لأنني من جيل الشباب الذي عاصر الأستاذ محمد حسنين هيكل بعد عام واحد من توليه رئاسة مجلس إدارة الأهرام ورئاسة التحرير وتعلمت علي يديه مع زملائي الشباب الذين تم اختيارهم بعد تخرجنا في كلية الآداب قسم الصحافة أول دفعة عام 1985 كل فنون العمل الصحفي والانضباط في العمل والانضباط في السلوك والانضباط في الأداء والتفاني والاجتهاد في العمل مع باقي زملائنا القدامي في الأهرام من المعممين والمطربشين الذين ورثهم الأستاذ هيكل وأراد بنا أن يخلق جيلا جديدا من الصحفيين الشبان ليقود مسيرة الأهرام في المستقبل.
...............................................................
وعلي مدي أكثر من خمسين عاما دون انقطاع مارست العمل تقريبا في كل أقسام الجريدة ومع كل قياداتها من الأساتذة العظماء ممدوح طه وصلاح جلال وصلاح هلال ولطفي الخولي وحمدي فؤاد ونجيب المستكاوي ومحمود عبد العزيز حسين وإبراهيم نافع والدكتور بطرس غالي والدكتورة بنت الشاطئ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس والدكتور زكي نجيب محمود ونجيب محفوظ ويوسف صباغ وكمال نجيب وعبد الحميد سرايا ـ ومحمود عبد العزيز وتوفيق بحري ونجيب كنعان ومحمد حقي وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف صباغ وأنيس منصور والدكتور سيد ياسين.
وكان الأستاذ هيكل رحمه الله حريصا قبل أن يصدر قرار تعيين شباب الصحفيين في الأهرام علي أن يتأكد من كفاءة كل محرر واستحقاقه للانضمام إلي أسرة الأهرام العريقة بجهده وعمله وتفانيه وأخلاقه وحبه للعمل الصحفي وليس لمجرد التعيين والحصول علي راتب. والحق اننا جيل الصحفيين الشبان تعلمنا من الأستاذ هيكل الكثير، تعلمنا حب العمل والانضباط في السلوك والأداء والصدق. والحقيقة كنا فريق عمل الحب يجمعنا ولكن حب الأهرام هو الأكبر والأعظم وحب التفوق هو رائدن وهدفنا الأسمى إلي أن حصلنا علي الاستحقاق في التعيين بعد أكثر من عام في التدريب والاختبار.تعلمنا من الأستاذ هيكل ما يجب أن يتعلمه جيل الصحفيين الشبان من حب العمل والانضباط فيه والانضباط في السلوك والأداء والأمانة والصدق والموضوعية. كان الأستاذ هيكل رحمه الله يصل إلي الأهرام كل يوم في السابعة صباحا وكنا نتسابق للوصول قبل وصوله ونحرص علي مغادرة الأهرام بعد طبع الأهرام والحصول علي نسخة منه قبل المغادرة لذلك شهد الأهرام بقيادة الأستاذ هيكل جيلا صحفيا شابا دفعه إلي أن يكون في مقدمة الصحف المصرية جميعا، صدقا وانفرادا وحرصا علي تلبية احتياجات القارئ في المعرفة والوصول إلي الخبر الصادق والمعلومة الدقيقة. لذلك أناشد أبنائي وزملائي الصحفيين الشبان الملتحقين بالأهرام أن يحرصوا دائما علي أن يتصدر الأهرام المسيرة الصحفية علي الدوام وأن يكون أكثر الصحف انتشارا وتوزيعا ومصداقية. وأن يحرص الصحفيون الشبان علي الاستفادة من خبرة الجيل الذي يسبقه وتحرص القيادات العالية علي تربية الأجيال الجديدة تربية صحفية سليمة كما كنا نحن الجيل الذي عاصر الأستاذ هيكل حريصين علي ذلك وعلي سمعة الأهرام وتفوقه.
ولقد ساعدني الحظ علي أن أتنقل في العمل الصحفي في معظم أقسام الجريدة وأحصل علي الخبرة والتفوق في كل قسم شغلته سواء في قسم الحوادث أو الأخبار أو الرأي أو التحقيقات أو الاقتصادي أو التنظيمات السياسية والشعبية إلي أن وصلت إلي رئاسة قسم الأخبار ثم مساعدا لرئيس التحرير ثم نائبا لرئيس التحرير ثم مديرا للتحرير علي مدي 15 عاما قبل أن أصل إلي سن المعاش وشغلت بالانتخاب والتعيين عضوا بمجلس الإدارة ابتداء من عام 1982 حتي سن المعاش. وفي كل موقع من هذه المواقع كان لي مواقف وانفرادات وحكايات لا تنسي. وعلي مدي خمسين عاما من العمل المتواصل ليلا ونهارا لم أعاد أحدا ولم أختلف مع أحد ولم يكذبني أحد في أي خبر أنفرد به أو أي تحقيق أكتبه. ولم يكن لي طوال مسيرتي سكرتير أو سكرتيرة. كنت أشجع الممتاز وآخذ بيد الضعيف وأنصف من يعمل ويعطي كل جهده للأهرام وأدفع للأمام من يتقاعس عن العمل. كان الحافز لأي محرر هو عمله وكفاءته وليس القرابة أو الصداقة أو الاستلطاف. كنت أعمل بروح القاضي العادل المنصف حتي آخر يوم في مسئوليتي. لذلك أتمني من كل قيادة في الأهرام الآن أن يكون هذا هو مسلكها وأن تحرص علي أن تعطي خبراتها لشباب الصحفيين وأن تدفعهم للتفوق والتقدم حتي تستطيع أن تحصل من الصحفي الشاب علي كل جهده وتفوقه.
والحقيقة حتي يتعلم شباب الأهرام أنه طوال مسيرتي الممتدة لم أشعر بكراهية أحد أو عدم حب واحترام أي قيادة عملت معها ابتداء من الأستاذ محمد حسنين هيكل وعلي حمدي الجمال ويوسف السباعي وأحمد بهاء الدين واحسان عبد القدوس وعلي أمين وإبراهيم نافع. كنت لكفاءتي في العمل ومثابرتي واخلاصي للأهرام وأمانتي وأدبي وعلاقاتي بمصادري واحترامي للجميع طفلا مدللا عند أساتذتي الذين شاء قدري أن أتعلم علي أيديهم كل فنون العمل الصحفي. ولا أستطيع أن أنسي جميع زملائي الذين تعايشت معهم وتعلمت منهم الكثير من سلوكيات وأخلاقيات المهنة المحترمة وربطتني بهم صداقة العمر وأصبحوا الآن رؤساء اصدارات الأهرام أو رؤساء تحرير صحف مستقلة ولا يتخيل أحد سعادتي الغامرة عندما أراهم الآن يقودون العمل الصحفي بجدارة ومسئولية واحترام.
وحتي يتعلم جيل شباب الأهرام من الجيل الذي سبقه التفاني والمحبة والاخلاص والمودة ونحن الجيل الذي أفني حياته مع الأستاذ هيكل عندما تولي مسئولية قيادة الأهرام عام 1957 وجعل منه الصحيفة الأولي في الشرق الأوسط بفضل جهده ووعيه وقامته وثقافته وعلاقاته بالقادة والرؤساء في مصر والعالم وثقافته ومقالاته وكتابته المتميزة ومقاله الأسبوعي »بصراحة« الذي كان العالم كله ينتظره حتي يعلم الموقف المصري منه وكان المقال منارة للجميع.
وأقول بكل مودة ومحبة إنني كنت بين زملائي في الأهرام كأنني بين أفراد عائلتي وسادت بيننا دائما علاقات طيبة يغلفها الاحترام والحرص علي إعلاء شأن الأهرام الذي يمثل لنا الصرح الكبير الذي ننتمي إليه. كنت حريصا دائما علي عدم إيذاء مشاعر أحد من الزملاء وأن أكون قدوة حسنة في حب العمل والتفاني فيه وكنت صديقا للجميع محبا للجميع أحرص قبل أي شيء علي مساعدة الجميع ودفعهم للأمام.
كما أنني أحمد الله وهذه رسالة لكل شباب الأهرام أنني لم أتطلع أو أسعي لمنصب يوما ولم أبحث أبدا عن مكسب أو مجد وكان هدفي دائما هو أن يزدهر الأهرام ويتفوق علي المؤسسات الصحفية الأخري. وآخر المناصب التي تقلدتها كان منصب مدير التحرير، وكان ذلك في عهد الأستاذ إبراهيم نافع رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الذي قاد الأهرام إلي الأمام بكل قوة واقتدار. وكنت للتاريخ ذراعه اليُمني بكل جدارة واحترام ولذلك وضع ثقته فيَّ وكنت علي قدر هذه الثقة وأزعم إنني حرصت دائما علي أن أكون موضوعيا وأمينا وعادلا أخشي الله في كل تصرفاتي وكل شهادة أشهدها وكل تصرف قمت به، ونتيجة لذلك خرجت من الأهرام بعد كل هذه السنوات وأنا أشعر بمحبة الجميع محررين وعمالا وإداريين وهي المكافأة الحقيقية التي حصلت عليها بعد أن ترك إبراهيم نافع رئاسة الأهرام وتولي بعده كوكبة من أبناء الأهرام المحترمين كان في مقدمتهم صلاح الغمري ومرسي عطا الله وعبد المنعم سعيد ولبيب السباعي وعبد الفتاح الجبالي وممدوح الولي وعمر سامي وأحمد السيد النجار في الإدارة وفي التحرير تولي الرئاسة أسامة سرايا وعبد العظيم حماد ومحمد عبد الهادي علام وعبد الناصر سلامة ثم عاد محمد عبد الهادي علام مرة أخري حتي الآن.
وكنت دائما سعيدا وأنا أراهم يتقلدون قيادة الأهرام بكل طاقاتهم وجهدهم. وللذكري والتاريخ لقد ربطتني بالجميع: التحرير والإدارة والعمال أواصر الصداقة والاحترام والذكريات الطيبة الجميلة ولا أزال أحتفظ بمعزة الجميع والحمد لله.
ويشهد الله أنني لم أستغل موقعي الصحفي في الحصول علي أي مكسب أو دخل من أحد ولم أنظر لأي دخل أو زيادة في الدخل لأحد الزملاء من العمل في الإعلانات أو غيرها وكنت أعتذر عن العمل بأي مكان آخر غير الأهرام ورفضت عشرات العروض للعمل بالخارج أو في صحف أخري أو برامج إذاعية أو تليفزيونية لأن مبدئي ألا أعمل سوي للأهرام ولا أحصل علي أي دخل إلا من عرقي وكنت أعتذر عن قبول أي مزايا ومكاسب تقدم لي من الوزارات أو المصالح أو رجال الأعمال.
ومن اللحظات التي لا أنساها لحظة تكريم الرئيس حسني مبارك لشخصي ومنحي وسام العلوم والفنون لجهودي في خدمة الوطن وكنت يومها مدير التحرير بالأهرام عام 1997 وحصلت علي الوسام مع مجموعة من زملائي الصحفيين في الصحف الأخري.
وللتاريخ كان إبراهيم نافع يتمتع بقدر هائل من الحب والاحترام من جميع العاملين بالأهرام وكانت مواقفه الإنسانية وعدالته وحرصه علي المؤسسة وأموالها ودعمه وتشجيعه للعاملين محور حبهم وتقديرهم له وفي عهده ازدهرت مسيرة الأهرام وازداد توزيعه وانتشاره وحققت إعلاناته طفرات غير مسبوقة لسعة انتشاره ومصداقيته بين الناس، واستطاع نافع أن يجدد شباب المؤسسة وأن يبني صروحا ومطابع جديدة بأفكار خلاقة وزاد من إصدارات الأهرام التي تحقق رغبات القراء وانتشرت مكاتبه الخارجية في جميع دول العالم وتولي مسئوليتها شباب الأهرام الذي أهله لذلك. وأصدر طبعة عالمية دولية وطبعة عربية من الأهرام وأصبح الأهرام يطبع في اليوم نفسه في الكثير من الدول الأوروبية والعربية ويوزع مع صحف هذه الدول صباح كل يوم.وبعد أن كان للأهرام مبني واحد أصبح له ثلاثة مبان مجاورة وبعد أن كان للأهرام مطبعة واحدة أصبح له 3 مطابع واحدة جديدة في أكتوبر وواحدة جديدة في قليوب وواحدة جديدة في شارع الجلاء.
واستطاع إبراهيم نافع بمجلس إدارة الأهرام من المنتخبين والمعينين من التحرير والإدارة والعمال أن يحقق ما لم يحققه أحد من قبله وهذه شهادة للتاريخ.
وأستطيع أن أقول بكل الفخر أنني شاركت بحكم موقعي القيادي في إعداد الأجيال الصحفية بالأهرام وقد برز المئات منهم وأصبحوا قيادات صحفية عظيمة وناجحة في رئاسة إصدارات الأهرام ورئاسة تحرير الكثير من الصحف الحزبية والمستقلة وكنت صديقا لكل كتاب الأهرام العظام الذين عملت معهم لطفي الخولي وأحمد بهاء الدين والدكتور عبد الملك عودة ونوال المحلاوي مديرة مكتب الأستاذ هيكل والدكتور جمال العطيفي وعبد الرحمن الشرقاوي والدكتور زكي نجيب محمود ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ولويس عوض وصلاح جلال وصلاح هلال وصلاح منتصر ومكرم محمد أحمد وصلاح الدين حافظ والدكتور يونان لبيب رزق وصلاح جاهين ونجيب المستكاوي وماهر الذهبي ويوسف فرنسيس ومحمد عبد المنعم ولبيب السباعي ووجدي رياض وحسني جندي والدكتور عبد العاطي محمد والدكتور عبد المنعم سعيد والدكتور محمد السيد سعيد وأسامة سرايا وعبد العظيم حماد وعبد الوهاب مطاوع وعبد العظيم درويش وسناء البيسي وعزت السعدني.
وأحب أن أقول في النهاية لكل زملائي بالأهرام شبابا وشيوخا والزملاء الذين يتطلعون للعمل بالأهرام أن نظام العمل الصحفي تغير وتطور عما سبق وأصبح الأداء الصحفي بالاطلاع والثقافة والعلاقة الوطيدة بالمصادر وليس بالاعتماد علي ما تقدمه الوزارات والجهات المختلفة من فاكسات للصحف. أصبحت هناك ضرورة أن يفكر الصحفي ويبتكر ويسأل ويتقصي المعارف والأخبار ويبحث ويجتهد في بحثه ودراسته لينال التفوق والتقدم.
رابط دائم: