رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بحار ماهر وسط عواصف الفكر والإبداع
يوسف نوفل..شفرة العبقرية

د.محمد حسين أبوالحسن
أرسله أبوه إلى معهد دمياط الأزهرى، أملا فى أن يصبح «إماما» لمسجد بناه بجهوده الذاتية.. بكت أمه، ونزل هو مكرها على رغبة أبيه.. للقدر تدابير لاتخطر على قلب بشر، استشعر فيه مدرس الإبتدائى نبوغا مبكرا، فقال له شعرا: « جاهد لتظفر بالمنى يا نوفل- حتى يكون لك المكان الأول»، لم يخيب الظن، التحق بكلية دار العلوم ثم تخرج عام 1964.. وذات ليلة عام 1965 سلّمه يوسف السباعي خمس جوائز دفعة واحدة، من المجلس الأعلى للفنون والآداب، في الشعر والقصة القصيرة والمسرحية والمقال والبحث الموجز.. استمرت هوايته فى حصد الجوائز العلمية، حتى إنه عجل بالزواج، لأنه اكتشف أن «تحويشته» من الجوائز، تغطى نفقات الزواج..

يصعب أن أعرفك به، هل هو المفكر أو الناقد أو الشاعر أوالقاص أو الأستاذ الجامعى أو العميد المؤسس لعدد من الكليات بمصر والدول العربية. ببساطة إنه كل هؤلاء فى واحد، رجل يحمل شعلة العلم المقدسة، يتنقل بها، بين جسارة الفكر ولذة الإبداع وأفق الموسوعية، عقل باهر العطاء، قامة علمية تنتصب بشموخ أمام مطارق الزمان، يعمل بعزم ويجتهد بحزم، دون ضجيج أو إدعاء، يهز قبضته فى وجه الشللية وأمراض «النخب المزيفة»، حتى تتوارى بالحجاب، إنه العلامة الدكتور يوسف حسن نوفل أستاذ الأدب والنقد بجامعة عين شمس، الذى يتوكأ على عصا «العبقرية» ويهش بها على القصائد والأفكار، إنه ثلاثون مؤلفا علميا راقيا وخمسة دواوين شعرية وموسوعات وعشرات الجوائز والمؤتمرات والأنشطة الثقافية، ومئات من رسائل الماجستير والدكتوراة حول العالم..

ولد يوسف نوفل عام 1939، فى بورسعيد الباسلة، عشية الحرب العالمية الثانية، لكن عدوان 1956 كان الحدث الأكثر تأثيرا فى أعماقه، أتى الأعداء من الجو والبحر والبر، اقترفوا فظائع وأهوالا، أحرقوا أحياء بأكملها، وسرعان ما ارتدوا على أدبارهم، وقبل أن يتلمس ثمار تحرير الوطن عاش مأساة 1967، ثم أتى نصر أكتوبر 1973 ليغسل أوجاعا ويترك أخرى، وفى عام النصر حصل على الدكتوراه فى الأدب العربى، وتمت ترقيته سنة 1985 إلى درجة «أستاذ»، ومازالت مسيرته قارورة عطر فى وجه المحروسة، تنضح بشذى العلم وعبير المعارف.

قطع رحلة حافلة، عبر ميادين تتنوع وتتكامل، من الأكاديمى بتبعاته التى ربما تلتهم وحدها الوقت وتسرق العمر، إلى الميدان الثقافى الأرحب، «معترك» من يؤمن بأن رسالته الحقيقية أخطر من أن تحصرها أسوار الجامعة، أو تغويها دعة أبراج العلم العاجية، عقل حر ملتزم، لم يتوقف عن العطاء تأليفا ونشرا وتعليما وإبداعا واشتباكا مع قضايا خطيرة شائكة، يمليها واقع بلادنا المتخلف، ولا يكاد يجرؤ على اقتحامها سوى أولى العزم من المفكرين الأحرار.

تتوجه كتاباته وإبداعاته إلى عقل القارئ ووجدانه فى آن، ليتحقق له ثنائية الإقناع والإمتاع، كتابات تبدو فى مجملها نشيدا للحرية فى مواجهة أعدائها، وللعلم أمام الجهل، والعقل فى وجه الخرافة، والحق فى مواجهة محترفى طمسه وتشويهه أو الاتجار به، باختصار هى نشيد للإنسان، فى مواجهة كيد الصغار وعداوة المنافقين والمنتفعين الذين سمموا حياتنا على المستويات كافة.

مكانة استثنائية

فى كل ذلك، يعشق نوفل العمل بصمت، بعمق، بإخلاص، بتفرد، يكره الطغيان والأنظمة المستبدة، ينفر من قلة الموهبة والأدعياء، من الشللية و»المصلحجية» والآكلين على كل الموائد، بينما يمد يده لكل طالب علم أو محب للمعرفة، مما جعل له مكانا استثنائيا داخل الوسط الجامعى وخارجه، فهو لايفتأ يذكر أفضال أساتذته الراحلين والأحياء، يسير على دربهم، يأخذ نفسه بمنتهى الشدة، وطلابه ومريديه بغاية الود، مهيب قوى الشخصية، تشع عيناه بذكاء حاد، صوته الرخيم بقاعة الدرس يشد القلوب، وهو ينزع السلاسل عن العقول، حيويته دافقة مع أنه تخطى مرحلة الكهولة، منذ أمد.. أثرى المكتبة العربية بعشرات المؤلفات والدراسات النقدية والفكرية، مثل : «محمد عبدالحليم عبدالله وفن القصة»، و»قضايا الفن القصصي»، و»القصة والرواية بين جيلى طه حسين ونجيب محفوظ»، و»استشفاف الشعر» و»مغامرة التلقى» و»النص الكلى»، و»ديوان الشعر في الأدب العربي»، و»رؤية النص الإبداعي»، و» تطور لغة الحوار في المسرح»، و» بيئات الأدب العربي في الدراسات المعاصرة»، و» مفكرون في السعودية»، و»العرب في صقلية وأثرهم في نشر الثقافة الإسلامية»، و»جماليات القصة القرآنية»، و» المكتبة العربية ومصادرها»..إلخ. أما عمله الأبرز «موسوعة الشعر العربي الحديث والمعاصر»، فهو ببليوجرافيا في أكثر من ألف صفحة ألفها فى ربع قرن، تضم 8000 شاعر عربي، منذ ما قبل الحملة الفرنسية إلى اليوم، علي امتداد العالم العربي، من موريتانيا إلي اليمن وبلاد المهجر، معظمهم شعراء مجهولون، فأراد أن يضع بين يدي الباحثين القوائم الدقيقة بدواوينهم وما يتعلق بهم.

يقوم إنجاز يوسف نوفل عموما، على مسح شامل للتراث الشعرى والقصصى العربى ومتابعة دقيقة لأبرز تيارات الإبداع الأدبى الحديث،شرقا وغربا، بمنهج يجمع بين التحليل الموضوعى الدقيق والإنصات الأمين إلى رفيف الذات المبدعة، يفتح ذراعيه بوعى للحداثة وما بعدها، دون أن يغفل عن أنه ابن التراث الإنسانى عامة، والعربى الإسلامى العقلانى خاصة، استطاع أن يوحد هذا كله فى صيغة فكرية وحياتية متسقة، جعلت من كتبه وأبحاثه ومقالاته، مصابيح للتنوير وأسلحة للتعبير والتطوير، إنه ليس مثقفا تقليديا، فهو يحوز «شفرة العبقرية»، بما يجعل هذا «الإمام» إحدى المصادفات السعيدة التى يسرى فيها نهرا الإبداع والعلم، ليشكلا بحيرة من المعارف العذبة، ينهل منها المتلقى بلا شبع، وفوق ذلك هو رجل متأجج العواطف الإنسانية، يقول عن إحدي حفيداته:

جمانة قطعة السكر .. جمانة ومضة الجوهر

عقيق الأرض خطوتها.. وبرق النور والمرمر

محار البحر عيناها.. تطوف شواطئ الأنهر

سواء من ثوى فيها.. ومن قدم أو أخر

إذا ابتسمت تخيلنا.. كأن الصبح قد أسفر

وعصفورا على شباك نافذتى وقد نقّر

وبستانا من الأضواء.. بالأصفر والأشقر

وشلالا من الألوان.. بالأحمر والأزهر

حكى ما شاء من سحر فصور مثلما عبّر

...........................

سألته مرة عن موقفه من الحداثة؟

أجابنى، بسرعة: أنا مع كل جديد في كل وقت، لاتنس أننى معلم نقد بالجامعات العربية، مهمتي رصد الظواهر والتيارات والتجديد والتطوير، وليس عرض الجمود و»تكفين الأدب في أكفان»، إذن فلنتفق أنني من شيوخ التجديد وأري أنه من الضروري الاطلاع علي كل ما هو حولنا في الفن والأدب والفكر، وضرورة الاستيعاب والتفهم الدقيق وعدم المحاكاة والنسخ الأعمي الذي يصير مسخا.. لماذا؟..لأن جميع الآداب العالمية لكل منها شخصيته وبصمته علي مدار التاريخ، إذن أنا مع الحداثة مادامت لا تؤدي إلي المسخ والتشويه.

من واشنطن إلى موسكو

غامر نوفل فى شرف مروم، ولم يقنع بأقل من التنقيب عن إرادة حرة فى القلوب، إذا استيقظت تهدم الصخر، وتقلع عن سهول اليأس إلى ذرى الأمل، لايلتفت إلى العراقيل أو ينصت إلى تقاعس الكسالى، قادته خطاه الواسعة للتنقل بالجامعات المصرية وتعليم عدد وافر من قياداتها الحاليين واكتشافهم والدفع بهم إلى المقدمة، أثبت خلال مشواره كفاءة إدارية رفيعة، ذات يوم تولى رئاسة «قسم اللغة العربية وآدابها» فى كليات جامعة قناة السويس بمدن السويس، والإسماعيلية، وبورسعيد، والعريش فى وقت واحد، فضلا عن عمادة كلية تربية بورسعيد التى أسسها وكانت نواة لجامعتها، ردا لجميل مدينته الباسلة التى لم يتوقف عن زيارتها، وتبرع لها بعدد وافر من المؤلفات وأوصى لها بمكتبته الخاصة، عمل أيضا وكيلا لكلية البنات بجامعة عين شمس ورئيس قسم وعميدا بجامعات الكويت والسعودية والإمارات والعراق، ورأس مؤتمرات أدبية بمصر وخارجها، وشارك فى ملتقيات علمية حول العالم، من واشنطن إلى موسكو وغيرهما.

ولأنه أحد رؤساء لجنة ترقية الأساتذة بالجامعات المصرية، لديه غرام طويل بالاجتهاد والدأب، بما يليق بمفكر مثله، كانت دراسة الأدب – وربما مازالت- المدرسة التى يتخرج فيها قادة الرأى والفكر، مدرسة الثقافة العامة وفن الكتابة، فتح الرجل آفاقا ما كنا لنطرقها بيسر - فضلا عن أن نبحر فيها- وعند الحديث عنه، نتساءل: كيف يكتب نوفل فى كل هذه التخصصات وفى كل مجال نشعر أنه لم يكتب غيره لشدة تميزه، فعندما نقرأ له فى نقد الرواية نشعر أنه لم يكتب فى غيره، وكذلك الأمر عندما نقرأ له ديوانا شعريا أو أى مؤلف آخر، نجد له مكتبة دراسات أدبية وأخرى فكرية، وهكذا، إنها خلاصة مقطرة لجهوده وشخصيته، صاغها مؤتمر عقد هذا العام بكلية بنات عين شمس، بعنوان:»الملتقى الثقافى الأول.. يوسف نوفل الإبحار فى الذاكرة».

الإغماء العقلى

الحكمة «ضالة» صاحبنا، يبحث عنها بتواضع وروية أنى وجدت، وهو يتفق مع الفيلسوف سبينوزا على أن :»سعادة الإنسان الحقة لا تكون إلا فى الحكمة ومعرفة الحقيقة، وهى لا تكون أبدا فى شعوره بأنه أحكم من الآخرين، أو بأن الآخرين يفتقرون إلى مثل هذه المعرفة، فمثل هذه الأمور لاتزيد من حكمته أو سعادته الحقة، وعلى ذلك فإن كل من يغتبط لأسباب كهذه، إنما يغتبط لتعاسة الآخرين، وبذلك يكون خبيثا أو شريرا لايعرف السعادة الحقة ولاطمأنينة الحياة الصحيحة».. لأجل ذلك يحارب نوفل حالة «الإغماء العقلى» التى نشرت فى حياة الشعوب العربية أمراضا وكوارث سياسية واجتماعية، وبالأخص ثقافية وحضارية، مازالت تزلزل المشهد المصرى والعربى، وتسعى لتقويضه وتخريبه.. يستشف الحلول والأفكار، عبر غرامه بالتأصيل والتجديد وربما التمرد البصير، ناظرا إلى الثقافة بأنها آخر القلاع العربية التي لم تسقط بعد، مع التعويل عليها لتكون الرافعة التي تنهض بالواقع العربي، من براثن الانحدار إلى الهاوية، تجلى هذا فى مقالاته بالصحف والدوريات، خاصة بـ»الأهرام»، طيلة العقدين الماضيين، إذ شغلته قضايا تطوير التعليم ومناهجه، والجذور الفكرية لمعضلات مثل التطرف والإرهاب، وكذلك المثاقفة والتجاذب الحضارى بين الشرق والغرب.. بالإضافة إلى إسهامه فى الحركة النقدية والإبداعية.

وهو إذ يفعل ذاك، ينفر نفورا من «المعارك والصراعات» غير البريئة، دون أن يتردد أو يجامل فى تسمية الأشياء بمسمياتها- بغير تجريح - يرى أن الفوضى تضرب الساحة الثقافية، وهى أكثر انقساما من أي وقت مضي، ويتطرق إلى ما سمي بالمواقف الجديدة، خلال السنوات الأخيرة فى النقد الأدبى والثقافى، ناعيا القراءات التحيزية أو الهامشية أو التخمينية التى «تشوش» المسارات النقدية، وعاب على نقاد اهتموا بالأثر الذي يحدثونه هم أنفسهم لا ما يحدثه النص، بإحلال أيديولوجياتهم ونظمهم المفاهيمية، واستعراض معارفهم، بدل استجلاء معمار النص ذاته، هياما بالمفاهيم الطنانة وإغناء لجدل أجوف بالمصطلحات الرائجة والمستوردة وتضخيم الشخصية والحذلقة، حتي صار النقاد أنفسهم- لا الأدب- الأكثر مركزية في عملية النقد، ولم يفته التذكير بمقولة رينيه ويليك: «إن النقد هو بالضرورة مفهوم متنازع عليه هناك، كما يبدو، حرب شعواء بين الاتجاهات الرئيسية: التقويمية الحكمية، والشخصية، والعلمية، والتاريخية»، وهو تأزم لم تهدأ بعد جذوته.

محترف ..وهاو

قلت له يوما: يستعصى العدل بين النقد والشعر، حينما يجتمعان فى نفس واحدة، وتكون الغلبة لأحدهما علي الآخر، فكيف تجد الأمر وأنت ناقد وشاعر..؟!

صمت قليلا ..وأجابنى مبتسما: دائما أقول إننى «في الشعر هاو، وفي النقد محترف»، وقد تستغرب أن الذى حدد طريقى هو الجوائز التى حصلت عليها فى شبابى، كان أكثرها فى النقد، فتوجهت بوصلتى إليه، وكأنها قالت لى: أنت محترف هنا.

...............................

عاد بى حديثه عن هواية الشعر، إلى قول النقاد القدامى: «الشعرُ صعبٌ وطويلٌ سلّمهُ»، أى أن كتابته ليست بالأمر السهل، فكلمة «صعب» تنطوي على شبكة هائلة من الدلالات التي تقضي بأن يتخطّى كاتب الشعر حواجز ومصدّات واختبارات لا حصر، ليتجاوز مساحة «الصعوبة»، ويتمكّن من أدواته، وتنضج رؤيته، وتصقل موهبته، ويتشكّل خطابه، وتتخصّب لغته، ويخوض تجارب ساخنة مؤهّلة لتمثيلها في كتابة شعرية أصيلة..

............................

برغم ذلك تظل غواية الشعر لدى يوسف نوفل داء لا براء منه، أشار، خلال حفل تكريمه بجائزة مؤسسة يمانى، عام 2007، إلى أن :»الشعر هو الوشيجة، وحبل الوصل بيننا وبين ماضينا العريق، ومن هنا آخيته ورافقته علي مدي يزيد علي نصف القرن: شاعرا، وعاشقا، وقارئا، ومتذوقا، ودارسا، ومدرسا، وناقدا حتي مثل أمامي كيانا حيا حساسا يفصح عن مكنونه وأسراره وجمالياته، لمن سلست له قيادته، عبر معايشته في ثلاث مراحل: ما قبل القول الشعري، ثم القول الشعري في عش الفيض والإبداع، ثم ما بعد القول الشعري حيث التلقي والتأويل والاستشفاف، والتحليق في سماواته، دون جموح أو جنوح..عاشرته بشخصين: شخصية الشاعر، وشخصية الناقد، حتى امتزجتا».

أخرج خمسة دواوين، البطل فيها هو البحر المتوسط وبحيرة المنزلة، منها ديوان اسمه «مرايا المتوسط» لأنه يعتبر «الأبيض المتوسط» هو محتضن الحضارات القديمة والحديثة والغزوات والحروب، المعجم الشعرى عند نوفل– بحسب صديق عمره الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب – يلتقط عالم الأساطير والجن المتصلة بالبيئة الساحلية والماء والبحر، بما يضمه من أسرار تاريخية من هجوم وغارات وغزوات وفتوح، وبما فيها من تحضر وبعثات كل هذا مصوغ بطريقة غير مباشرة، يقول عن البحر:

ياقبطان البحر، ويا قرصان البحر، ويا أسماك القرش

ماذا يخفى شاطئ المتوسط؟

ماذا تحكى مدن غرقى فيه؟

ماذا تحكى سفن، حقب غرقى فيه؟

ماذا يروى قائد أسطول مغرق؟

ماذا تعنى خارطته؟

ماذا تعنى بارقة فى خاطره، فى ذاكرته

...............................

يتلون تاريخ المتوسط من..:أنطونيو...ففريزر

حتى إيدن....

أو ....بوش

أو من يأتى...

تقذف أمواج المتوسط أجسادا صفراء وحمراء وزرقاء

فى أنياب ومخالب وأظافر ومتاريس

..............................

أيعيد التاريخ مسيرته فى سيرته، ونكون وقودا، ونكون حشودا

ونكون جنودا؟ ونكون طعاما وغذاء

ولباسا وكساء؟

ويكون الساكن عند شمالى المتوسط..: آكلنا شاربنا، شارينا بائعنا، آخذنا معطينا، قاتلنا

ذابحنا سالخنا، والمتحكم فى إنجاب بنينا!!

...........................

ما اكتنزه الدكتور نوفل من وعي وخبرة، وحصله من معرفة، وامتلكه من حس شعري وفني، يتألق أكثر ما يتألق في فصول كتابيه «النص الكلى» و»استشفاف الشعر» الأخير يطبق فيه مفهومه عن الاستشفاف، فاستشفاف النص إذن ـ في رأيه ـ ليس موقفا توفيقيا أو تلفيقيا، لكنه يعني عدم الاقتصار علي جانب واحد، بل سلوك الدروب الموصلة كلها، وفائدة هذا المنهج أنه يفتح أمام النص كل فرص القراءة الفعالة، للكشف عن أقصي قدر ممكن من الغطاء وإظهار أقصي قدر ممكن من الخفاء.. ما في النصوص قد يظهر بأداة، أو بأخري من أدوات القراءات، من بين: التقصي والتعليق والتأويل والتفسير، وتاريخ الأفكار، والبحث عن المعني والتحليل، وتتبع الأصوات: التراثية ـ الشعبية ـ الفولكلورية ـ التاريخية، بل إن هناك من ينادي بالدراسة النصية الشفهية. ولعل «الاستشفاف» هنا يلتقى مع ما سماه المفكر الدكتور إدوارد سعيد «منهج القراءة الطباقية» الذى ذكره فى كتابه «الاستشراق» وشرحه فى «الثقافة والإمبريالية».

تبدو سيرة القراءة النهمة، عند نوفل، موازية لسيرة الكتابة، يعشق الغرق في عالم يصبح فيه الإنسان ليس قارئاً بقدر ما هو شخصية تمشي بين المفردات، وتبحث عن الحقيقة في المتن.

المثقف «الأيقونة»

يعرف الكاتب الانجليزى ماثيو آرنولد المثقفين الحقيقيين بأنهم أيقونات ثقافية، يملكون رقى المعارف والأفكار التى تحرك ثقافة المجتمع وتجعل الناس، أكثر وعيا وكسرا للحجب التى تفصلهم عن قضايا العالم، ليصبحوا أكثر إلماما بالمشكلات التى يواجهونها، وتحتاج الثقافة الحية لأى مجتمع إلى جماعة معبئة ومحرضة تسهم فى نموها وتغييرها، وتدعو إلى قيمها وتعكس أضواءها. ولاشك فى أن يوسف نوفل هو إحدى أيقوناتنا الثقافية اليوم، فى وقت عزت فيه الأيقونات، وتغلب السياسة اليومية على الثقافة، وتتقدم الصفوف جماعة المثقفين توهم الجميع بأنها شاركت في صنع الثورة، متصدرة واجهة الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع..!

قلت له: هل انعكست الثورة على الحركة الثقافية بالسلب أم ...؟

سارع لمقاطعتى: الحركة الثقافية حتى الآن لم تنجز شيئا ملموسا، وكأن المثقفين توقفوا عن الفعل فى ظل ما تمر به مصر من أحداث وتحديات.

.......................................

يُوهب المثقف ملكة عقلية، لتوضيح رسالة، أو وجهة نظر، أو موقف، أو فلسفة، أو رأي، أو تجسيد أي منها، لجمهور ما، وأيضا نيابة عنه، ولا يمكن القيام به من دون شعور المرء (المثقف) بأنه إنسان، مهمته أن يطرح علنا للمناقشة أسئلة محرجة، ويكون شخصا ليس من السهل على الحكومات أو جماعات المصالح استيعابه.. مبرر وجوده تمثيل كل فئات الناس وقضاياهم المنسية، ومع أن هذا عين ما يفعله د.يوسف نوفل، تجاه وطنه وثقافته، فإنه لم يأخذ حقه – أو بعض حقه- بين أسماء تحتفى بهم مصر، تمنحهم كبرى جوائزها أو تتيح لهم منابرها الثقافية والإعلامية.. لست أقوم بمفاضلة أو أقلل من قيمة هؤلاء، إنما أحرص على تأكيد معنى يكاد يغيب بسبب الشللية، لعل «جائزة النيل» تعرف طريقها إلى يوسف نوفل، وحسبى أن اسمه يرتفع بارزا بين أفذاذ المفكرين الذين جمعوا بين العقلانية والوطنية والرؤية الإنسانية، رجل تتسق آراؤه النظرية ومواقفه العملية، كأن مسيرته تجسيد حى لفكره، فكر تسمو به النفس، وتصفو به الروح، ويرقى العقل، ويقوى الوعي، وينمو الشعور بالسمو والرقي، من خلال الأدب الذي يؤكد إنسانية الإنسان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق