رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حتى لا تكون تغييبا للعلماء وتنفيرا للمصلين
كيف تقدم «الخطبة» صورة مثالية للفكر الإسلامى الأصيل؟

> تحقيق ــ حسـنى كمـال
أثار مقترح وزارة الأوقاف تعميم الخطبة المكتوبة حالة من الحراك بين الأئمة والعلماء ما بين مؤيد ومعارض، وظل كل من الفريقين في موقعه لا يتزحزح عنه ولا يحيد.

فمنهم من يرى أنها ضبط للخطاب الدعوى وسيطرة على الأئمة وضبط لأداء المنابر ومواجهة للفكر المتشدد، ومنهم من يرى أنها تجميد للخطاب بدلا من تجديده، وقتل لروح البحث والعلم، ودعوة للكسل والتراخي، وإهانة للأئمة والعلماء.

وما زال الأمر متأرجحا بين القبول والرفض رغم إعلان الوزارة أن مقترح الخطبة المكتوبة مازال مقترحا مطروحا للنقاش.


ونحن في هذا التحقيق نحاول أن نتجاوز فكرة القبول والرفض بأن نطرح مقترحات جديدة تلبي مطالب وزارة الأوقاف من ضبط الخطاب الدعوى، لنصل إلى لب المرض لا علاج العرض، فإذا كانت الخطبة المكتوبة تقوي الضعفاء والمبتدئين فإنها تضعف العلماء الممارسين، إذن كيف يمكن رفع مستوى الأئمة، وكيف نقدم لجماهير المسلمين خطيبا عصريا مستنيرا قادرا على إيصال رسالة الإسلام الصحيحة.

الدكتور احمد حسين، وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر، يقول: لدي قناعة بأهمية تفعيل كتابة الخطبة يوم الجمعة لتلافي القصور عند كثير من خطباء المساجد، فكثير منهم يخرج عن نص الخطبة الموجودة، وكثير منهم يتجاوز الوقت المحدد للخطبة، وكثير منهم لا يجيد العرض لموضوعه، فلا يخرج الناس بفائدة، وكثير منهم يتجاوز آداب الخطبة إلى موضوعات أخرى لا تمس بالخطبة بصلة، وكثير من الخطباء يتدخل في موضوعات سياسية لا دخل للخطيب بها، ولا حاجة للجماهير لسماعها، فحينئذ تأتي الخطبة المكتوبة لتعالج هذا الخلل الموجود، ومن يدعون أن الخطبة المكتوبة فيها حجر على إبداع الخطيب وفيها جمود وعدم تطور نقول له لا، فإن كثيرا من العلماء الثقاة الكبار كانوا يلقون خطبهم مكتوبة، وفي كتابة الخطبة احترام لجماهير المستمعين، وفيها تركيز بالأدلة والشواهد، وفيها تحقيق للمعلومات وتوثيق الحقائق، وأنا أعتبر الخطبة المكتوبة نوعا من الإبداع لا يجيده إلا المتفوقون من الخطباء، وفيها الكثير من الفوائد بشرط أن تعد إعدادا جيدا تراعى فيه كل العناصر الفنية للخطبة المنبرية، وإن كثيرا من البلدان من حولنا تلقى الخطب المنبرية مكتوبة وفيها من الروعة والإبداع والإجادة والقوة الشيء الكثير.

مهارات الداعية

ويعارض الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، موضوع قراءة الخطبة من الورقة فيقول: أرى أن يلتزم الدعاة والخطباء بتعليمات الوزارة في الالتزام بموضوع الخطبة وعناصرها وأركانها بحيث لا يخرج الخطيب عن هذه العناصر التي كلفته بها الوزارة، وليس من اللائق أن ألزم الخطيب بأن يصعد المنبر وفي يده ورقة يتلوها تلاوة ومن ثم يقتل الخطبة قتلا شديدا، ونقضي على قدرات الأئمة، وعلى اجتهاداتهم فما دام يقرأ من ورقة يتلوها تلاوة، فلن تكون خطبة توجيهية ولن يكون لها أي تأثير في نفوس الناس، ومن هنا أرى أن يلزم الوزير الخطباء بموضوع الخطبة وعناصرها ثم يضفي عليها الخطيب من مهاراته الشخصية واستعمال هذه الأدلة وتوجيهها وأوجه الاستدلال من هذه الأدلة، وبالتالي تظهر الفوارق بين الأئمة ولا يليق أبدا أن نقضي على الأئمة ونقتل فيهم روح الابتكار وروح الاجتهاد، فالالتزام بعناصر الخطبة التي أرسلتها الوزارة ليس خروجا عن النص.

مقترحات وحلول

ويقدم الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، عددا من المقترحات والحلول، قائلا: لا بد أن تكون هناك لجنة متابعة من وزارة الأوقاف للخطباء، بحيث لا يطيل الخطيب الخطبة عن وقت محدد، قد يحدد في عشرين دقيقة أو نصف ساعة، وألا يخرج عن الموضوع الذي يؤدي فيه الخطابة ويحتاجه المجتمع، وألا تميل الخطبة ميلا حزبيا أو لتيار معين أو سياسة معينة، وإنما تكون من منطلق الكتاب والسنة، أن يترك الخطيب دون أن يقيد بورقة يقرأها ليظل بين الخطيب والمستمع جسر عاطفي يظهر بتأثر المجتمع وتأثير الخطيب في المستمع، كما أقترح أن تكون هناك دورات تدريبية للخطباء يحاضر فيها كبار العلماء من أعضاء مجمع البحوث وهيئة كبار العلماء، وقدامى العلماء والخطباء من العلماء المشهود لهم بالكفاءة وأن يتدارس الخطباء القضايا العصرية ومشكلات المجتمع وما يحتاجه من توجيه وتنبيه، كما أقترح أيضا أن تقوم وزارة الأوقاف بعقد مسابقات علمية لبعض الموضوعات الدينية والعصرية والثقافية ومسابقات أخرى في بعض أمهات الكتب والمراجع الإسلامية ويكون على هذه المسابقة للفائزين جوائز سخية، وأقترح على الدولة والوزارة أن تنظر نظرة ثاقبة إلى وضع الإمام والعمل على رفعته وتحسين دخله وارتفاع راتبه وأطالب بأن يكون راتب إمام المسجد مثل راتب عضو القضاء ووكيل النيابة فلا يقل عنهما، وأخيرا، يعطى الخطباء الأكفاء المشهود لهم حصانة مثل حصانة أعضاء مجلس الشعب، فلا يقيد الخطيب في موضوع معين يتكلم فيه ولا يمنع من نقد الخطأ أو يمنع من النقد البناء الذي ينحرف، ولا يميل ولا يتعصب، ويبتغي وجه الله وحده.

التجديد لا التجميد

ويطالب الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر، بالتجديد لا بالتجميد، ويعتبر أن خطبة الجمعة من خلال الورقة المكتوبة هي تجميد للدعوة وليست تجديدا لها، لأنها تسوي بين الخطيب الماهر البارع بغيره الذي لا يعرف فنون الخطابة، فلابد أن يكون لكل إمام وجهة يعبر عنها بما هو مقتنع به، ويجب الاستماع إلى تجارب وخبرات الأئمة في المساجد، فالمستمع ينتقى المسجد الذي يذهب إليه لأنه يستمع إلى خطيب يناسبه ويحكي له المواقف المفيدة، وربما يترك مسجدا بجوار منزله لأن به خطيبا ليس على هواه، وهذه ثقافة معروفة في الشعب المصري، أنه يذهب للمسجد الذي يجد به الخطيب المتميز البارع، والتهيؤ النفسي الذي يظهر به الخطيب أيضا مطلوب، ونظرة المستمع في أن الخطيب المفوه هو الذي يرتجل ويخاطب الجمهور دون ورقة ودون أجهزة حديثة، فيكون التأثير المباشر على المستمع، وهو ما اعتاد عليه الجمهور، والخطبة المكتوبة بمثابة قتل للعلماء، واستهانة بعقل المستمع، ومن يقوم بالقراءة من الورقة فهو غير مؤهل للخطابة، فإذا كان أي شخص لديه القدرة على الإلقاء بدون ورقة فلماذا نقتله؟ والخطابة بالممارسة تثير ملكة، والخطابة موهبة وإبداع، والشعب المصري يختلف عن الدول العربية الأخرى التي لا تعرف سوى القراءة من الورقة، والمصري لديه حاسة ربما يكون محضرا لموضوع وفجأة يخرج عما قام بتحضيره ليقوم بمعالجة أحد الأحداث الطارئة بخطاب آخر مفاجئ.

الورقة لا تحل المشكلة

ويضيف، إذا كان هناك حجة في تلاوة خطبة الجمعة من خلال ورقة لوجود بعض القصور أو إطالة زمن الخطبة، فيجب إلزام الخطباء بالموضوع الرئيسي والأفكار الأساسية، وإلزامهم بالوقت المحدد، ومن يخرج عن الوقت يحاسب بوقفه عن الخطابة، فكيف لرجل من كبار العلماء ويتلو خطبة الجمعة من ورقة، فهذا يؤثر على نفسيته ويخجل، فهل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فإذا كان الأمر كذلك، فلا داعي لأن يكون خطيبا أو إماما يخطب الجمعة فربما نأتي برجل يجيد القراءة والكتابة ليقوم بقراءة الخطبة، فالعالم المؤهل يختلف عن غيره، فإذا كان الدافع للورقة هو ضبط الوقت وعدم الخروج عن النص أو المضمون فالورقة لا تحل المشكلة، فربما تأتي فكرة أثناء قراءة الورقة لمعالجة الموقف، وهذا يستدعي الخروج عن الورقة لأن الورقة ليست قرآنا ملزما، كما يجب ان نناقش المسألة كي تظهر العيوب، ولابد أن نخوض التجربة بالفعل، وهناك الآن آلاف الأئمة الذين يرفضون أن يلتزموا بالورقة وهذا سيؤثر على عدد كبير منهم، ويحول بينهم وبين المنابر، وسيمتنعون عن المنابر، والبعض يقول إنه يجب أن تكون الخطبة المكتوبة لأي خطيب جديد، ولكن المشكلة أن الخطيب الجديد سيتعود على الورقة، وهذا لا يجعله يبتكر أو يتأهل للخطابة مطلقا، فنحن في مصر بلد الإبداع نختلف عن الدول العربية الأخرى.

ثوابت الدين

ويؤكد الدكتور أسامة فخري الجندي، من علماء وزارة الأوقاف، وإمام مسجد الحصري، بمدينة 6 أكتوبر، أن من سمات الخطبة اختيار الكلمات السهلة وعدم الإسهاب، فالكلام الكثير يُنسي بعضُه بعضًا، وبالتالي فنحن نريد من الخطبة المكتوبة في صياغتها أن تصل من أسهل الطرق إلى عقول المستمعين، فالدعوة إلى الله هي الرسالة الوحيدة التي تحتاج إلى ملَكة – أقصد المَلَكة البيانية – التي يستطيع من خلالها أن يستوعب الخطبة جمهورَ المسلمين، وهناك بعضٌ من القدرات التي لا بد منها في صناعة الخطبة المكتوبة، منها: القدرة على البيان، القدرة على مواجهة الجمهور، القدرة على حسن العرض، القدرة على أن يستولي على قلوب مستمعيه، وكل هذا لا يتحقق إلا بحسن فهم للدين، وحسن تطبيقه، وحسن عرضه على الآخر.

أسلوب جديد

وأضاف : إننا نريد من الخطبة المكتوبة أن تسلك أسلوبًا جديدًا يتناسب مع تطورات الحياة ومتغيرات العصر، وذلك حتى لا يكون الخطاب الديني الإسلامي خطابًا مجردًا، بل يكون بمثابة انطلاقة للتوعية الصحيحة لمفهوم الدين – وهذا هو أساس الخطاب الديني – ومن ثمّ يظهر الأثر المرجو في جميع المتلقين، ومن هنا « فإن أسلوب الخطاب الديني لا بد أن يكون مواكبًا للمتغيرات الحياتية وملائمًا لظروف الزمان والمكان، ويقترح الجندي أن من أولويات الخطبة المكتوبة في صياغتها: أن تخَلّصَ الخطابَ الإسلاميَّ من روح التحدي وكلمات الوعيد وكل ما من شأنه أن يستفز الآخرين، وأن يتوجه الخطاب الديني للمجادلة بالحسنى، والحوار الهادئ وبناء جسور التواصل، والرغبة الصادقة في هداية الآخرين، ولا يعني هذا الخنوع للمحاربين أو الذلة للكافرين بحال.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق