تختلف ملامح الفن الشعبى الخاص بمناسبة الحج من محافظة لأخرى، وفى الوجه البحرى عن الوجه القبلى، وفى وادى النيل عن المناطق البدوية والصحراوية، وكذلك تختلف اللهجة واللغة أيضا كما هو الحال فى أغانى حج أشقائنا من قبائل العبابدة والبشارية وحلايب وشلاتين وابو رماد حتى جبل علبة ومن هم على الامتداد الأفقى معهم ممثلة فى أغانى أشقائنا من أبناء النوبة وغيرهم.
.....................................
وعلى الرغم من وجود أغانى شعبية تراثية تعبر عن خصوصية كل منطقة، إلا أن هذا لم يمنع وجود أغانى شعبية خاصة بالحج يتفق عليها الجميع ويتم ترديدها فى كل محافظات مصر قاطبة وكأنها عامل مشترك بينهم، ووجود محافظة أو مجموعة من المحافظات تغنى أغانى بعينها تعبر عنها وعن عاداتها وتقاليدها وثقافتها الخاصة بها بل وجغرافيتها، وهذا يعود إلى أن حجاج تلك المحافظات تربطهم علاقات محددة وتجمعهم عادات وتقاليد وثقافات ولهجات متقاربة، وبعضها مكتسب من وجودهم ومعايشتهم لبعض خاصة فى مواسم الحج، مما يجعل منه موسم ثراء ثقافى هائل، فقد كان يمتد فى الماضى لأكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر، تلك المدة كانت بمثابة تبادل ثقافى بين مدن وقرى ومجتمعات الحجاج، حيث كانوا فى الماضى يسلكون نفس الطرق المؤدية للموانئ التى يستقلون منها البواخر للأراضى الحجازية.
فإذا ما تجولنا فى سياحة عبر قرى ومدن الصعيد «الجوانى» خاصة فى محافظات سوهاج وقنا وأسوان والبحر الأحمر، نجد أنفسنا أمام تراث غنائى رائع يرتبط بالحج، وأغلبها بالطبع متوارثة، وتكاد لا تختلف فى الكلمات أو الرتم الإيقاعى الذى يعتمد على طريقة الإلقاء باللهجة الصعيدية.
تراث للحاضر والمستقبل
وكانت ولازالت لنساء تلك المجتمعات الصعيدية طريقتهن فى الأداء المتميز بأصوات شجية تطرب الأذن، حيث كن يعتمدن فى الإيقاع على موسيقى الفم والدف، أما أداء الرجال فكان اعتماده على الموال والمزمار البلدى والربابة.
و تقول الحاجة سيدة المتولى ( 75 سنة) من سيدات سوهاج: توارثنا تلك الأغانى عن جداتنا وبدورهن ورثوها عن أمهاتهن وجداتهن، ولم يحدث بكلماتها تغيير، وكنا نبدأ الأغانى مجتمعين فى بيت الحاج قبل سفر الحجاج بأكثر من شهر، ونقول فيها بمصاحبة الدف وبرتم بطىء:
يا للى على الحج ناوى
وزيارة طه نبينا
بلغه منى سلامى
وقول له مشتاق بيحبك
وحبك يانبينا الغالى
حرم عليا منامى
وتضيف الحاجة سيدة: حينما كان السفر للحج قديما عن طريق الجمال ثم البواخر؛ فقد استحوذت البواخر على الغناء ومنه:
على الميناء واستنى شوية
الباخرة رايحة وجاية
محلى جمالها فى المايه
محلى صلاتك يانبى
ميادين وطرق الحج والإبداع
وفى قوص مركز تجمع الحجيج، نرى أن مجتمعاتها لازالت حتى يومنا هذا تؤدى نفس الأغانى التى تحكى بالغناء قصة مناسك الحج، والتى تزدان بمديح النبى صلى الله عليه وسلم ومحاسنه، ونبل أخلاقه الكريمة وصفاته الجميلة والمعجزات التى اشتملت عليها سيرته الذاتية.
إبداع الأداء الفطرى
والأروع فى قصائد الحج التى تغُنى فى منازل الحجاج بواسطة الأجيال القديمة من السيدات فى القرى والمدن الصعيدية أنها تحتاج لمن يتتبع كلمات الأداء الغنائى لها التركيز التام للمتلقى حتى يفسر حروف الأغنية التى أدائها على رتم بطئ جداً من الدف، ويستشعر المتلقى مد حروف كلمات الأغنية مما يولد نغمات ذاتية للنطق، ويزيد المد فى الحرف الأخير من آخر كلمة فى كل بيت، أو مد الحرف قبل الأخير مما يشعر المتلقى أن الحرف الأخير يكاد يختفى وينطق خفيفاً جداً، والرائع هنا أن الكثيرات من نساء الأجيال الحديثة فى القرى تحفظن تلك الأغانى وتؤدى بنفس الطريقة، والبعض الآخر منهن يؤدينها بالرتم السريع العصرى وبالاستعانة بالطبلة (الدربكة أو الدهله كما ينطقونها) ومن تلك الأغانى:
ناويين يا هَنا الموعودين
اسمع وصلى ع النبى
ناويين يا موعودين
اسمع وصلى على طه الزين
يوم طلعت من بلدى
ناوى ودمعى على خدى
سبت الحبايب والخلان
سبت الوالدة أمى بتبكى
بامنى نفسى ليا زمان
بالحج وزيارة النبى
والدمع ده فرحة قلبى
السيدات وحفظ التراث الغنائى
والجميل أن هذا الجيل من السيدات وعلى الرغم من عدم تمتع الكثيرات منهن بأى قسط من التعليم، حتى وكما يقولون «فك الخط «، وكذلك فإن منهن فقيرات جداً إلا أنهن يحفظن وبالتلقين أغانى كثيرة متوارثة، ويمنون أنفسهن بالحج وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتلك الأغانى كانت ولازالت تؤدى بواسطتهن فى مواسم الحج، وبالرتم البطئ أيضاً وبمصاحبة الدف، ومنها تلك الأغنية التى تقول فيها الحاجة محفوظة ياسين من الأقصر:
بعيدة بعيدة يا بلاد الرسول
بعيد بعيد يا طريق النبى
بعيدة بعيدة ونفسى أزور
وأمسح بإيدى شباكه الكريم
وأكحل عيونى بنور البشير
بعيدة بعيده يا أرض الحبيب
بعيده بعيده
وان اعطانى ربى
لأروح لك سعيده
يابدر يانور
ولا مال معايا يا كريم يا ربى
يارب العطايا ولا مال فى إيدى
ترزقنى بكرمك ياكريم ياحنون
بعيده ونفسى أزورك يا نبى
بعيدة ونفسى وان اعطانى ربى
لأروح لك بزفة
هنيالك وعقبالنا
ومن أشهر الرجال الذين كانوا يؤدون الأغانى التراثية للحج بمنازل الحجاج جابر الحلاوى –رحمه الله- وكان يقيم بمنطقة الحسامية بقوص، وكان من أجمل المقاطع الغنائية التى يؤديها مقطع يقدم التهنئة للحاج فيقول فيه:
هنيالك ياحاج مكتوبالك ياحاج
مكتوبة لك حجة هنية
حجة بباخرة ومعدية
وحبايب جاتك بالميه
هنيالك ياحاج مكتوبة لك ياحاج
مكتوب لك حج الرسولِ
مكتوبة بالخيط اللولى
ياخواتى عنده ادعولى
هنيالك ياحاج مكتوبة لك ياحاج
مكتوبة حجة نبينا
مكتوبة طه دعينا
يااخوانى عقبال عندينا
هنيالك يا حاج مكتوبة لك يا حاج.
رابط دائم: