رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أخطاء الأطبــــــاء تحت «المشرط»!

تحقيق ــ سيد صالح :
فى معظم الأحيان، يموت المريض ، ويدفن سره معه!.. فلا أحد يعرف ما إذا كان قد لفظ أنفاسه بسبب علاج خاطئ، أو نتيجة إهمال، أو جراحة تنطوى على خطأ طبى جسيم، أما إثبات التهمة على الطبيب المخطئ.

فهو أمر يستغرق وقتا طويلا، للوصول إلى السبب الحقيقى للوفاة، الأمر الذى يكون معه أهل المريض، قد ماتوا ألف مرة، كمدا وقهرا، على فقيدهم، - الذى توفاه الله- دون أن يحصلوا على حقه، حيث تتوه الحقيقة، التى يصبح الوصول إليها فى بعض الحالات - أمرا صعبا

ونحن هنا لا نتهم ولا نبرئ أحدا، فتلك مسئولية جهات التحقيق، ولا ننكر الدور الذى يقوم به معظم ألاطباء فى علاج المرضي، برغم الظروف الصعبة التى يعملون بها، ونقر أيضا بأن حالات كثيرة - لقيت ربها- دون ذنب أو تقصير اقترفه الأطباء، بسبب تأخر حالاتهم المرضية، لكن واقع الحال يقول أن أروقة المحاكم، والنيابة العامة، وكذلك نقابة الأطباء، والطب الشرعي، لا تخلو جميعها من ملفات تضم بين ثناياها أخطاء طبية ، أدت لمضاعفات خطيرة، أو إهمال جسيم أدى لوفاة مريض، أوعملية جراحية خاطئة أدت للوفاة أيضا. فبعض الأخطاء أصابت المجتمع بالخوف ، وتحتاج إلى عقاب رادع، لمنع تكرارها، وحتى لا يفلت الجانى من العقاب.

و تكشف الأرقام التى حصلت عليها « تحقيقات الأهرام» من الإدارة القانونية بنقابة الأطباء، أن عدد التحقيقات الخاصة بآداب المهنة قد بلغ خلال عام 2015 نحو 542 تحقيقا، إلى جانب 66 تحقيقا خلال الأعوام السابقة، تم حفظ 261 تحقيقا منها، وتمت إحالة 36 منها للهيئة التأديبية بالنقابة، ويجرى حاليا تداول 107 ملفات تحقيق، فيما أحيل 110 ملفات للتحقيق بالنقابات الفرعية، وعرض 94 ملفا على استشاريين، وتم تداول 57 ملفا أمام الهيئة الابتدائية التأديبية بالنقابة، والتى أصدرت 22 حكما، كانت العقوبة فى 14 منها الإيقاف عن مزاولة المهنة، وانقضاء الدعوى فى إحداها بسبب الوفاة، وحصل 4 أطباء على البراءة، وعقوبة التنبيه بحق أحد الأطباء، والغرامة لاثنين ، ولايزال هناك 35 ملفا متداولا أمام الهيئة الابتدائية التأديبية بالنقابة.

إسراء إبراهيم طايع ( 5 سنوات)، إحدى الحالات التى دخلت مستشفى حكومي، لإجراء جراحة «فتق»، فاكتشف أهلها بأن الجراحة أدت إلى مشكلة فى المثانة، فقام الطبيب باستئصالها، وفى محاولة لإنقاذها، تم نقلها إلى مستشفى أسيوط الجامعي، التى أعدت تقريرا بحالتها الصحية، أشار فيه طبيب جراحة المسالك البولية بالمستشفى إلى أنه بتوقيع الكشف الطبى على المريضة، تبين أنها تعانى من ناسور وتسرب بولى من خلال جرح بالبطن، ، حيث أن المريضة قامت بإجراء جراحة لإصلاح فتق جراحى خارج مستشفى أسيوط الجامعي، وتبين بعد إجراء الأشعات والتحاليل الطبية- على البطن والحوض، وجود جرح بالمثانة البولية، وعند إجراء الشق الجراحي، تبين وجود تهتك بالمثانة البولية وعنق المثانة، وتمت محاولة إصلاحه بمستشفى أسيوط الجامعى بتاريخ 5 يونيو 2015 ، لكن - التقرير الطبى - الذى حصلت « تحقيقات الأهرام» على نسخة منه- يشير إلى أن الطفلة قد تعانى من سلس بولي، وعدم القدرة على التحكم بالبول، لتهتك عنق المثانة، وأنها تحتاج للمتابعة، لإمكانية إجراء عملية توسيع وترقيع المثانة بواسطة جزء من الأمعاء ، لصغر حجم المثانة البولية، نتيجة تهتكها.

الأمر ذاته ، تعرضت له السيدة فريال عبد المقصود محمد، التى دخلت مستشفى خاصا للعيون ببنى سويف، لإجراء جراحة تسليك القنوات الدمعية، فخرجت من غرفة العمليات جثة هامدة، تعانى من غيبوبة كاملة، وتم نقلها الى المستشفى الجامعى حيث تم إدخالها غرفة العناية المركزة، ووضعها على جهاز التنفس الصناعي، ومكثت بها أكثر من 60 يوما، ولبت نداء ربها بعد غياب كامل عن الوعي، ومشقة فى العلاج ونفقاته، وقام نجلها بتحرير المحضر رقم 2668 لسنة 2015 فى 19 إبريل من العام نفسه، ولم يصدر تقرير الطب الشرعى الذى يحدد سبب الوفاة، بالرغم من مرور شهور على وفاتها.



نقص التعليم الطبى المستمر

وهنا يفرق الدكتور حسين خالد وزير التعليم العالى والبحث العلمى الأسبق، ورئيس لجنة القطاع الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات- بين أخطاء غير مقصودة، وهذه قد تكون مقبولة فى ظروف محددة، وأخرى متعمدة، وهذه ليست مقبولة، ويجب محاسبة مرتكبها بكل حسم، لضمان عدم تكرارها، مشيرا إلى أنه فى المجال الطبى والعلاجي، قد تحدث أخطاء فى نتائج وقياسات معامل التحاليل مثلا- وقد تعطى تلك الجهة نتائج غير دقيقة، يبنى عليها الطبيب قرارات علاجية خاطئة، قد تضر بالمريض، ولا ذنب للطبيب فيها.

وفى غياب المتابعة ونقص التعليم الطبى المستمر، وكذلك فى ظل غياب التقييم المستمر لمستوى الأداء الطبى على المستوى الحكومى أو الخاص، فإنه من المتوقع كما يقول د. حسين خالد- حدوث أخطاء، ومن ثم فإن التعليم الطبى يحتاج ثورة شاملة، ولابد من بذل جهود كبيرة للتصدى للظواهر السلبية فى القطاع الطبي، وبطبيعة الحال هناك مشكلات مزمنة، منها نقص الميزانيات اللازمة للتعليم والتطوير والتدريب الطبي، فضلا عن القوانين العتيقة التى تحكم الممارسة الطبية، وكذلك ضرورة تحديث المناهج الدراسية فى كليات الطب، وغياب برامج التدريب والتعليم الطبى المستمر، وهذه المشكلات هى ثمار سنوات طويلة من الإهمال، وإذا كنت لا أتوقع حلها خلال فترة وجيزة، لكن علينا البدء فى وضع حلول عملية لمواجهة تلك التحديات التى تحاصر الخدمة الطبية، مطالبا فى الوقت نفسه- بالتوسع فى إنشاء جامعات أهلية موازية للتعليم الحكومى العادى



3 إجراءات

ومن حيث المبدأ، فإن إجراءات التقاضى وفقا للدكتور أسامه عبد الحى رئيس الهيئة التأديبية بنقابة الأطباء- تستغرق وقتا حتى لا يتعرض أحد للظلم، فوفاة مريض لا تعنى أبدا أن هناك خطأ طبيا ما حدث، وأى مريض قد يتعرض للوفاة لأسباب لا تتعلق بالطبيب، ولا علاقة له بها، لكن وبشكل عام- تكمن مسئولية الطبيب فى بذل رعاية، ولكنه ليس مسئولا عن شفاء المريض من عدمه، وهنا يجب أن نسأل عن 3 إجراءات هى : هل اتبع الطبيب الإجراءات والخطوات العملية فى الإجراء الطبى أو العملية الجراحية التى أجراها للمريض أم لا؟.. ثم إذا حدثت مضاعفات برغم إتباع الطبيب القواعد العلمية فى الإجراء الذى اتخذه ، هل تم تشخيص تلك المضاعفات مبكرا أم لا؟.. وهل تم التعامل مع هذه المضاعفات بشكل علمى وفقا للقواعد المتعارف عليها أم لا؟.. فإذا اتبع الطبيب الخطوات الثلاثة، وحدثت مضاعفات رغما عنه، فلا شيء يدينه على الإطلاق.

والحقيقة، أن نقابة الأطباء لا تتوانى فى معاقبة الطبيب المخطئ إذا أثبتت التحقيقات مسئوليته، وتتراوح العقوبة بين الإنذار، ولفت النظر، واللوم ،والغرامة، والوقف عن العمل بدءا من شهر وحتى سنه , ثم الشطب الكامل من النقابة، وهناك حالات كثيرة تم إيقافها عن العمل، كما حدثت وقائع شطب لأطباء من سجلات النقابة، والمؤكد أن هناك إهمالا شديدا فى القطاع الطبي، ومشكلات عديدة تحتاج إلى علاج، ولدينا مؤسسات تحتاج خطة شاملة لتطويرها، وهناك نقص فى الميزانيات، ولا يوجد اهتمام بتطوير العنصر البشري.

ولكن هناك حالات وفاة لا يمكن إثبات خطأ الطبيب فيها؟

- رئيس الهيئة التأديبية : هذا صحيح، ولذلك لابد من تطوير الطب الشرعي، والذى يعانى حاليا من محدودية الإمكانات ، وقصور التمويل المالى اللازم للتطوير، وكذلك نقص الكوادر، وعدم إقبال الأطباء على العمل لدى الطب الشرعي، مطالبا بضرورة نشر ثقافة تشريح جثة المتوفى بين أهله وذويه، لأن البعض يرفض ذلك الإجراء ، الأمر الذى يحول دون الوصول للسبب الحقيقى للوفاة، كما أن 80% من حالات الوفاة لا يمكن الوصول فيها لسبب الوفاة إلا من خلال الطب الشرعي، ولذلك فإن تشريح الجثة هو القول الفصل فى مثل هذه الحالات.



الخلط بين الخطأ والإهمال

والحديث عن أخطاء الأطباء، فإن وسائل الإعلام تخلط بين 3 أمور، الأمر الأول - كما تقول الدكتورة منى مينا وكيل نقابة الأطباء- يتعلق بالعلاج، وهو قد يعطى نتائج إيجابية أو سلبية، والأخيرة لا يتحملها الأطباء، فلو أن مريضا بالسرطان خضع للعلاج الكيماوي، وسبب له هذا النوع من العلاج، قيئا وفقدانا للشهية وهو إحدى النتائج المعروفة والخطيرة للعلاج الكيماوي- وتوفى المريض على أثرها ، نجد أهل المريض يحملون الطبيب المسئولية عن وفاته، مع أنه لا علاقة للطبيب بذلك.

الأمر الثانى هو الخطأ الطبى الجراحي، وهنا تؤكد د. منى مينا أن أى فعل بشرى يمكن أن يحدث فيه خطأ، وبشكل عام هناك نسبة خطأ فى أى عمل بشري، فالأخطاء الطبية فى الولايات المتحدة الأمريكية تعد ثالث سبب للوفاة. والأمر الثالث يتعلق بالإهمال، ويعنى أن مريضا كان يحتاج رعاية طبية، وتقاعس الطبيب عن القيام بدوره فى حدود علمه والتزامه المهني، أو تراخى فى مناظرة الحالة. وتلك الأمور الثلاثة ( النتائج الخطيرة لبعض أنواع الأدوية، والخطأ الطبى الجراحي، والإهمال) ينبغى على وسائل الإعلام التدقيق فيها،

ومن ثم ، فإنه ينبغى البحث عن حلول ، من خلال دراسة شاملة للأخطاء- ولتكن كل 5 سنوات- ، ووضع آليات لتلافى حدوثها، والاهتمام بالتعليم الطبى المستمر، وتحديث معلومات الأطباء بشكل مستمر، وتدريب الأطباء ، ووضع خطوط علاجية إرشادية، وكذلك تحديث المعلومات الطبية، وتقليل فترة «النوبتجية»، وضرورة وجود أخصائى مشرف على شباب الأطباء فى «النوبتجيات» ، وتكثيف المتابعة للقطاع الطبي، مشيرة إلى أن 9 آلاف طبيب يتخرجون سنويا من كليات الطب، تتاح فرصة الدراسات العليا لنحو 4 آلاف منهم، وتلك مشكلة تحتاج إلى حل، كما أن الطبيب لديه مشاكل منها ضرورة حصوله على أجر محترم، يلبى متطلبات واحتياجات أسرته، قبل أن نطالبه بالتفرغ.



3 جهات للمساءلة

وبشكل عام، فإن الأطباء كما تقول الدكتورة منى مينا - ليسوا فوق القانون، ولا خارج نطاق المساءلة، وهناك 3 جهات تحاسب الطبيب، فهناك وزارة الصحة وهى الجهة الإدارية التى من اختصاصها محاسبة الطبيب المخطئ، وتصل عقوباتها للفصل من الخدمة، وهناك النيابة العامة، وعقوباتها تصل للسجن وشطب الطبيب، والجهة الثالثة هى النقابة، ولديها لجنة للتحقيق، ومحكمة تأديبية ابتدائية أولى بالنقابة، وتضم ممثلا عن النيابة الإدارية، ثم محكمة القضاء الإدارى كمستوى ثان، ثم المحكمة التأديبية الاستئنافية ، وقد تصل عقوبات النقابة إلى حد الإيقاف بشكل مؤقت، لمدة تتراوح بين 3 شهور و12 شهرا، وحتى الشطب من سجلات النقابة، وعدم ممارسة المهنة . وبطبيعة الحال ، لا خلاف على ضرورة معاقبة المخطيء ، لكن إذا كنا جادين فى البحث عن حلول عملية ناجحة، فلابد من إيجاد طرق ووسائل علمية لبحث الظاهرة، ووضع الحلول اللازمة لها،

أحيانا، يكون من الصعب إثبات خطأ الطبيب،لأنه لا يوجد نظام تسجيل دقيق ، ولا يوجد نظام إحالة واضح ومحدد، وليس هناك خطوط علاجية إرشادية ملزمة، « فنظام العلاج فى مصر يعوم فى الفوضي»، ولتصحيح ذلك، لابد من نظام تسجيل دقيق لحالة المريض قبل البدء فى علاجه، وأسباب تحويل المريض للعلاج من مكان لآخر، وحالة المريض وقت التحويل، وأى تدخل علاجى حدث له، حيث يمكن إثبات الخطأ على الطبيب من عدمه، ولا توجد جهة محددة يمكن تحويل المريض عليها لتلقى العلاج السليم، مشيرة إلى أن النقابة عملت خلال 3 سنوات، للانتهاء من مشروع قانون للمسئولية الطبية (ويشمل جميع ممارسى المهن الطبية)، وتم تقديمه للجنة الإصلاح التشريعي، وكذلك لجنة الصحة بمجلس النواب، واستعنا فيه بتجارب عديدة أجنبية وعربية، بهدف التفرقة بين الخطأ الطبي، ومضاعفات العلاج، والإهمال، ومحاسبة المخطيء، وكذلك إمكانية إصدار تقارير من لجنة متخصصة لضمان الحيدة والنزاهة، والموضوعية، ونفى فكرة تعاطف أبناء المهنة مع بعضهم، وكذلك إيجاد آلية للمحاسبة، تضمن العدالة، وتحفظ للطبيب حقوقه، وللمريض حقوقه أيضا، وتأمل نقابة الأطباء إقراره بشكل عاجل.



تدريب الأطباء

وبشكل عام، هناك حالة من التدنى فى التنمية البشرية للعاملين فى المجال الصحي، وعدم كفاية التدريب وإعادة التدريب ، الأمر الذى أدى كما يقول الدكتور محمد على عز العرب استشارى الكبد ورئيس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد والمستشار الطبى للمركز المصرى للحق فى الدواء- لزيادة الأخطاء البشرية، وكذلك تدنى مستوى الإنفاق على الصحة فى الموازنة العامة للدولة( 3% حاليا ) بينما تصل موازنة الصحة فى بعض الدول الإفريقية إلى 15% تقريبا ، ما أثر سلبيا على توفير الأساسيات من التجهيزات الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية والخدمات الوقائية، وأدى إلى تدهور مستوى العلاج بالمستشفيات العامة والمراكز الحكومية، ونقص واضح فى بعض التخصصات مثل جراحات المخ والأعصاب والتخدير والعلاج بالأشعة التدخلية فى معظم المحافظات، وخدمات الطوارئ، وانتشار الأخطاء الطبية وعدوى المستشفيات وقصور واضح فى تحديث الأجهزة الطبية، وعقود الصيانة اللازمة له، وتدهور واضح فى الجانب الوقائى والأبحاث الصحية ، لغياب سياسة صحية واضحة المعالم والمدة الزمنية وتدنى التوعية والتثقيف الصحي..

ولا يمكن الحديث عن خدمة طبية متميزة، دون النظر إلى العنصر البشري، وهو أحد اركان المنظومة الصحية ، ويضم الأطباء والتمريض، والإثنان يعانيان مشاكل عديدة من أبرزها تدنى الأجور، ونقص التدريب، الذى يحتاج إلى مكان، ومدربين، وأجهزة « سيميلتور» للتدريب عليها، وهى أجهزة تشبه جسم المريض الطبيعي، لكنها صناعية، ويستلزم توفير كل ذلك بالطبع، تدبير مبالغ مالية للإنفاق على عليات التدريب، الأمر الذى لا يمكن تلبيته فى ظل تدنى الميزانية المخصصة للصحة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 1
    مصرى حر
    2016/08/28 08:05
    0-
    0+

    بعد شيوع البزنس والتحايل ونزع الاعضاء فى مهنة الطب
    الطب ذاته نزعت من قلبه الرحمة فى مصر
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق