رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

نســــوة «عـلىّ»

بهاء جاهين
كان لابد أن يتشوه وجدان بطل الرواية الطفل فى رحم من القسوة والجوع والقذارة؛ خاصة لنعومة إهابه الروحى ورهافته؛ فنما وهو يطلب الثأر من الحياة بأى ثمن. وكان الثمن أن يتنكر للمهد الذى لدغته فيه العقارب، فلم يفرق بين العنف الأبوى الطارد وبين حنان الأم، الذى ربما مرره شظف العيش، لكنه كان ينطق بألف لسان حتى وإن كانت لمسة الحنان أحياناً لكزة، وكلمات الحب كثيرا ما تختلط بالسباب، فى بيت ضيق متكدس باللحم والعرق والزهق والخنقة.

فإذا خرج الطفل من البيت هربا من حزام الأب المنهال على لحمه العاري، فإنه خروج من رحم قاسٍ إلى مهد من الروث والجوع الكافر وعيال لا تحترم إلا قانون الشارع الذى هو قانون الغابة؛أى إلى قسوة أشد على طفل نحيل البدن من أسرة فقيرة، لم تمنحه الطبيعة جسدا عفيا، ولا المجتمع عزوة أو غنى وهيلمانا أسريا يحميه.

فكان «عليّ» بطل رواية سمير الشحات «نسوة عليّ» الصادرة عن دار «الدار» ــ يتعرض لضرب بنفس الوحشية أو تزيد فى حارته، حارة الصقاروة، حين يستعيذ بها من حزام أبيه الذى لا يرحم، فينهال عليه الضرب بأيدى العيال. وفى المدرسة لا يختلف الوضع: فالأستاذ «المحنكر»، مدرس الفصل المحبط الفقير المهان، يجد فى «عليّ» فريسة سهلة لإفراغ إحباطه والتنفيس عن غله.

هذا المناخ الطارد، الذى هو قماشة الرواية ومدار أحداثها, يجعلنا نتخيل الحكاية التى لم يروِها الكاتب: عن «علىّ» بعد أن كبر وترك قريته الكبيرة، التى تكاد تكون مدينة ريفية، وسكن العاصمة. وهى حكاية لا نعلم عنها إلا نهايتها: حيث نلمح فى مقدمة العمل عليّا وهو كهل فرح، تلقى لتوه خبر تعيينه رئيس مجلس إدارة المؤسسة التى يعمل بها، ثم نراه يخرج للعمل لأول مرة فى سيارة رئيس مجلس الإدارة الفخمة ليحضر أول اجتماع للمجلس تحت رئاسته.

وفى حجرة الاجتماعات نراه رجلا متنمرا يبادر لسحق كل من حوله، وذبح القطة مقدما للجميع، وفى نفس الوقت، التلويح بجزرة حمراء شهية تثير اللعاب. ثم فجأة يرن جرس الهاتف الداخلى ليتلقى عليّ خبر وفاة أمه.

وفى زيارة قسرية يعود الولد العذب، الذى صار كهلا مريرا وقاسيا، إلى مهد الحكاية، التى يحكيها لنا سمير الشحات فى الفصول التى تلى المقدمة.

ولن أحكى الحكاية بالطبع؛ بل أتركها لمن تثير فضوله هذه العجالة ليقرأ بنفسه. ولكننى سأصف لك ما أثارته فى عقلى من انطباعات ، وأحيانا انتقادات.

هى أولا حكاية تجمع بين الرصد التسجيلى أو التحليلى للواقع وبين الخيال الجامح؛ ونصفها الأول تغلب عليه الواقعية، بينما يحتشد النصف الثانى بعدد غير قليل من فصول ومناطق الفانتازيا.

ثانيا: تتسم مناطق الفانتازيا ببعض الشطح والمغالاة. وسمة المغالاة لا تقتصر على فصول الخيال الجامح، بل تمتد إلى نبرة الرواية ككل وقماشتها. فنتيجة لحدوث تشوه وجدانى خطير فى نفس الطفل علي، من خلال تجربة شخصية عانت من القسوة الذكورية فى بيته وبيئته كلها، هذا الاعتداء الوحشى اليومى يجعله يجنح للمرأة بكل عنف يُتمه الروحي، فى مزيج من الشبق الحسى والعبادة الصوفية.

وهذا مفهوم ومبرر؛ فمن الطبيعى لهذه الشخصية أن يحدث عندها هذا الارتماء الوجدانى فى أحضان المرأة كأنثى وكأم - إلا أن صياغة الكاتب لهذه الحالة الإنسانية تشوبها بعض المغالاة، خاصة فيما يتعلق بالجانب الأرضى الشبقى فى رؤية الطفل، الذى هو على أعتاب المراهقة، للمرأة. فقد امتدت حالة الشبق إلى كل الشخصيات، وبلغة أقرب للبورنوجرافيا منها إلى الإيروتيكية: أى أننا إزاء غلبة الوصف المغرق فى الحسية على الاستخدام الشاعرى للجنس والجسد فى التعبير اللغوى الأدبي.

إلا أن العمل لا يهدف للإثارة؛ بل هو بورتريه لما يمكن أن يحدثه الواقع الفج من تشوهات فى نفس مرهفة بريئة تضطر مع الزمن لأن تقسو وتتلوث وتتوحش كى تعيش. وما رصدته من مغالاة ربما كان ناتجا عن أن الرواية هى التجربة الأولى لكاتبها فى هذا الفن الصعب المركب. وهو تجربة تستحق التحية؛ على أن تصحب هذه التحية همسة غير ملزمة، لأنها تعبر عن عقيدة شخصية لكاتب هذه السطور: أن الهمس والتلميح أدَلّ وأصفى بيانا من التصريح.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق