب
من جانبها، قالت النائبة نادية هنرى عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب إن اللجان العلمية المختصة التى شكلتها وزارة الزراعة انتهت إلى أن فطر الإرجوت يسبب مرض «الإرجوتزم» ويؤدى هذا المرض إلى ضعف الدورة الدموية وغرغرينة الأطراف والشلل وأيضًا يصيب الحيوانات التى تتغذى على القمح المصاب، إذ يقوم هذا الفطر بافتراس مبايض القمح وهو من الآفات الخطيرة ويصيب الإنسان والماشية ويؤذى البيئة ويضر ضررا بالغا بالقمح المصرى الخالى من الإرجوت. وأى إصابة فيه تعرض صحة المواطنين للخطر، مشيرة إلى أن تلوثه قد يدفع إلى الإصابة بالإعاقة الدائمة أو الوفاة.
والفطر لم يظهر فى محاصيلنا حتى الآن نتيجة عدم مواءمة ظروفنا المناخية لنموه ويتم التعامل معه فى الخارج باتباع الدورة الزراعية.
وأكدت على وقوف اللجنة الاقتصادية والزراعية بمجلس النواب مع وزير الزراعة فى منع دخول فطر الإرجوت البلاد مهما تكن الضغوط والظروف حفاظا على صحة المصريين.
رابط دائم: