رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أدب
رسائل تشيكوف إلى عائلته

> نبيل فرج
قبل أن تنتشر وسائل الاتصالات الحديثة، ويستغرق الأفراد فى عوالمهم الخاصة، كانت الاتصالات التقليدية بين البشر تعتمد على الرسائل المخطوطة التى يتبادلونها فيما بينهم، سواء كانت المسافات بينهم قريبة أو بعيدة.

وتحوى المكتبات والأرشيفات العربية والأجنبية العديد من هذه الرسائل من كل الفئات والأعمار والمستويات الاجتماعية التى وجدت من يحفظها من الضياع، ومن يحققها وينشرها فى كتب، لا من يمزقها بعد قراءتها، ويلقى بها فى سلة المهملات، عن عدم تقدير لها، وعدم إدراك ـ إن كانت من المشاهير ـ أن القراء يتلهفون عليها، لأنهم يجدون فيها، كما يجدون فى اليوميات والمذكرات، من نبض القلب والإفصاح عن الذات ما لا يجدونه فى أى كتابات أخري.

إنها وثائق نفسية وأدبية وتاريخية بالغة القيمة، من يعثر عليها يمتلك كنزا لا يقدر بثمن.

ولهذه الوثائق قيمة كبيرة لدى النقاد وكتاب التراجم والتاريخ، خاصة إذا كانت مرتبة ترتيبا جيدا، ومقدمة تقديما حسنا، تحمل تاريخ ومكان كتابتها، لأن المعانى والرموز والدلالات لا تتشكل إلا فى سياقها الزمنى والجغرافي، ولا تنفصل عن العلاقات السائدة فى المرحلة التى تكتب فيها.

وهذا ما يرجح نشر هذه الرسائل المطوية فى المستقبل، مادام أن جهود البحث والتنقيب فى التراث والمخطوطات قائمة لم تتوقف.

وكل ما يرجى لهذه الوثائق ما نشر منها فى كتب وما لم ينشر، أن تنقل كاملة إلى المكتبة الرقمية على شبكة الإنترنت، حتى تستمتع بها الأجيال القادمة، اذا ما اندثرت الكتب، واختفى الورق، ولم يعد لها وجود إلا فى المتاحف.

ورسائل الكاتب الروسى أنطون تشيكوف (1860 ـ 1904) الى عائلته التى صدرت فى «كتاب الدوحة» فى نوفمبر 2014 من ترجمة ياسر شعبان، كتبها الى أمه وإخوته وزوجته وأقربائه، وبينها رسالة تلقاها تشيكوف من زوجته الممثلة المسرحية أولجا، كتبتها إليه بعد رحيله، تتمنى فيها لو تمسد شعره المنساب، وتمعن النظر فى عينيه. ويبدو أن أولجا كانت تراسل زوجها فى حياته، فلما رحل لم تشأ أن تقطع هذه العادة، فكتبت له هذه الرسالة كأنه لا يزال حيا.

أما رسائل تشيكوف فإنها تعبر عن حساسية مرهفة جدا، خاصة مع أمه، فهو يخشى عليها من أن تعرف ممن كان يراسلهم أنه تعرض لخطر كاد يؤدى به، خوفا من أن تتأثر وتبكي، رغم أن الخطر لم يقع، وسلم تشيكوف منه.

ويطلب تشيكوف من هذه الأم، فى رسالة إليها ترف بالحب والحنان، ألا تقلق عليه، ولا تستسلم للأحلام السيئة التى تنتابها.

وتحمل رسائل تشيكوف أحكاما نقدية، يفصح فى إحداها عن تقديره العظيم لأدب تولستوي، واصفا إحدى رواياته بأنها تجمع بين الفكرة المهمة وجمال الأسلوب، ولو أنه عدل بعد ذلك عن هذا الحكم، ولم يعد يجد فى هذه الرواية ما كان يراه فيها من قبل، ومع هذا فلم يتوقف شغفه بقراءة مقالات تولستوى حتى أيامه الأخيرة.

وليس هذا الحكم غريبا، لأنه يتفق مع حكم تولستوى نفسه الذى يذكر فى سيرته الذاتية التى كتبها ولم يتمها أن هذه السيرة أفضل من كل أدبه إذ يصفها بالثرثرة.

والذين كتبوا عن تشيكوف يقولون إنه كان يكن حبا كبيرا لبوشكين وشعره ولا شك أن حياة بوشكين العاصفة التى واجه فيها القيصر نيكولاى الأول وجها لوجه بكل آرائه عن نظام الحكم، دعمت هذا الحب للشاعر الذى لم يكن هناك من يناظره فى الموهبة.

ويشيد تشيكوف فى خطاب الى أخيه بأسلوبه الذى يكتب به رسائله إليه، والى خلو هذا الأسلوب من الأخطاء الإملائية وملاحظة أسلوب الكتابة فى رسائل الأدباء يكاد يكون قاسما مشتركا بحكم المهنة. وفى هذا الخطاب أيضا يبارك تشيكوف اهتمام أخيه بالقراءة، ويوصيه بقراءة طدون كيشوت لسيرفاتس، التى كانت تترجم فى روسيا إلى جميع لغتها، ويعاد طبعها مرارا، كما يوصيه بقراءة أدب تورجنيف الذى يعد من رواد الكتابة الواقعية المتفائلة، المتقنة البناء، والمنفتحة على ثقافة الغرب، التى تلتزم الموضوعية وتتمسك بحرية الفنان.

الكتاب : رسائل تشيكوف

المترجم : ياسر شعبان

الناشر : كتاب الدوحة

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق