رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
فـ « الخبر الذي لم يُنشر في الأهرام كأنه لم يحدث ، والقصيدة التي لم تُنشر في الأهرام كأنها لم تُكتب ، ولا يُعوَّل على صاحبها ، ولن يتم تعميده ، ولن يصير ذا شأنٍ في الشِّعْر ، ومن لم يُنشر نعيه في الأهرام فكأنه لم يمُت « ، هكذا كانت القاعدة . وما أكتبه ليس مدحًا في الأهرام لأنه بيتي ، وأنا ابنه ، لكنها الحقيقة التي ينبغي أن أذكِّر بها ، والواقع المعيش ، الذي يعرفه كثيرون ، وقد تتوارى الشمس أحيانًا خلف سحابةٍ عابرةٍ أو وراء شجرةٍ عملاقة مُعمِّرةٍ ، لكنها لا تغرُب ، ولا تغمض عينيها ، ولا تنام في بحرٍ من الكسل ، إذْ سرعان ما تنجلي وتتجلَّى ، وتُشرق عائدةً إلى العالم بناسه وكائناته . ومنذ الخامس من أغسطس سنة 1876ميلادية ، تاريخ مولد الأهرام ، وهي المقصد والمُرتجى والمُنتهى لكلِّ شاعرٍ في مصر أو في أي بلد عربيٍّ آخر ، يطمح أن يكون له ذِكرٌ ، وتصير له ذكرى بين أهل الكتابة ، ومن ثم سواد الناس ، وعامة القراء ، ومكانٌ وسط من سبقوه في الشِّعْر من الشعراء وما أكثرهم تحت سماء الله ، لكنَّ قليلين منهم من يحمل صفة الشِّعر الحق ، بعيدًا عن التكلُّف والمُعاظلة والولادات المُبتسرة والمتعثِّرة والعسيرة للنص ، حتى إن لويس عوض عندما كان مسئولا عن تحرير ملحق الأهرام الأدبي كان لا يمنح صفة الشاعر إلا لثلاثة شعراء فقط هم صلاح عبد الصبور (1931 – 1981ميلادية ) ، وأحمد عبد المعطي حجازي ( 1935 ميلادية ) ، وحسين عفيف (1902 – 1979ميلادية ) ، وعلى الرغم من أن أمل دنقل ( 1940 - 21 من مايو 1983ميلادية ) ، كان قد بدأ النشر في الأهرام سنة 1961 ميلادية - وهو عندي من الطبقة الشعرية الأولى - فإن لويس عوض (1915 – 1990ميلادية ) ، لم يمنحه لقب الشاعر قبل اسمه في النشر ، وكذلك محمد إبراهيم أبوسنة (1937ميلادية ) ، الذي بدأ النشر متأخرًا عن أمل دنقل ثلاث سنوات في الأهرام ، أي في سنة 1964 ميلادية ، ولكن لويس عوض سيُخصِّص مقالا لـ « أبو سنة» ، الذي قال لي مرَّةً : « لو أن هذا المقال نُشر قبل ذلك ، لاختصر عشرين سنةً على الأقل في تجربتي الشعرية ، ولوضعني موضعًا آخر في الحركة الشعرية العربية « . وقال أيضًا : «أشعر بالامتنان لأستاذى الناقد العظيم د.لويس عوض ؛ لأنه تبنَّى قصائدى بالنشر فى ملحق جريدة الأهرام أيام المجد الحقيقى ، إذ كانت تتصدَّره مقالات الراحل د.محمد حسنين هيكل ، والروايات المُسلسلة لنجيب محفوظ ، وعدد كبير من كبار الكتَّاب ، كنت أشعر بالزهو لكوني أنشر قصائدي في هذا الملحق الثقافي، وفعلا نشرت فيه وكنت ما زلت طالبًا فى كلية الدراسات العربية « . وكان مقال لويس عوض في الأهرام حول ديوان أبي سنة « تأملات في المدن الحجرية» ، وكان عنوانه «هل الشعر في أزمة» ونشر في الجريدة بتاريخ 31 من أغسطس سنة 1979ميلادية . ومن قول أبي سنة وغيره من الشعراء ( خُصُوصًا محمود درويش « ١٣ من مارس ١٩٤١- ٩ من أغسطس، ٢٠٠٨ ميلادية ) ، يمكن أن تُحدِّد مكان ، ومكانة الأهرام لدي كل شاعر سواء بدءًا من حقبة الستينيات وما بعدها وما قبلها منذ تأسيس الجريدة ، التي تولَّى رئاسة تحريرها في فترات من عُمر الجريدة شعراء وأدباء وكتَّاب ومُثقفون لهم أسماؤهم أو على الأقل كان الآخرون مُهتمين بالفكر والأدب ، خُصوصًا في مناخٍ أهرامي عاش فيه المؤسِّس سليم تقلا (1849 - 1892 ميلادية ) ، والذي كان مدرسًا للغة العربية وآدابها في المدرسة البطريركية بلبنان حيث وُلِد ، وشاعرًا ذا صاحب ميول أدبية ، انعكست على أسلوبه وكتابته ، الأمر الذي خلق قارئًا ومتلقيًا من طرازٍ مختلفٍ ، استمر مع الأهرام حتى يومنا هذا ، وخليل مطران الذي رأس تحرير الجريدة نحو عام واحدٍ فقط ، لكنه قضى نحوًا من عشر سنوات في ( الأهرام)، وقد وجّه الدكتور طه حسين رسالةً إلى خليل مطران، الذي وهب حياته للشعر والصحافة ، وعاش أعزب ، بهذه المناسبة ، جاء فيها (( إن الذين يكرّمونك اليوم إنما يؤدون إليك وإلى الشعر ، أيسر حقكما عليهم ، وكم وددّت لو شاركت في أداء هذا اليسير من الحق ، ولكنك تعيش في مصر ، وإنك لتعلم أنّي أكرّمك في نفسي ، وفي أسرتي ، وفي ذوي خاصّتي منذ عرفتك )) . وقد لُقِّبَ بشاعر القطرين ثم بشاعر الأقطار العربية ، وجاء هذا اللقب من الأهرام ، التي منحت أيضًا حافظ إبراهيم لقب شاعر النيل ، وأسمت ديوان أحمد شوقي بـ « الشوقيات» ، فلم تكن مجرد صحيفة وكفى ، بل هي بوتقة تُصْهر ، وحاضنة تحفظ وتربِّي وتنمي ، ومظلة تحمي، ومدرسة تُخرِّج ، وطريق يعلِّم القدمين المشي ، ورحم يلد الجديد والمختلف والمؤثِّر ، ومذهب دائم لا يتغيَّر ولا يتبدّل على الرغم من تبدُّل الأمكنة والأزمنة . أما داود بركات الذي كان يجيد ثلاث لغات إضافة إلى العربية وهي الفرنسية والإنجليزية والسريانية ، والذي هاجر إلي مصر سنة1887ميلادية ، فله دور مهم في النهوض بالأهرام ؛ نظرا لطول الفترة التي رأس فيها تحرير الصحيفة ( من سنة1899 حتي وفاته سنة 1933ميلادية )، وكذا لعلو النزعة الأدبية عنده ، والتي عبَّرت عن نفسها عند إدارته للأهرام ، إذ كان مكتبه في جريدة الأهرام مجتمعًا أدبيًّا للشعراء والكُتَّاب إضافةً إلى السَّاسة ، وقد وهب حياته للأهرام والكتابة ، فلم يتزوج كخليل مطران ، وقد استحدث أبوابًا لنشر الشعر والأدب والنقد بشكل عام طوال عهده ، منها : «تقريظ التآليف» ، «المؤلفون والانتقاد» ، «بين كد الإفهام وثمرات الأقلام». وأنطون الجميل (1305 - 1367 هـجرية / 1887 - 1948ميلادية ) ، تولَّى رئاسة تحرير الأهرام سنة 1933 ميلادية ، وقد ظل في هذا المنصب حتى وفاته ، فكان كاتبًا وأديبًا ومترجمًا عن الفرنسية ، وله صلةٌ بالأدب الفرنسي ، ومن كتبه التي أصدرها «وفاء السموأل» وهي مسرحية ضمَّنها الكثير من شعره، و«شوقي الشاعر» الذي طبع مرات عديدة ، وصار مرجعا للباحثين والدارسين ، و«وليّ الدين يكن» و«طانيوس عبده» و«خليل مطران ، وكان تلميذًا لسليم تقلا حين كان في المدرسة البطريركية ببيروت» ، كما درس شعر إسماعيل صبري، وآخرين من شعراء جيله . وأنطون الجميل « كان قد هاجر إلى مصر سنة ١٩٠9ميلادية ، ومُنح بعد ذلك الجنسية المصرية ، كما مُنِح البشوية في سنواته الأخيرة « ، وقد كتب الشعر بلغتين هما : العربية والفرنسية ، وفي مرَّةٍ ترجم قصيدة من قصائده المكتوبة بالفرنسية ، وأرسلها إلى جريدة «الأهرام» قبل أن يعمل بها ، فنُشرتْ في ملحقٍ خاص مستقل، كان يُوزَّع مع أعداد الجريدة ، وذلك في الزمن الذي كانت تنشر الأهرام القصائد في صفحتها الأولى . واستطاع أن يجمع أبرز الأسماء الأدبية المصرية والعربية على صفحات جريدة الأهرام ، ومنهم مي زيادة ( التي كان عاشقًا لها ) ، وكان قبل أن يرأس تحرير الأهرام رئيسا لتحرير مجلة ( الزهور ) الأدبية الثقافية في الفترة من 1910 وحتى 1911 ميلادية ، أي أنه دخل الأهرام ، وهو مهتم ، ومشتغل بالشعر ، وانتقلتْ معه بعد ذلك إلى الأهرام أبرز رمُوز الشعر والأدب والفكر والترجمة ، وهو عندي يذكِّرنى بمحمد حسنين هيكل ، الذي استطاع أن يجمع أبرز رموز مصر الأدبية والثقافية في الأهرام ( الطابق السادس) مثل : توفيق الحكيم ، نجيب محفوظ ، يوسف إدريس ، زكي نجيب محمود ، محمود درويش ، صلاح طاهر ، حسين فوزي ، عائشة عبد الرحمن «بنت الشاطىء » ، إحسان عبد القدوس ، لويس عوض ، صلاح جاهين ، عبد الرحمن الشرقاوي ، ولطفي الخولي ، ... ولذا يمكن القول « أهرام هيكل « و» أهرام أنطون الجميل « ومن قبلهما « أهرام داود بركات « ، لفرط تأثيرهم في مسار الصحيفة ، والنهوض بها ، والاستعانة بالطبقة الأولى من الشُّعراء والكتَّاب والمفكِّرين في تحرير الصحيفة ، التي كانت تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على المقال ، ونشر أعمالهم الأدبية شعرًا أو قصصًا قصيرة أو روايات مسلسلة على حلقات أسبوعية ، و لأن كليهما أمضى مدة كافية من السنوات توضِّح سياسة وهوية الصحيفة ، خُصوصًا فيما يتعلق بالجانب الأدبي والشعري على وجه الخصوص . وأحمد شوقي (16 من أكتوبر 1868 - 14 من أكتوبر 1932 ميلادية ) ، الذي أطلق الأهرام عليه لقب أمير الشعراء ، ومنذ ذلك الوقت ظل اللقب ملاصقًا له ، فداود بركات رئيس تحرير الأهرام هو الذي أطلق عليه هذا اللقب سنة 1898 ميلادية ، حين كان يقدم أشعاره قبل أن يتولي رئاسة التحرير، وخلع عليه اللقب الذي ناله رسميا سنة 1927ميلادية . ومحمود سامي البارودي ، و عباس محمود العقاد ، وطه حسين (1306 هـجرية / 15 من نوفمبر 1889 - 1393 هـجرية / 28 من أكتوبر 1973ميلادية ) ، الذي أسمى الأهرام « ديوان الحياة المعاصرة « ، محمود حسن إسماعيل ، علي محمود طه ، وصولا إلى شعراء الأجيال التالية لهم كملك عبد العزيز وبدر توفيق حيث شهدت الأهرام بداياتهم الأولى في زمن لويس عوض ، حيث كانت الفترة التى تولى فيها الإشراف الأدبى على الأهرام، « من أزهى عصور الأهرام الأدبي، وأكثرها ثراءً « كما يقول جابر عصفور . وقد أرسى الذين اشتغلوا في تحرير ملحق الأهرام الأدبي برئاسة لويس عوض - الذي ضم صلاح عبد الصبور إلى أسرة تحرير الملحق لاحقا منذ الستينيات - تقاليد وأعرافا ، رسمت الخطوط والفواصل في الحركة الأدبية ؛ لأن الأهرام قادت وخاضت تجربة الحداثة ، وكذا وجَّهت الأنظار إلى النصوص المهمة المنشورة في الغرب ، لدرجة أن مكتب لويس عوض كان يجتمع فيه الشعراء ؛ ليترجمُوا شفاهةً الجديد شعريا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية . وكانت الأهرام منذ عددها الأول قد دعت « أصحاب الأقلام البليغة أن يُزيِّنوا من وقتٍ إلى آخر الجريدة بما يُسطِّرونه من بديع الكتابة والحِكَم والفوائد التي يلتذُّ باجتنائها كل ذي ذوق سليم» . وكانت منبرا لنشر « كل الكتابات والأدبيات المعارضة « ، على حدِّ قول محمد حسنين هيكل وفي زمن توليه الأهرام . وفي الزيارة الأولى والأخيرة لجمال عبد الناصر ، والتي تمت في الأول من نوفمبر سنة 1969 ميلادية ، أي بعد عام كامل من افتتاح مبنى الأهرام الجديد في شارع الجلاء بوسط القاهرة ( الأول من نوفمبر 1968 ميلادية ) ، التقاه من رموز الشعر والرواية والمسرح والفكر والترجمة توفيق الحكيم ، حسين فوزي ، نجيب محفوظ ، لويس عوض ، عائشة عبد الرحمن ، ودار حوار بينه وبينهم افتتحه حسين فوزي . ولأن جريدة الأهرام حينما صدرت كان ترخيصها يشير إلى أنها صحيفة أدبية ، إضافة إلى أنها إخبارية وعلمية ، فقد استمرت على ذلك النهج ، وتلك السياسة لغة ً وأسلوبًا ، وكان الشعر في أول اهتمامها . ولأن اللذين أسَّساها كانا في الأصل لبنانييْن وافدين ، وعمل بعدهما لبنانيون كرؤساء لتحرير الصحيفة ، فكان اهتمامها عربيًّا وليس مصريًّا فقط – ومازال – في نشر الأدب والشعر خصوصًا ، حيث كانت مصر وقتذاك مركز نشرٍ لكبار شعراء العربية وأدبائها وكتَّابها كأبي القاسم الشابي ومن جيلٍ تالٍ نزار قباني مثالا .