تتعامل الإدارة الأمريكية بحرص وحذر هذه الأيام مع قضايا العالم الخارجى وبلا شك تتخوف (كما هو الأمر منذ فترة بعيدة) من تدهور الأوضاع فى مناطق الأزمات ومنها بالطبع الشرق الأوسط وما قد يحدث من خلق فوضى لا يمكن احتواؤها أو الحد من انتشارها وبسط نفوذها.
الرئيس الأمريكى باراك أوباما بالمناسبة فى إجازة صيفية بعيدا عن العاصمة واشنطن ـ الا أن ادارته منشغلة فى الأيام الأخيرة بتوتر الأوضاع أو تدهورها فى سوريا وتحديدا فى حلب. ولم يتم الكشف بعد عن تفاصيل مشاورات أمريكية ـ روسية ذات توجه عسكرى على وجه التحديد بدأت تتكثف فى الفترة الأخيرة ( كما نقلت عن مصادر مطلعة) من أجل ايجاد صيغة أمنية ـ عسكرية لمواجهة داعش واحتواء الوضع الأمنى المتفاقم فى سوريا.
الملف السورى بتعقيداته السياسية والاقليمية والدولية هو بالتأكيد أمر حيوى ملىء بالألغام سيكون مطروحا بشدة أمام الادارة المقبلة فى يناير القادم. ومن هنا يتوقع المراقبون أن يشهد السباق الانتخابى خصوصا فى شهرى سبتمبر وأكتوبر القادمين جدلا حادا حول ما يمكن أن تفعله «هيلارى كلينتون» المرشحة الديمقراطية فى حالة انتخابها رئيسا لأمريكا خلافا لما فعلته من قبل كوزيرة للخارجية واختلافا عن ما لم يفعله الرئيس أوباما فى السنوات الأربع الأخيرة وفشله فى وقف نزيف الحرب الأهلية والأعمال الارهابية وعمليات القتل والتهجير لمئات الآلاف من السوريين.ويجب التنبيه والتحذير فى هذا السياق بأن الحديث الدائر والقائم لدى أغلب الدوائر الأمريكية المهتمة والمعنية بالشأن السورى حاضرا ومستقبلا أو بتعبير أدق عن كيفية التعامل مع الأزمة السورية القائمة والمستمرة منذ أربع سنوات تتحدث وتشير فى نهاية المطاف الى «بلقنة» الحل بعد أن كان الحديث من قبل عن «بلقنة» الأزمة والصراع. ومن هنا يتم الاشارة الى التوصل الى صيغة سياسية واتفاق توافقى على تحويل سوريا الى دويلات عديدة مثلما حدث مع يوغوسلافيا فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى («النموذج اليوغوسلافي») ومثلما حدث ـ بشكل ما وبصيغة ما فى العراق. وبالطبع يذكر فى هذا الصدد العبارة اياها على لسان خبراء المنطقة ( وما أكثرهم هذه الأيام) «أن سوريا لم تعد كما كانت.. ولا يمكن أن تكون كما كانت من قبل»
كما أن الادارة فى اطار حربها المستمرة والممتدة ضد داعش سواء فى بلاد الشام (سوريا والعراق) أو فى ليبيا خلال الأشهر المتبقية من ولاية أوباما تواصل تشاوراتها السياسية والعسكرية مع الدول المجاورة للمناطق المتوترة بوجود نشاط داعشى مكثف وساع منذ فترة للتوسع والانتشار. ولا شك أن الملف العراقى بقضاياه العديدة والمتزايدة يشكل تحديا كبيرا للوجود العسكرى الأمريكى سواء فى الحاضر أو فى المستقبل. خاصة أن «مرحلة ما بعد داعش» ـ بعد تحرير «الموصل» من قبضة «داعش»ـ كما هو المتوقع ستشهد تفجر صراعات عرقية وصدامات عقائدية ومواجهات عشائرية لا يعرف مداها أحد وإن كانت هى المنتظر حدوثها وانتشارها. مثلما حذر الجنرال المتقاعد ديفيد باتريوس أحد أبرز القيادات العسكرية التى تعاملت مع العراق وأفغانستان. وكتوجه عام فإن ما حدث من انسحاب عسكرى أمريكى من دول المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية يتم مراجعته فى الوقت الحالى ومن ثم التشاور مع دول المنطقة لايجاد آلية انتشار ووجود تتوافق مع متطلبات الحاضر وتحدياته.
أما الملف التركى الضخم والمعقد فإنه ينال الاهتمام الأمريكى وبشكل مكثف خاصة بعد لقاء بوتين وأردوغان فى موسكو بما يحمله من احتمالات تقارب وتعاون بين موسكو وأنقرة فى المرحلة المقبلة. واشنطن ـ كما بدت فى تصريحاتها خلال الأيام الأخيرة ـ تتفادى الصدام مع أنقرة حتى لو لجأ الطرف التركى الى اصدار التصريحات النارية والانتقادات شديدة اللهجة الموجهة لواشنطن ـ بتورطها فى الانقلاب أو التدبير له أو مساندة المدبرين له .. وبالطبع المطالبة بتسليم كولن المقيم فى أمريكا.واصرار أنقرة على أن تلوح بأن واشنطن عليها أن تختار «اما كولن واما تركيا». الخارجية الأمريكية كانت حريصة فى الأيام الأخيرة على التأكيد بعمق ورسوخ العلاقة الممتدة بين البلدين منذ الخمسينيات من القرن الماضي. وقد تم الاعلان عن أن «جوزيف بايدن» نائب الرئيس الأمريكى سوف يتوجه إلى تركيا يوم ٢٤ أغسطس الجارى للتشاور مع الرئيس التركى أردوغان والقيادات التركية حول الأمور التى تهم البلدين.ولا شك أن ملفات قاعدة «انجرليك» الجوية والتعاون العسكرى والأمنى بين البلدين ستكون مطروحة فى هذا اللقاء ولقاءات أخرى تسعى الادارة الأمريكية الى عقدها بشكل مكثف فى الفترة المقبلة.
وفى المشهد الانتخابى قال «دونالد ترامب» المرشح الجمهورى للرئاسة الأمريكية فى خطاب له خصص لـ «محاربة الارهاب» كل ما كان يقوله ويزعمه من قبل عن «الارهاب الاسلامى الراديكالي» و»ضرورة وضع حد للتسلل الاسلامى الارهابى داخل أمريكا» وبالتالى «تشديد اجراءات الاقامة والهجرة للمسلمين» وحرص على التكرار بأن كل ما فعله الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون كان تخاذلا وتراجعا أمام الخطر المتزايد «للاسلام الراديكالي» وأن الأمور لا يمكن أن تسير كما كانت وأن بمجيئه هو «ترامب» سيتم التصدى لكل هذه المخاطر بجدية وحسم وبسرعة. وأيضا بالمشاركة المقترحة من جانبه مع قادة دول المنطقة ومنهم الرئيس المصرى السيسى والعاهل الأردنى الملك عبد الله. ما قاله أو ما قرأه «ترامب» فى خطابه الأخير ربما اختلف فى الصياغات الا أنه قرأ ما كان يقوله من قبل ارتجالا وتهورا ـ اذ أن التوجه واحد وراسخ لا يتغير. وقد لاحظ المراقبون أنه مهما ذكر من الأسماء التى تقوم بدور استشارى للمرشح الجمهورى ( وهم قلة فى كل الأحوال) فان «ترامب» عادة لا يسمع ما يقال له وان سمعه لا يعمل به. وتبريره لهذا ـ كان وسيظل انه لا يريد أن يتغير أو كيف يغير خطابه مادام أن هذا الأسلوب هو الذى أوصله الى ما هو الآن وصار مرشح الحزب الجمهوري. وتشير آخر استطلاعات الرأى أن «ترامب» يحظى بتأييد نحو ٧٠ فى المائة فقط من الجمهوريين. فى المقابل فان هيلارى تحظى بتأييد نحو ٩٠ فى المائة من الديمقراطيين.
وتعليقا على أغلب استطلاعات الرأى التى أجريت مؤخرا فان أغلب المراقبين يتفقون على أن «ترامب» هو الخاسر فى الانتخابات الرئاسية الا اذا حدث الأمر المفاجئ أو الكارثة الأمنية ـ الارهابية التى تهز أمريكا. أو انفجرت «فضائح أكبر» فيما يخص «هيلاري» المرشح الديمقراطى صاحبة الخبرة المميزة والأخطاء الكثيرة!!. ومثلما ذكر مؤخرا فى نقاشات حول خيارات وتوجهات وأولويات السياسة الخارجية لدى ادارة «هيلاري» ـ اذا تم انتخابها. فان هناك شبه اتفاق لدى أغلب من يعرفها أن هيلارى كسياسية معروفة أنها أستاذة فى البراجماتية والواقعية .. وأن كل ما قيل عنها من قبل ربما يكون صحيحا الا أنها معروفة أيضا بأنها قادرة وراغبة دائما أن تتوافق وتتلائم و»تتلون» مع متغيرات الأوضاع وتقلباتها. وبالتالى وصفها بما كانت عليه كوزيرة للخارجية لا يمكن تطبيقه عليها وهى رئيسة للبلاد. وبالتالى ربما ستأتى ببعض رجالها ونسائها من أجل ادارة البلاد وشئونها ـ سواء كانت الداخلية والخارجية الا أنها تعرف أيضا أنها ستكون فى عام ٢٠١٧. ولا شك أن بورصة الأسماء المرشحة والتكهنات بشأنها لن تتوقف فى الفترة المقبلة وبالتأكيد ستزداد وضوحا فى حالة فوزها بالرئاسة.
رابط دائم: