► جمال طه: أجهزة الأمن يقظة ومستنفرة.. وهم أذكى من أن يعودوا الآن
► منير أديب: الأجهزة الغربية حتى اللحظة لا تزال ترعى هذه التنظيمات.. والمواجهة الفكرية لدينا ستفشل لانعدام الأدوات
► محمد ياسين: التاريخ لايعيد نفسه.. والعائدون من أفغانستان لن تتكرر لاختلاف الوقت والزمان
► د. كمال حبيب: المقاتلون المصريون فى صفوف داعش لا يشكلون خطرا حقيقيا علينا.. بل على أوروبا أكثر
« باقية وتتمدد» لا يزال هذا المصطلح الذى تم صكه منذ سنتين، هو المصطلح الأبرز والأوقع، فهاهو الجسد الداعشى نراه يصول ويجول عابرا كل الدول والحدود، ينشر القتل والدمار، يقتل النفوس ويزهق الأرواح، أينما حل أو رحل.«الأفغان العرب» والمقاتلون فى ألبانيا والبوسنة والهرسك والعراق واليمن، موجات من الإرهابيين خرجت من مصر لتتلقى التدريب على التدمير على أيدى أجهزة استخبارات عالمية، لتعود هذه الموجات تنشر الرعب والتدمير والتفجير والاغتيالات فى وطننا أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، ثم تهدأ الموجة، لتعود مرة أخرى وقت الحرب على العراق وما بعدها وتقوم بعملياتها فى سيناء وغيرهما.
والآن وبعد الضربات المتتالية لفقهاء الموت ودعاة القتل والذبح فى سوريا والعراق وليبيا، ودفاع أمريكا عنهم واحتضان بريطانيا لهم، هل تشهد مصر موجة ثالثة من الإرهابيين العائدين؟ هل يكرر التاريخ نفسه؟ أم تكون التجربة خلال الحقب الأربع الماضية هى خير مُعَلِّم.
بعد ثورة يناير تمت ممارسة ضغوط كثيرة إبان حكم المجلس العسكرى للبلاد للافراج عن المعتقلين، وكانت هناك وقفات احتجاجية ومظاهرات أمام وزارة الدفاع بالعباسية، وخرج العديد منهم خلال تلك الفترة وفترة الرئيس المعزول، كما بدأت أفواج من الجهاديين تتوافد على مصر خلال تلك الفترة، لتخرج أفواج أقل سنا للانضمام إلى المقاتلين فى سوريا وليبيا منذ بدء عهد المعزول محمد مرسى وفتحه باب الجهاد على مصراعيه.
وفي 4 أكتوبر المقبل سوف تصدر محكمة جنايات القاهرة حكمها ضد أول مجموعة تمثل أمام المحاكم في اتهامات تتعلق بممارسة نشاط إرهابي في ليبيا، والتخطيط لاستهداف منشآت داخل البلاد، في القضية التي عُرفت باسم «العائدون من ليبيا»، وتضم 16 متهماً، منهم هاربان.
يقظة وكفاءة أجهزة الأمن
جمال طه الباحث فى شئون الأمن القومى قال: من الأمور الإيجابية التى تشهدها فى مصر الآن، أن مسألة عودة العناصر الجهادية التى تنتمى لداعش أو جبهة النصرة فى مصر، فى المرحلة الحالية ليست واردة، ذلك لإدراكهم يقظة أجهزة الأمن لعودتهم واستنفارهم، وأن المواجهة على أشدها ، وفى كل يوم هناك مزيد من الحصار لها وتقيين لحرية حركتها، ورصد لها واستهدافها، ودليل ذلك ما تم مؤخرا من قتل زعيم تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء أبو دعاء الأنصاري، إضافة إلى العشرات من مساعديه وعناصره، وبالتالى فإن هؤلاء المنضمين إلى التنظيمات الجهادية سواء فى سوريا أو العراق أوليبيا لديهم من الذكاء ما يجعلهم يتوقفون على التفكير فى العودة إلى مصر فى الوقت الحالى، فهو ليس مناسبا لهم على الإطلاق، فمسألة «العائدون من الخارج» مسألة غير مطروحة، والأمر نفسه يجرى على ليبيا، وذلك بسبب أن أجهزة الأمن لدينا تمتلك وسائل مراقبة عالية الكفاءة وطيران بدون طيار على طول الحدود البرية على مدى الساعة، إضافة إلى التعاون الوثيق جدا بين أجهزة الأمن والقبائل الحدودية ما يجعل الأمر شديد الصعوبة على من يفكر فى اختراق الحدود، حتى للمهربين أنفسهم، فلم يعد يشعروا بأمان مثل السابق، وأبسط دليل على ذلك هو مقتل سياح مكسيسكيين بالخطأ، حيث وجدوا فى أماكن محظور السير فيها.
عناصر التنظيمات الإرهابية – كما يقول طه – تتناثر فى المحافظات خاصة بعد عملية التهجير فى رفح، جزء منهم يندس فى العريش وسط الأهالى، وآخرون آثروا السلامة وتواروا بعيدا فى المحافظات، وهى فى كل الأحوال خلايا نائمة، قامت ببعض العمليات على استحياء فى الجيزة، وفى كل الأحوال ليست بالعدد الكبير الذى يثير القلق فى النفوس، وليست بعيدة أيضا عن أعين أجهزة الأمن، حتى من هو ليس مرصودا كفرد، فهو مرصود مكانه الذى من الممكن أن يخرج منه.
وتابع: جهاز الأمن المصرى لديه تراكم خبرات ومعارف، من خلال تعامله مع هؤلاء الإرهابيين منذ الثمانينيات والتسعينيات، فأصبح من أهم الأجهزة التى تتعامل مع المنظمات الإرهابية فى العالم.
دور الاستخبارات الدولية
منير أديب الباحث فى شئون الحركات الإسلامية رأى أن جماعات العنف والتطرف زاد انتشارها مؤخرا، سواء فى العالم العربى أو العالم الغربى، وهذا له اعتبارات واقعية، ربما جزء من هذه الاعتبارات أن هناك دولا احتضنت هذه الجماعات وسعت إلى توظيفها لأغراض سياسية واستراتيجية، مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا فى بعض الحقب التاريخية، فالولايات المتحدة دعمت ما يسمى بالمقاتلين العرب عام 1979 وكان الهدف ليس فقط تحرير افغانستان بل القضاء على الدب الروسى وقتها، وهذه المجموعات الكبيرة التى كانت تدعمها الولايات المتحدة وجهازها الاستخباراتى CIA، وعندما انتهت الحرب الأفغانية هذه المجموعة شكلت ما يسمى بتنظيم قاعدة الجهاد، وهو النواة الأولى لتنظيم القاعدة، ولم يكن لدى الولايات المتحدة ألأمريكية أية نية للقضاء على هؤلاء الجهاديين، ومن تنبه لخطورة هؤلاء كانت رئيسة وزراء باكستان بناظير بوتو فى هذا الوقت، فعملت ما يسمى برحلة « الـ وان واى» أى رحلة لمرة واحدة أخذت مجموعة كبيرة من هؤلاء المقاتلين إلى البلقان للتخلص منهم، ولذلك فالولايات المتحدة الأمريكية دعمت هذه التنظيمات فى المنطقة العربية فى محاولة للتخديم على مصالح سياسية لها فى الشرق الأوسط، أو ممارسة ضغوط على دول أخرى، أو محاولة القضاء على دول أخرى كما وجدنا فى الحرب الأفغانية والقضاء على الاتحاد السوفيتى .
والولايات المتحدة الأمريكية مازالت حتى اللحظة تستخدم ورقة التنظيمات التكفيرية، وكذلك دول أوروبية أخرى لا تدعم فقط الجماعات المتطرفة بل تدعم كل الجماعات الدينية فى المنطقة التى تصدر نفسها جماعات دعوية أو تستخدم وسائل العنف أيا كانت هذه الوسائل، ولعل إصرار الولايات المتحدة على دعم الإخوان والضغط باتجاه المصالحة، وكذلك بريطانيا بقرارها الأخير بمنح الجنسية لقيادات الإخوان على أراضيها، ومن قبل أعطت الجنسية لشخصيات إرهابية صدرت بحقها أحكام قضائية، ذلك الإصرار البريطانى يؤكد أنها تريد أن تبقى فى المشهد، وذلك بحكم التاريخ، فهى من ساعدت فى نشأة تنظيم الإخوان فى العشرينيات من القرن الماضى عبر المندوب البريطانى لها فى مصر.
المواجهة الفكرية
ويبقى أن الحل هو المواجهة الفكرية، فالمواجهة العسكرية تقضى على 7 % والمواجهة الاستخباراتية تقضى على 21% وما يتبقى هو 72% هو ما يحتاج إلى مواجهة فكرية حقيقية، وما نراه الآن، ألا أحد لديه استعداد أو لديه القدرة – إن شئت الدقة- على المواجهة الفكرية الحقيقية، ربما لانعدام الأدوات، ربما لضعف المتصدين لهذه المواجهة، وربما ثالثا لعدم الرغبة والتمسك بمناهج فكرية قديمة، فما نحتاجه هو تجديد الفكر الدينى كله، وليس فقط الخطاب الدينى، وللأسف لا نجد من هو مؤهل لذلك الآن، بل صار الإصلاح الدينى أمرا ميئوسا منه.
التاريخ لا يعيد نفسه
الشيخ محمد ياسين محامى الجماعات الاسلامية قال إن ما يحدث الآن لا يمكن مقارنته بالسابق، وذلك لاختلاف الزمان والمكان والتغيرات المصرية والإقليمية والدولية، فالعائدون من أفغانستان أرادوا تطبيق عمليات إرهابية وفشلت وكانت لها آثار سلبية عليهم وعلى المجتمع، كما أن بعضا منهم عاد إلى مصر فى 2011 من أفغانستان واليمن والعراق، ورافق ذلك تسهيلات أمنية بدخولهم إلى مصر واستقراراهم فيها، وقبل 2011 كان هناك عائدون ولكن أعدادهم كانت قليلة مقارنة بما بعد الثورة.
ورأى أنه فى الوقت الحالى تقلصت أعداد المصريين الذين يقاتلون فى سوريا وليبيا، وذلك يرجع إلى الاجماع العالمى لمحاربة الارهاب، على عكس السابق حيث كانت هناك دول تعارض ودول تدعم، أما الآن فقد تقلصت كما وكيفا، أعدادا وتمويلا، وهناك ممن ذهب الى سوريا وليبيا بدأ فى العودة وبدأت السلطات فى فحصه أمنيا، ولعل الإيجابية فى العائدين عبر الطرق الرسمية وفحصهم ومتابعتهم أمنيا أنه لم يثبت على أى منهم انخراطه فى أعمال عنف مرتبطة بجماعات إرهابية، بل أصبحوا أسوياء ولا علاقة لهم بالماضى.
وأضاف ياسين أن مصر ستشهد الفترة المقبلة قضايا على شاكلة « العائدون من أفغانستان» و» العائدون من ألبانيا» خاصة أن هناك قضايا منظورة الآن أمام القضا تسمى « العائدون من ليبيا» ومع ذلك تظل أعدادهم قليلة لا يتعدون العشرات، حيث لا أعداد معروفة عنهم، وهم من الصغار وليس بينهم قيادات معروفة.
البيئة الحاضنة
خريطة التنظيمات الإرهابية وأثرها على مصر، رآها د. كمال حبيب المتخصص والأكاديمى فى شئون الحركات الإسلامية لا تشكل خطرا كبيرا على مصر، فالشاهد الآن أن الخطر سيكون على أوروبا أكثر من الدول العربية، حيث إن المقاتلين الأجانب أعدادهم كبيرة جدا، وهؤلاء سيعيدون ما فعله الأفغان العرب فى الثمانينيات والتسعينيات.
ولم يستبعد حبيب تسلل أجانب إلى مصر من هؤلاء الموجودين فى ليبيا، أو الجزائر أو مالى والنيجر التى لها حدود مع ليبيا، برغم أنها أكثر جذبا من مصر، حيث إن حكومات هذه الدول رخوة وهناك جماعات عنف قديمة، وتحديدا مالى ونيجيريا مثل وجود بوكو حرام، والجماعات المتشددة فى مالى.
ورأى حبيب أن هذه الجماعات تنشط أكثر بعيدا عن البيئة السكانية، مثل شرق العريش ورفح وغيرها، فأجناد مصر وهو تنظيم سلفى خطير، حاولوا فى السابق أن يكون لهم وجود فى الدلتا والقاهرة، ولم تنجح المحاولة برغم ارتكابهم عمليات إرهابية، إلا أن سرعان ما نقلوا نشاطهم، كما لم يتمركزوا فى الصعيد، وذلك بسبب عدم وجود بيئة حاضنة لهم ووجود كثافة سكانية، كانت طاردة لهم، وأن التضييق الأمنى والمطاردات كانت كفيلة بهروبهم بعيدا عن المناطق الآهلة بالسكان.
رابط دائم: