رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
وتوجه إلي غرفته استعدادا للعودة إلي منزله، وعندما فتح بابها فوجئ بمجموعة كبيرة من الناس في انتظاره، وراحوا يستصرخونه أن يكشف علي قريبتهم التي تعاني آلاما شديدة، ورفض الكثيرون من الأطباء الذين عرضت عليهم التدخل بالجراحة نظرا لخطورة حالتها، فتردد للحظات، ثم استجاب لطلبهم عندما أدرك أن رفض زملائه إجراء الجراحة لها يعني أنها حالة قد يكون ميئوسا منها، ودفعه إلي حسم قراره بالجراحة دموع الأقارب الذين التفوا حوله وهم يشبهون أباه وأمه وأهله، وعلي الفور ارتدي البالطو الأبيض، وتوجه معهم إلي غرفة المريضة التي سماها جدها «مصرية» حبا في الوطن، وكشف عليها فوجدها تعاني التهابا حادا في الزائدة الدودية يكاد أن ينفجر، ويؤدي إلي تسممها ووفاتها، كما أنها تعاني أيضا هبوطا بالقلب وتليفا بالكبد، ومتاعب في وظائف الكلي مما يجعل الجراحة أمرا خطيرا للغاية. ووجد نفسه أمام تحد كبير، إذ أنه لو أقدم علي الجراحة وفشلت نتيجة كل هذه الأمراض والأوضاع الصحية المتدهورة لمصرية، فسوف يغامر بسمعته، وما بلغه من درجة علمية رفيعة، وقد يتعرض للوم الشديد حتي من أهلها، ولو رفض اجراءها سيترك المريضة لقدرها، والنتيجة حسب ما سطره العلم محسومة، وكاد أن ينطق بالاختيار الثاني لولا أنه سمع صوت مصرية الواهن وهي تقول »توكل علي الله يا دكتور« »ربنا معاك«، فعقد العزم علي اجراء الجراحة، ولكي يوفر أفضل الأسباب استدعي أمهر أطباء التخدير والقلب والكبد والكلي، ووضعوا معا جميع الاحتياطات المطلوبة وفقا للأصول العلمية للتعامل مع كل الاحتمالات، وطلب طبيب التخدير ألا تستغرق الجراحة وقتا طويلا، ووافقه الجراح بشرط ألا يكون ذلك علي حساب الأصول الفنية الواجب اتباعها خصوصا في مثل هذه الحالة، فأي تسرع قد يؤثر علي نجاح الجراحة، وأي تراخ ربما يؤدي إلي وفاتها، وتمت الجراحة بمجهود كبير لفريق العمل، وبعد أيام زار الجراح مصرية، ووجد الجرح قد التأم، وشفيت من كارثة التهاب «الزائدة»، ولكنها مازالت في حالة »وهن« من الأمراض الأخري، فاستعان بالفريق الطبي الماهر الذي شاركه الجراحة ووضعوا خطة لعلاجها، كل في تخصصه، وقبل أن يغادروا الغرفة سمعوا جميعا صوت »مصرية« الضعيف وهي تقول بأنفاس متقطعة «شكرا.. إن شاء الله، ربنا حيوفقكم، مادام في الدنيا ناس مخلصين زيكم». > تلقيت هذه الرسالة من الدكتور عصمت شيبة الأستاذ المتفرغ بطب القاهرة، وهي رسالة رائعة فيها الكثير من الدروس والعبر، وأهمها الضمير الحي لدي فريق الأطباء المعالجين لها، وفي مقدمتهم الجراح الذي لم يتوان عن تلبية النداء برغم المخاطر التي تؤكدها حالة المريضة، فلقد أدركوا أن الحياة والموت بيد الله، ولم يلتفتوا إلي ما قد يلحق بسمعتهم الطبية إذا لم تنجح الجراحة، وهو درس لكل الأطباء بأن يراقبوا الله في أعمالهم، ولا يتأخروا عن نجدة أي مريض يطرق بابهم، ولا فرق في ذلك بين المريض الذي يلجأ إلي مستشفي حكومي، ومريض لديه القدرة علي العلاج في المستشفيات الاستثمارية، ويكفيهم ثواب دعوة مريضة بسيطة مثل مصرية التي هزت القلوب، وأدمعت العيون، وكل الشكر والتقدير لمن ساهموا في علاجها، وستظل مصر بخير مادام فيها «ملائكة الرحمة» من أمثالهم.