رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بريد الجمعة يكتبه احمد البـرى
الحصار الطويل !

أكتب إليك لكي تشير عليّ بما يساعدني علي اتخاذ القرار المناسب،ومن ثم الاستقرار، فخطواتي دائما محسوبة، ولا أعرف التسرع، ولا أحب المغامرة، فأنا فتاة تعديت سن الثلاثين، ومنذ تخرجي في كليتي تقدم لي عدد من الشباب عن طريق المعارف للارتباط بي، ولم أجد بينهم الشخص الجاد الذي طالما حلمت بأن أبني معه أسرة صغيرة قائمة علي الحب والمودة، ولم تكن هناك مماطلة مع أي منهم، إذ كان الرد حاسما من ثاني مقابلة علي أقصي تقدير.

ومنذ سبع سنوات ألتقيت شابا في دورة تدريبية في المجال الذي أعمل به، تحدثت معه في بعض الأمور العامة من باب الدردشة مثل أي زميلين في كل مكان وعرفت أنه تزوج بأمريكية تعرف عليها فى أثناء زيارتها مصر، وأنه سيسافر معها إلي بلدها بعد انتهاء الدورة، ومرت أسابيع واتصل بي عن طريق الانترنت، وعرض عليّ مساعدته في بعض المهام والأبحاث محور اهتمامنا كعمل إضافي، فوافقت علي طلبه، وعملت معه فترة من الوقت، ثم توقفت عن أداء هذه المهمة واعتذرت له عن الاستمرار فيها لانشغالي بالدراسات العليا، ورغبتي في التفرغ لتحضير الماجستير ثم الدكتوراه، وبعدها ألمح لي بأنه يريد الزواج بي، لكني رفضت، وطلبت منه عدم التطرق إلي هذا الموضوع مرة أخري، وانقطع التواصل بيننا لما يقرب من عام، وكنت أتابع صفحته علي الفيس بوك دون أن أعلق علي مابها، ثم علمت أنه أنجب ولدا من زوجته الأمريكية، وفجأة بعث لي برسالة قال فيها إنه انفصل عنها، وفي طريقه إلي تطليقها، ويرغب في أن أعيد النظر في موقفي من زواجنا، وساورتني الشكوك في نيته بأنه يبحث عن «استبن» يستعين بها وقت اللزوم، فأعدت عليه جوابي السابق بأنني لن اتزوج بهذه الطريقة وتجمدت اتصالاتنا إلي ان ارسلت لي احدي صديقاتي استمارة استبيان له علاقة بعملنا، وطلبت مني أن أرسلها لمن أعرفه من زملائنا في هذه المهنة، فخطر ببالي أن نستعين برأيه، فأرسلتها إليه، ورد عليّ علي الفور بأنه سيملأ الاستبيان ويرسله، ولما تأخر في كتابته. اعتذرت لصديقتي، ولم أعاود الاتصال به، ولا حتي مجرد أن أسأله عن الاستبيان، وظللت أتابع منشوراته علي الفيس بوك من بعيد، وعرفت أنه جاء الي مصر في إجازة بمفرده، ثم عاد إلي أمريكا بعد إجازة قصيرة، وذات يوم فتحت صفحتي علي الفيس بوك فوجدت رسالة منه يسألني فيها سؤالا مباشراً : هل مازلت مصرة علي عدم إعطائي فرصة للتقدم لك ؟ ثم أخبرني بأنه طلق زوجته الأمريكية، وأن الطريق أصبح ممهداً أمامنا للزواج والاستقرار، وإذا ظهرت أي مشكلة، أو أبديت مخاوفي من أمر ما، ولم يستطع تذليله لي، أكون وقتها علي حق في رفضي التام له، فرددت عليه بأن هناك أسبابا كثيرة تحول دون ارتباطنا ومنها اختلاف البيئة التي نشأ فيها كل منا، حيث إنه من الصعيد، وأنا من الوجه البحري، وقد لا تتقبل الأسرتان هذا الاختلاف الناشيء عن الخلفية الاجتماعية لكل منهما، كما أن ابنه الذي يحمل الجنسية الأمريكية قد لا يرتاح معي، خصوصا أنه بلغ سن السادسة، كما أنني لا أرغب في السفر إلي الخارج، وأريد الاستقرار في مصر، ولا أكون بعيدة عن أبي وأمي وأختي، فإذا رزقت بأطفال فإنهم يعيشون دفء العائلة، كذلك فإنني أرفض الارتباط بمن يدخن أو يتعاطي الخمور، إذ رأيت له صورة وهو يدخن سيجارة، فرد علي أسبابي بأن الفوارق الاجتماعية لا وجود لها، وأن معظم أبناء عائلته في مناصب ومراكز كبري، ولن يكون هناك هذا الفارق الذي أتوهمه، وأن ابنه لم يختلط بأي سيدة أخري غير أمه، ومن السهل أن أشكله علي طباعنا، وأن التواصل مع أهلي وأهله سيكون مستمرا، ولن أشعر بالعزلة التي أتحدث عنها، أما التدخين وشرب الخمر فلا يعرف إليهما سبيلا، لكنه قد يجامل البعض بالتظاهر بأنه يشاركهم في الشراب بكأس صغيرة، وأكد أنه يجاهد نفسه في الالتزام بالصلاة، ولم يدعني أرد عليه، وواصل حديثه قائلا إنه تقدم منذ ثمانية شهور الي إحدي الفتيات لماّ رأي مني التردد غير المعقول تجاهه، وإنها هي التي طلبت منه ذلك وتصور أنها تتمتع بالمواصفات التي يتمناها في فتاته، ولكن عندما قابل والدها واجه ما لم يتخيله من المطالب المادية المغالي فيها، وكان هم أسرتها أنه هو الذى سيدفع الفواتير، ويلبى مايرونه دون شروط، ولذلك انسحب في هدوء، وتأكد أنني الزوجة المناسبة له، وعلي مدي السنوات السبع الماضية لم يجد غيري لأكون شريكة حياته وأم ابنه، ووجدتني أخبر والدتي بأمره لأول مرة، ورأت أن أمنحه فرصة كافية مادمت قد ارتحت إليه، وأيدها أبي في موقفها، وأبلغته بأننا علي استعداد للقاء والتحدث بشكل جاد لوضع النقاط علي الحروف، وبالفعل جاء إلي مصر في إجازة جديدة بصحبة ابنه، والتقيته مرتين، وأكد لي أنه تعلم الكثير من تجربته الاولي وليس لديه استعداد للفشل مرة أخري، وأنه سوف يستقر بمصر في المستقبل، وسيكون لنا منزل بها فور زواجنا، وبالنسبة لي شرحت له ظروفي وقلت له إنني قدمت أوراقي للعمل في التدريس باحدي الجامعات، ومن شروطه ألا آخذ إجازة طويلة إلا بعد خمس سنوات من التعيين، فرد عليّ بأنه لا يمانع في عملي بالجامعة مادام ذلك يمثل إضافة معنوية لي، وأننا وقتها سيكون بإمكاننا أن ننتقل بين مصر وأمريكا إلي أن تنتهي هذه المدة، وبعدها أستطيع أن أحصل علي إجازة بلا راتب.

سمعت كلامه، ورددت عليه بمخاوفي التي أعلنتها مراراً، فقال لي إنني اخترع «العُقدّ» والحق أنني تراجعت عن أفكار كثيرة بخصوص هذا الارتباط، ولكن لم أستطع أن أنزع من فكري مسألة ابنه، فهو من خلفية ثقافية مختلفة، ومازالت علاقته قائمة بأمه، وعندما يكبر لا أدري كيف ستكون حاله ؟ وهل سيكون بإمكاني توجيهه حسب ثقافتنا وعاداتنا ؟ وكيف سيكون التعامل بينه وبين أخوته إذا قدر الله أن يكون لي أولاد ؟، وفي أحيان كثيرة أرد علي نفسي بأنه لا مانع أبدا من أن تكون الأمور علي مايرام، وأن الانسان لا يحصل علي كل مايريده، فالتنازلات ضرورية لكي تمضي الحياة، ورزق الله مقسم علي العباد، فلا يحصل المرء علي كل ما يبغي من متاع الدنيا، فأنا مثلا حصلت علي شهادات علمية، ولكن تنقصني الحياة الزوجية وتكوين أسرة ويكون لي أبناء، وتسيطر عليّ أحيانا أفكار متناقضة بأنني من حقي أن أتزوج بمن لم يسبق له الارتباط، وقد أفضت بما يختلج به صدري من أفكار وأحاسيس ومشاعر إلي أبي وأمي وأختي فاتفقوا علي أنني من الممكن أن أتزوج شخصا لم يسبق له الزواج، ويبدو لي أنه ملتزم دينيا من الناحية الظاهرية، ثم سرعان ماتتكشف لي أخلاقه السيئة بعد الارتباط، وهذا شأن كثيرين من الناس، والمهم ألا يكون رفضي من منطلق «الخوف لمجرد الخوف» فمادامت النظرة إلي المسألة برمتها عقلانية، فإن الأمور تسير فيما بعد علي مايرام.

لقد تركوا لي القرار النهائي بشأن الموافقة علي زميلى أو رفضه، ودعوا لي بالخير، وطلبوا مني أن أدرب نفسي علي التخلي قليلاً عن المثالية، فنحن لا نصنع الناس علي هوانا.. إنني في حيرة من أمري، وأريد أن أحسم هذا الأمر إما بقبوله وخوض التجربة، وإما برفضه للمرة الأخيرة، وليذهب كل منا إلي حاله، فبماذا تشير عليَّ.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

هناك نساء يستجبن لنداء الزواج بناء علي نصيحة الأهل، مع توافر الشروط الظاهرية من التوافق المادي والثقافي والاجتماعي، ولا يستغرق الأمر عدة لقاءات حتي تكتمل الزيجة، ويبدأ العروسان حياتهما الجديدة، وهناك نساء يماطلن في الارتباط، ويترددن في قبوله، وقد يطول الأمر بهن إلي عدة سنوات، طمعا في الفوز بمن يحوز أكبر قدر من المواصفات التي تشترطها الفتاة في العريس، وينجح صاحب «الحصار الطويل» في إقناعها بأنه الأنسب لها، وقد يكون طول الوقت فرصة كافية للتأكد من أنها الأنسب له بعد أن يخوض أكثر من تجربة فاشلة، وهذه هي حال من أراد الارتباط بك ويصر عليه برغم مرور سبع سنوات علي معرفتك به، ورفضك له، فلقد رأي فيك ما لم يره في غيرك من حيث المستويات الثقافية والمادية والاجتماعية، وفوقها الارتياح النفسي، والقبول العاطفي، وأعتقد أنك ترين فيه هو الآخر فتي أحلامك خصوصا وأنكما في سن واحدة، لكن ترددك في تنفيذ ما يكنه قلبك مبعثه القلق من الحياة الغربية التي يحياها، ووجود ابن له من مطلقته الأمريكية، وأحسب أنها مخاوف مبالغ فيها، ولا يمكن أن تكون هي الأساس الذي تبنين عليه أسباب رفضك له، فإبنه فى سن السادسة، أي أن ثقافته لم تتشكل بعد، وسوف يتأثر حتما بأبيه وبك إذا قدر لكما الزواج، وسوف ينصهر فيما بعد في بوتقة اخوته الذين قد يرزقك الله بهم وتجمعهم عوامل كثيرة مشتركة.

أما الحياة الدائمة في الخارج، فلقد يسر الأمر تماما بأنه سوف يستقر بمصر في نهاية المطاف، ولا مانع لديه من عملك بالجامعة، والتردد بين مصر وأمريكا إلي حين استقرار الأوضاع، ولا أدري كيف تسمين ذلك «مغامرة»، فالحقيقة أنه واضح تماما معك، ولا أعتقد مادامت الأمور تسير وفقا لما ذكرته في رسالتك، أنها نزوة مؤقتة، أو أنه يأخذها كتجربة في حياته، فهو يعرفك منذ سبع سنوات، ومازال متمسكا بالزواج منك، ولو أراد الارتباط بأي زوجة أخري لفعل ذلك، فهناك المئات ممن يرغبن في الفوز بمثله، ولذلك رأي أبوك وأمك وأختك أنه لا غبار عليه، وأن ما عرفوه عنه يؤكد أنه جاد الي حد بعيد في مسألة الزواج، وليس الأمر مجرد «مغامرة»، كما يصوره لك خيالك، فليكن للخوف والتردد حدود في حياتك، وعليك أن تحسمي أمرك من هذه الناحية.

إن راحة البال ليست في اختفاء المشكلات من الحياة، بل في القدرة علي التعامل والتكيف معها، ولذلك فإن الصراع الداخلي الذي تخوضينه مع نفسك لابد أن ينتهي الي قرار تقتنعين به، وأن تتسلحي بسيف الإرادة بعيدا عن القلق والتوتر اللذين يلازمانك إزاء فكرة الارتباط ومن أسباب السعادة أن يتذكر المرء ما لديه من نعم، قبل أن يتذكر ما لديه من هموم، فاحمدي الله علي كل حال، ولا يفوتك إن أي إنسان لا يعاب إلا علي قبح لسانه ورداءة أخلاقه.

أما بخصوص تجربك زميلك السابقة، ورغبتك في أن تتزوجي بمن لم يسبق له الارتباط، فإن الرجل بوجه عام ليس الجاني علي طول الخط في وقوع الطلاق، فأحيانا يكون مجنيا عليه، وضحية للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تقف حائلا دون استمرار زواجه، ولكن نظرة مجتمعنا الي الرجل المطلق تصوره علي أنه ظالم دائما وهذا غير صحيح، والمهم أن يكون الطرفان مستعدين لتقديم التنازلات والعمل علي إنجاح زواجهما، فانظري الي الأمر نظرة جدية، واتخذي القرار الذي انتهيت إليه بناء علي حصاد السنين من التجربة مع زميل التقيته كثيرا، وعرفته في كل أحواله، فأنت الأقدر علي الحكم عليه، ومن هي برجاحة عقلك وحسن تدبيرك لن تشقي أبدا في حسم مسألة ارتباطها بمن تصب كل الظروف والأحوال في مصلحته، والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق