تنامت الكيانات الممثلة للمصريين فى الخارج وأصبحت تمثل خطرا على مصالحنا الخارجية والداخلية.
وهذه الكيانات التى لاحظنا تكاثرها بشدة والمنافسة على تأسيسها عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو وخاصة بعد أن حصل المصريون فى الخارج على حق التصويت تدفعنا للتساؤل عن مدى شرعية هذه الكيانات؟ فهل تخضع جميعها لقانون 85 الصادر من وزارة التضامن الاجتماعى فى عام 1988، الذى ينظم انشاء الجمعيات والنوادى الممثلة لمصر فى الخارج لتنظيم عمل هذه الجمعيات فى الإطار الشرعى والمؤسسى بحيث يتم تسجيلها ويكون عليها رقابة من قبل الجهات المختصة؟.
بعد سؤال العديد من أبناء الجالية المصرية بعدد من دول الخليج التى يوجد بها تجمعات كبيرة للمصريين، أكدوا على أن كل من ترأى له إنشاء ناد أو رابطة أو جمعية لتمثيل المصريين يفعل ذلك دون أى إجراءات قانونية بل إن الجمعية الواحدة يتنازع رئاستها أكثر من شخص، وأن سبب التهافت على ذلك هو تصور البعض أن مثل هذه الكيانات تحقق مكاسب سياسية ومادية لأصحابها مثل:
أولا: السيطرة على اتجاهات التصويت بما له من تأثير على الحياة السياسية لمصر خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاستفتاءات. وتقديم البعض لنفسه للسلطة فى مصر بوصفه ذى شعبية أو نفوذ فى مكانه.
ثانيا: الزعم بالقدرة على تخليص معاملات مبالغ كبيرة ، فمثلا شخص لديه مشكلة مع القنصلية فى اصدار جوازات أو أى أوراق وليس لديه وقت أو لبعد المسافة ينوبون عنه فى إنهاء هذه الإجراءات مقابل نسبة مادية على هذه المعاملات.
ثالثا: التقرب من السفارة والقنصلية للحصول على مزايا عينية شخصية لهم ولأسرهم.
رابعا: الانتشار الإعلامى، حيث أن البعض يلجأ للوجود الإعلامى سواء فى القنوات او من خلال وسائل التواصل الاجتماعى من أجل اثبات القدرة والحصول على المصداقية. وذلك حتى يصبح لهم وجود وانتشار لم يكن متاحا من قبل، حيث كل شخص يدعى ما يحلو له أو يهاجم من يريد من أفراد السفارة للضغط عليهم وابتزازهم. بل تطور الأمر بحيث أصبحوا يتدخلون فى العمل القنصلى للبعثات الدبلوماسية فى الخارج مما يشكل معوقا لهذه البعثات. وهناك عدد منهم يسىء لمصر، وأيضا لا نعلم التوجه الأيديولوجى لعدد كبير منهم.
وبين النشاطات التى تزاولها بعض هذه الكيانات على حد قول بعض أبناء الجاليات المصرية هو جمع العملة الصعبة من العاملين فى الخارج، بسعر أعلى بكثير من سعر السوق، فاذا كانت الدولة قد حددت سعر صرف الدولار بـ 8 أو 9 جنيهات يأتى من يعرض عليهم 12 أو 13 جنيها. والأموال لا تحول بشكل رسمى عبر البنوك أو شركات التحويل ولكن يتم تسليمها لأسرهم باليد فى المنازل. وذلك أفقد الدولة نسبة كبيرة جدا من تحويلات المصريين فى الخارج وهذه الظاهرة منتشرة بشدة فى البلاد العربية. وموجودة بالدول الأوروبية ولكن ليست بعمق دول الخليج، لأن العمالة الموجودة فى أوروبا تكون مهاجرة فكل أسرتها معها، أما دول الخليج فعمالة موسمية لمدة محددة ونسبة كبيرة منها أسرهم فى مصر. كما أن القانون الأوروبى حازم جدا فى هذا الموضوع ولو نما إلى علم السلطات أن هناك تحويل أموال يتم بخلاف القنوات الشرعية فستكون هناك عقوبات رادعة للطرفين.
ظاهرة التنافس على تأسيس الكيانات والنوادى المصرية الممثلة للجاليات المصرية فى الخارج أصبحت تتعدى التهديد القنصلى وتمثل تهديدا أمنيا وسياسيا واقتصاديا، بعد أن تحولت هذه الكيانات إلى مؤسسات ربحية تهدف إلى الربح الشخصى فى المقام الأول، وأصبح لها تجذر إعلامى بشكل واسع جدا والأمر لم يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعى بل أصبح هناك للأسف العديد من الاقلام التى تكتب بالنيابة عنهم، وفرضها السيطرة على عمل السفارات والقنصليات اصبح عاملا مؤرقا.
ورغم كل ما سبق فإن الصورة ليست قاتمة تماما ولكن هناك نواد وجمعيات تهدف لخدمة الوطن فعلا وتخضع للقوانين، ووطنية إلى أبعد الحدود تتعامل مع السفارات فى إطار نكران الذات والدفع بالمصلحة الوطنية. وهذه النوادى والجمعيات مهمة جدا ويجب دعمها حتى لا تفقد الأمل وتتوقف عن العطاء، وليس معنى وجود متربحين أن الجميع يضعون فى سلة واحدة اطلاقا ولكن هذه الجمعيات يجب أن تعمل بالشكل القانونى لأنها تمثل اللوبى المصرى فى الخارج ان فعلت ذلك بشكل صحيح فى إطار الضوابط السليمة. ونحن هنا نحذر ونلفت الانتباه إلى خطورة تعدد الكيانات الممثلة للمصريين فى الخارج ونموها، خاصة فى دول الخليج حيث يوجد أكبر تجمع للجاليات المصرية فى الخارج، ومن يحاول اظهارنا فى الخارج بمظهر المختلفين وليس المتألفين يعمل ذلك تمهيدا لتحقيق مصالح سياسية بعد عامين. وفى ظل حصول المصريين فى الخارج على حقوقهم السياسية والمشاركة فى استحقاقات انتخابية وتحول المغتربين إلى قوة تصويتية، يعمل هؤلاء على السيطرة وتسيير الرأى العام خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لذلك يجب أن ننتبه إلى خطورة هذه الجمعيات. وكما يقول بعض المغتربين ودبلوماسيين أيضا فقد كثرت شكاوى السفارات والقنصليات فى الخارج من هؤلاء المنتفعين، وعندما بدأ رؤساء بعض البعثات الدبلوماسية فى الخارج تقنين هذه الأوضاع تطاولت عليهم الأقلام المأجورة من هؤلاء. وبعضهم يدعى العمل لأجهزة سيادية تابعة للدولة مما يجعل الأمور الآن فى حالة فلتان مما دعا عددا كبيرا من النواب فى البرلمان إلى المطالبة بتقنين مثل هذه الأوضاع للاتحادات والنوادى والجمعيات للجاليات المصرية فى الخارج. ولتحقيق هذا الهدف يجب وضع معايير أولا، فمثلا لا يمكن أن يظل شخص واحد رئيسا للجالية مدى الحياة، ويجب اختيار من يمثل الجالية على أسس تعكس أهداف ثورتين عظيمتين وليس إعادة انتاج رجال الماضى وأن تكون هناك معايير لاختيار من يمثل المصريين مثل الحصول على شهادة عليا كما يجب أن يكون لهذه الروابط ايا كانت مسمياتها جمعية عمومية ينتخب مجلس إدارة ومجلس الإدارة ينتخب الرئيس وتكون الرئاسة لمدة محددة ويتم تداولها بين أبناء الجالية القادرين على خدمة المصريين والتخاطب باسمهم ووجها مشرفا لمصر. ومن ضمن الأمثلة التى تستفز المغتربين هناك شخص بإحدى الدول الأوروبية تجاوز السبعين مازال فى نفس منصبه منذ عام 1987 بالرغم من دعوة الرئيس المتكررة باتاحة الفرصة للشباب، وهناك جيل ثان وثالث من المهاجرين المصريين يجب أن يأخذ فرصته وبالتأكيد سيكون لديه فكر ورؤية مختلفة. وبالتالى نحن نحرم أجيالا بأكملها من المشاركة فى خدمة بلدهم.
ما سبق يدعونا إلى المطالبة بضرورة وجود آلية وتنسيق بين وزارات الخارجية والتضامن والهجرة والقوى العاملة . لأن الهدف الأساسى الذى يجب أن نعمل من أجله هو وحدة الصف الوطنى وليس تفتيت القوى .
وإذا قدرنا أن عدد المصريين فى الخارج يتراوح بين 12 و13 مليون نسمة تقريبا 15% من تعداد السكان فهذا العدد ليس بالهين ونسبة التصويت بينهم كبيرة وهذه معركة يجب أن ننتبه إليها من الآن .
رابط دائم: