فى مؤتمر صحفي، عقده أوباما فى البيت الأبيض،مؤخرا ، أشار أوباما إلى أن توجيه الطائرات الحربية الأمريكية ضربات ضد مواقع «داعش» قرب مدينة سرت الليبية جرى «بناء على طلب من حكومة الوفاق الوطني» التى تحارب وبنجاح المتطرفين فى أراضيها. وبحسب أوباما، فإن ذلك يخدم مصالح الأمن القومى الأمريكى لأنه لا يجوز قبول ظهور معقل لـ»داعش» هناك.
وأضاف أن ذلك يتماشى أيضا مع مصالح الدول الأوروبية التى لا تواجه التهديد الإرهابى وحده، إنما عليها التعامل مع مسألة اللاجئين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. معركة تحرير سرت التى أطلقها المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق منذ أكثر من ثلاثة أشهر ، حققت تقدما ملحوظاً عبر استعادة معظم أحياء سرت وضواحيها، ولم يتبق للدواعش سوى التحصن فى مساحة قطرها لا يتعدى الخمسة كلم، لكن هذه المساحة الصغيرة نسبيا، أظهرت شراسة التنظيم فى الدفاع عن أكبر تمركزاته فى ليبيا، وجعلت عملية القضاء على ما تبقى من داعش، أمراً ليس بيسير المنال.. ان دخول الولايات المتحدة على خط الحرب ضد داعش، يحمل دلالتين مهمتين ؛ الأولى تتمثل فى دعم حكومة السراج لإظهارها بموقف المسيطر على زمام الأمور، والقادرة على الحشد الدولى لدعمها فى الحرب على الإرهاب. الأمر الثانى وهو الأهم يتلخص برغبة واشنطن الظهور بموقف الحامى الدولي، وبالتالى تبحث على دور كبير فى ليبيا، خاصة أن الجيران الأوروبيين فشلوا فى وضع بصمة مؤثرة على الملف الليبي، وباتت تدخلاتهم فيها انحياز لأطراف معينة. أن التدخل الأمريكى الأخير ليس أمراً مفاجئاً، فأمريكا موجوده بأشكال مختلفة، من تنفيذ ضربات استباقية لقادة القاعدة والداعش على غرار الأنبارى شرق وغرب البلاد، وعمليات خاصة دقيقة لاعتقال ليبيين متهمين فى قضايا إرهاب دولية على غرار «أبو أنس الليبي» و»أحمد أبو ختالة»، كلها مشاهد تظهر أن السياسة الأمريكية لم تترك ليبيا لأجندات دولية، بل ان واشنطن تنفذ أجندتها بطريقتها الخاصة، لكن بأقل الخسائر والتكاليف. لابد من تذكر تقرير نيويورك تايمز قبل ٦ أشهر، عندما نقلت عن مسئولين أمريكيين زيادة طلعات الاستطلاع وجمع معلومات المخابرات فى ليبيا، وبأنهم يعدون لضربات جوية محتملة وغارات كوماندوز، فى ظل القلق من تزايد تهديد تنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات الإرهابية. وقد سبق هذا التدخل حوارات داخل أجهزة صنع الأمريكية حول طبيعة هذا التدخل، لكن شخصيات مقربة من دوائر صنع القرار، أكدت أنه سكون قريبا جدا وهو ما جاء على لسان الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية، عندما أكد أنه من الإنصاف القول إننا نتطلع للقيام بتحرك عسكرى حاسم فى ليبيا، ضد تنظيم الدولة بالتوازى مع أى عملية سياسية. علما أن فرقا أمريكية وبريطانية للعمليات الخاصة، تنفذ منذ شهور مهام استطلاع سرية فى ليبيا، لتحديد زعماء المسلحين والمجموعات الإرهابية ورسم خريطة لشبكاتهم، بجانب اتصالات تجريها فرقا منفصلة من قوات الخاصة الأمريكية، لاستمالة حلفاء من بين المجموعات المسلحة الليبية، وهو ما حدث عندما تحالفات المجموعات المسلحة فى مصراتة، مع المجلس الرئاسى لفايز السراج رئيس حكومه الوفاق المدعوم بشكل كبير من قبل الولايات المتحدة. واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية من جزيرة «بانتليريا» الإيطالية، الواقعة فى البحر المتوسط، مركزًا لطلعات المراقبة الجوية فى ليبيا، بالإضافة لعدد من قواعد المراقبة الجوية الأمريكية فى عددٍ من المدن الليبية المحيطة بـ«سرت»: كصبراتة، وطرابلس، ومرسى البرجا غربًا، وبنغازي، وأبو جرين شرقًا. هذا بعدما كانت الغارات الأمريكية ضده قاصرة فى وقتٍ سابقٍ على سوريا والعراق.
من الواضح أنه بعد قرابة تسعة أشهر من توقيع الاتفاق السياسى بين أطراف الحوار الليبى تحت إشراف الأمم المتحدة فى مدينة الصخيرات بالمغرب فى ١٧ ديسمبر ٢٠١٥، وستة أشهر من تشكيل حكومة الوفاق الوطنى برئاسة فايز السراج وحصولها على الاعتراف الدولى وانتقالها إلى العاصمة طرابلس، لاتزال الاضطرابات الأمنية فى ليبيا مستمرة، فيما المحاولات لإنهاء الخلافات السياسية بين الأطراف تراوح مكانها، ما يشكل عقبة أمام القضاء على الجماعات الإرهابية، وفى مقدمتها «داعش»، وهو ما دفع القوات الأمريكية إلى شن غارات جوية على معاقل التنظيم خلال شهر أغسطس الجاري. عملياً، تبدو ليبيا وكأنها تدار بثلاث حكومات فى وقت واحد، لكل منها ذراع عسكرية تحاول من خلاله تحصيل مكاسب على الأرض فى مقاتلة الجماعات المسلحة والصراع السياسي. ففى غرب البلاد، لاتزال «حكومة الإنقاذ»، التى يقودها خليفة الغويل منذ صيف عام ٢٠١٤، ترفض تسليم السلطة إلى حكومة الوفاق الوطني. وفى الشرق، فإن الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله الثنى التى توجد فى مدينة البيضاء لاتزال هى الأخرى ترفض السراج، وتتذرع بعدم حصول حكومة الوفاق على تأييد البرلمان المنتخب فى طبرق، وهو ما ينص عليه الاتفاق السياسى المُوقع عليه فى الصخيرات، لكن البرلمان تعذر عليه عقد جلسة تصويت نتيجة الخلافات المتكررة. فيما تشكل القوات التى يقودها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر نوعاً من الدعم العسكرى لحكومة الثني. وأمام هذا التناحر بين الأطراف الثلاثة، أصبحت العملية السياسية مهددة بالانهيار فى أى وقت.
رابط دائم: