من تجارب الحياة المؤلمة أن تصحو الزوجة ذات صباح فلا تجد زوجها
إلي جوارها، خائنا العهد الذي قطعه علي نفسه بأن يكون لها عونا, وأن يواصلا الحياة معا إلي النهاية، ويصبح عليها أن تواصل المشوار بمفردها بلا سند ولامعين, وقد تصمد أمام العواصف، وربما تنهار في أي لحظة، وتكون النهاية المأساوية للأسرة والأولاد، ولم أتصور يوما أن يحدث لي ذلك, ولكني وجدتني فجأة أسيرة لها، فقررت ألا أيأس من منطلق أن الله مع الصابرين، فانا سيدة في سن الخمسين, لم أكمل تعليمي مثل كثيرات من بنات الأرياف في ذلك الوقت, وتزوجت من زميل شقيقي الذي اخترته من بين كثيرين تقدموا لخطبتي وترك لي أهلي حرية اختيار من أريده، فلقد توسمت فيه الأخلاق الطيبة والعائلة الكريمة, وأقبلت علي حياتي معه بحب وتقدير ممزوجين بالإعجاب بلباقته وقدرته علي الحديث والنقاش في كل أمور الحياة, وأنجبت منه ثلاث بنات «قمرات» كما يقولون، وفجأة تعرض لجلطة أثرت علي حركته, ولسانه, فسارعت به إلي كل الأطباء المعروفين في المنطقة التي نعيش فيها, ومن طبيب إلي آخر توصلنا إلي العلاج المناسب لحالته, وتحسنت أوضاعه الصحية بدرجة كبيرة، وبعد عام من هذه الوعكة, فوجئت به يغادر المنزل الذي أسسناه معا طوبة طوبة، ويتزوج من فتاة صغيرة، ولا أدري لماذا فعل ذلك؟ هل كان يفكر في أنجاب طفل؟، ولماذا لم ينتظر لعل الله يرزقنا به خصوصا أنني أحمل بشكل طبيعي والمسألة كلها تتعلق بالقضاء والقدر ولا يد للإنسان فيها؟، ثم إنني لم أحرمه من حقوقه الزوجية؟، ولم أقصر في أي أمر من أموره ؟!
لقد طرحت علي نفسي هذه الأسئلة ولم أجد إجابة لها، وحاولت أن أقابله أو أن أعرف منه ماذا حدث؟، لكنه طلقني غيابيا، وتركني وبناتي في مهب الريح، ولم يعطنا ولو مصاريف رمزية نواجه بها متطلبات الحياة، وأصبحت في موقف صعب، والحقيقة أن إخوتي وقفوا إلي جواري وخففوا همي وساعدوني ماديا ومعنويا، وكبرت البنات، والتحقن بالجامعة، فدخلت الكبري كلية الطب، والثانية الآداب، والثالثة الحاسبات والمعلومات، وبمجرد تخرج كل واحدة منهن طرق بابها العريس المناسب, وكلهم من نفس البلدة التي نعيش فيها، ويعلمون بقصة كفاحي معهن بالرغم مما فعله أبوهن الذي لم يشارك في تجهيز بناته ولا تعليمهن بمليم واحد، وكم بكيت وأنا ألجأ إلي إخوتي عند الشدة، وهوعلي بعد خطوات منهن.
إنني الآن أشعر بالراحة والأمان والسعادة بعد أن أديت رسالتي معهن حتي صارت لهن بيوت مستقرة، وفي الوقت نفسه لم يحقق مطلقي ما كان يصبو إليه, فلم ينجب من زوجته برغم مرور مايزيد علي عشرين عاما علي زواجهما، ودبت الخلافات بينهما، وأفضي بما في نفسه إلي بعض معارفه بأنه أخطأ في زيجته الثانية, وفي حقي وحق بناته لكنه يعرف أن الأوان قد فات..أرأيت ياسيدي كيف يحصد الإنسان ماتصنع يداه؟ ولكن للأسف لا يعرف الكثيرون ذلك، وإنني لست شامتة فيه, وأسأل الله أن يعفو عنه, ولعل من يسيرون علي نهجه يدركون هذه النهاية الحتمية.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
في مسألة الزواج يكون الاختيار دائما وفقا لأسس واضحة من حيث القبول والأخلاق والتوافق الأسري والثقافي والمادي..إلخ، ولكن تبقي هناك حالات استثنائية كحالتك فقد انقلبت الحال بزوجك الذي اخترته من بين العشرات، فإذا به يتخلي عنك في وقت كنت في أمس الحاجة إليه.. تركك وارتبط بأخري ظنا منه أنها ستأتيه بالولد فإذا بها عاقر لاتنجب, وكان هذا هو أول الدروس بأن الأمر كله لله، فهو وحده الذي يهب للإنسان ما يشاء ويمنع عنه ما يريد لحكمة يعلمها عز وجل, أما الدرس الثاني فهو أن من تتمتع بالصلابة والقدرة علي مواجهة الشدائد مثلك لا خوف عليها من تقلبات الزمن, فبالرغم من الظروف المادية الصعبة التي مررت بها فإنك تمكنت بحسن تصريفك الأمور أن تتغلبي علي هذه النقطة الصعبة، وتواصلي مشوارك إلي النهاية فتخرجت بناتك من الجامعة، وتزوجن زيجات تبشر بالاستقرار، وهكذا كان حصادك وفيرا.
وعلي الجانب الآخر كان حصاد مطلقك مرا، وسوف يجتر أحزانه إلي مالا نهاية، ولعله يعود إلي رشده، ويطلب منكن الصفح عنه، وليمض كل منكما في طريقه، وفي كل الأحوال أرجو أن تحتفظ بناتك بعلاقة عادية مع أبيهن، فهن في النهاية يحملن اسمه، ولعله يقترب منهن ويحاول تعويضهن عن جفائه لهن طوال السنين الماضية..أسأل الله لك السعادة والتوفيق وأن يثيبك من فضله وكرمه.
رابط دائم: