رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

شخصيات أعماله تطلب منه الظهور للحياة
إبراهيم عبد المجيد:الكتـابة «إرهـاق جميــل»

حوار ــ أسامة الرحيمى
إبراهيم عبد المجيد
بعد عام على «ثورة يناير البهية»، وكانت الأحداث متلاحقة، ومضطربة، قال لى ذات جُمعة حاشدة: «.. من محاسن الثورة دى إنها بتخلينى أمشى كتير».

فى الميدان ظل منتشياً دائما، وابتسامته أعرض وأبقى، وحديثه أكثر ودَّاً وحميمية، على كل ما اشتهر به من مودة.

واصبح من علامات التحرير المضيئة، كما هو من أعلام الإبداع المميز. وكان يستمتع بالمشى والدردشة مع محيطه من الناس حيثما اتفق، وبذات البساطة والإقبال مع كافة الفئات.

وفى حوارنا هذا انتشى بذكر الثورة، أكثر من الحديث عن الجوائز، على أهميتها لأى مبدع، وراهن بقلبه على انتصار الحريات، وازدهار ثمارها فى القريب، أكثر من اطمئنانه لحيازة الأمان بمردود الجوائز.

الخلاصة عندى أن «إبراهيم عبدالمجيد»، كاتب أخلص للأدب، ومنحه عمره، فرد عليه الإبداع بما يستحق، ومواطن مهموم بمواجع الناس، فبادلوه محبة بمحبة، وخصص الليل طوال عمره للكتابة، فبادرته الجوائز تباعا فى وضح النهار.

ـ البعض يعتبر الكتابة أكثر الأفعال أهمية فى حياة البشر، والإبداع أرقى أنواعها، فكيف تراها أنت؟

صحيح.. لكن الإبداع أنواع، وكل مهنة فيها إبداعها الخاص، وليس بالضرورة أن يكون الإبداع فنونا فقط، كل الأعمال، الهندسة، النجارة، الزراعة فيها إبداع، أي: مرحلة أعلى من الواقع قليلا، لأن طموح الإنسان يدفعه لجعل حياته أفضل، او على الأقل أكثر إرضاء للروح.

أما الكتابة فلها اهمية كبرى. والمبدعون عادة لا يتوافقون مع المجتمع - طبيعة روحية، لذلك ظلت المدينة الفاضلة أحد أحلام البشرية. اتفقت أو اختلفت مع افلاطون، تبقى هى محاولة لإيجاد عالم أفضل، والمدينة الفاضلة أخذت أشكالا مختلفة، مثل الاتحاد السوفييتى فى القرن العشرين، الذى سافر إليه كتاب غربيون ليتحققوا من وجوده، وبعضهم شجعه، وبعضهم انتقده بشدة، وكذلك فعلوا مع الصين، وظن البعض أنها فى بلاد البترول، كما أشرت فى روايتى «البلدة الأخرى»، وهى محاولات متصلة للبحث عن الأجمل من أجل الحضارة الإنسانية، منذ أيام الرسم فى الكهوف إلى الآن. فالبحث عن الإله نفسه فى تلك العصور، كان بحثا عن الأفضل، والإبداع لا يمكن أن يتوقف. وحين جاءت الأنظمة الشمولية بقمعها العنيف، ومثلها النازية، والفاشية، وما إلى ذلك، هرب المبدعون إلى أماكن أخرى ليستمروا فى الكتابة والمقاومة، لأن الإبداع أعظم سمات التاريخ البشري.

ـ هل يمكن تخيل الحياة دون كتابة أو إبداع، وكيف تتصور شكل الحضارة الإنسانية دون الفنون؟

تصبح جحيما.. ومملة ورتيبة.. أذكر أن ناقدا ماركسيا قال فى كتاب له أن الرواية ستنتهى مع الشيوعية لأنها ستحل كل القضايا التى يتحدث عنها الأدب، وما حدث أن الشيوعية هى التى تعثرت، وازدهرت الرواية، فلا يمكن للإنسان أن يتوقف عن الكتابة، والحياة لا تُحتمل بدون الإبداع.

ــ رحلتك فى الكتابة امتدت بطول 15 رواية وخمس مجموعات قصصية، وخمسة كتب أخرى تقريبا، رحلات ومقالات، كان آخرها «ما وراء الكتابة» الفائز بجائزة الشيخ زايد مؤخرا.. فأين يكمن الإرهاق فى الكتابة.. ومتى تجنى منها متعة التحقق؟

لايوجد إرهاق فى الكتابة، بالمعنى الدارج للإرهاق. على العكس، الكتابة إرهاق جميل، فالكاتب يرهق نفسه فى البحث عن شكل فنى جديد، وعن لغة مختلفة، ومعركته الرئيسية تكون مع الشخصيات أثناء الكتابة، لأنها أحيانا تستعصى عليه، واحيانا تريد الهيمنة والانفراد بالعمل، بعيدا عن إرادته، وهو يمتلك رؤية أخرى. ولا يجوز ان يخضع لها تماما، بل يجب ان يتحكم فيها، وإن أعطاها المدى الملائم لطبيعتها، هذا كله إرهاق جميل، فمثلا كنت قد كتبت روايتى «عتبات البهجة» بضمير الغائب، وبعدما أنهيتها أحسست أنها ليست جيدة، وغيرتها كلها بضمير المتكلم فأنارت وسطعت، مع أن ضمير المتكلم متعب جدا، وأرهقتنى فعلا، لكنى كنت سعيدا وكأنى «لقيت كنز»، وكذلك فعلت فى رواية «هنا القاهرة»، وأيضا رواية «الصياد واليمام», حيث كان البطل يستدعى الماضى بالفعل المضارع، وكأنه يحدث الآن، ويعبر عن الحاضر بالفعل الماضي، وهذا يدركه النقاد، والقارئ سيستمتع، لكن فى النهاية كل رواية يكون فيها تعبها الخاص، الذى أحب تسميته الإرهاق الجميل، وهو ما سجلته فى كتابى «ما وراء الكتابة» الفائز بـ «جائزة الشيخ زايد»، لأنه عن تجربتى فى الإبداع، وكيف أبنى الشكل الفني، وهى أشياء يشترك فيها كل المبدعين. وأنا لا أكتب إلا فى الليل، ولم اشعر أبدا بتعب من السهر، وطوال عمرى أرى الفجر، وأشم أول الهواء النقي، وعموما أنا لا أكتب بقرار، بل أستجيب للشخصيات حين تطلب منى الظهور للحياة، وأذكر مرة أننى رأيت حلما غريبا فى منامي، وحين استيقظت كتبته كاملا كما هو، فأصبح قصة «تحت المظلة 2000» ونشرت فى الأهرام، ويبدو ان «تحت المظلة» لـ «نجيب محفوظ» كانت ماشية فى روحى من زمان، ثم جاءت لى فى الحلم هكذا فكتبتها. فهل يمكن أن يكون كل هذا إرهاقا؟، لا.. إنها متعة فائقة، أو كما قال «يحيى حقي» أنها «تشعره بالجذل» وهو أعمق من الفرح.

ــ أى رواياتك تشعرك أنها الأقرب للناس، وأيها الأبعد؟

المسألة ليست قريبة أو بعيدة، بل من يتلقى العمل؟، ومتى؟، فمثلا روايتى الأولى «فى الصيف السابع والستين»بدت عند صدورها تسجيلية، ومباشرة, بسبب ما تحتويه من مانشتات الصحف، والآن بعد أربعين سنة يقرأها الناس بشكل مختلف، وأحيانا الكاتب يخلط بين حبه للعمل ويتصور أن الناس تحبه كما يحبه هو، لكن هناك روايات تكون عابرة للزمن مثل «لا أحد ينام فى الاسكندرية»، وهى أكثر رواية أعيد طبعها ( فى اربع دور نشر)، ومنها طبعات مزورة كثيرة فى الشوارع، وترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ومع أنى أحب روايتى «طيور العنبر» أكثر منها، لكن القراء أحبوا «لا أحد ينام فى الاسكندرية» اكثر، وكذلك الرواية السابقة عليها «البلدة الأخرى» (1991)، فقد كان يكتب عنها مقال كل أسبوع تقريبا فى أماكن متفرقة، وترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية، وظلت هكذا إلى ان جاءت «لا أحد ينام فى الاسكندرية» فى 1996 فانتقل الاهتمام إليها..

ــ بالمناسبة. هل تزامنت «البلدة الأخرى» مع «نجران تحت الصفر» للأديب الفلسطينى «يحيى يخلف»، أم كانت لاحقة عليها، وهل ثمة تماثل بينهما؟

«نجران تحت الصفر» أسبق من «البلدة الأخرى» بعشر سنوات، والحقيقة أنها هى التى ألهمتنى فكرة «البلدة الأخرى». وجملتها الافتتاحية كما تعرف:«فُتح باب الطائرة.. فرأيت الصمت».. المكان هنا بطل.. والفراغ.. والصمت.. اللغة الخالية.. الصامتة.. الباردة.. «الميتة قوي».. كل هذا كلفنى كثيرا.. لكنى كنت سعيدا بالرواية وبالتجربة التى أبدعتها.

ــ إلى أى حد يمكن أن يختلف الكاتب عن كتاباته، أو يتناقض معها، وهل يمكن أن يستشعره القارئ؟

ممكن جدا. لأن الكتابة برزخ بين السماء والأرض، ما بعد الكتابة وما قبلها يكون الكاتب على الأرض بين الناس، أما اثناء الكتابة فيكون بين شخصياته الروائية، وهم كلهم أسوياء حتى الأشرار منهم، لأنهم لا يؤذونه أبدا، أما بين الناس فواحد ينفعه، وتسعة يضرُّونه، والكاتب بطبيعة الحال يمتلك حساسية أعلى من غيره، ويختلط عليه الأمر أحيانا لأنه يعيش فى عالمه المتخيل، ويفاجأ أن العالم الواقعى «رذيل»، فيصبح انفعاله كبيرا ومفاجئا وسريعا، فمثلا كنت أرى «نجيب سرور» فى علاقاته الإنسانية خشنا جدا، بقدر ما كان مبدعا عظيما، والكاتب فى النهاية مسكين، والموهوب الحقيقى عنده حدود فى النهاية لا يتجاوزها، فلا يمكن أن يؤذى أحدا، ومن يفعلون ذلك هم «أشباه الكُتَّاب»، ويمكن جدا أن تجد كاتبا موهوبا ومؤذيا، لكنه استثناء نادر الوجود.

ــ مشيت كثيرا أيام ثورة يناير، وحضرت كافة تداعياتها، فهل هذا هو الدور الطبيعى للأديب، أم أنه المواطن العادى الذى كان يتصرف بعفويته، أم أنهما معا؟

الاثنان معاً.. وأنا قضيت حياتى بالقرب من السياسة. فى البدايات مثل كل كُتَّاب جيلي، كانت لنا انتماءات سياسية، لكنى فضلت الكتابة الأدبية على السياسة، وإن ظللت أكتب مقالات عن الحريات والعدالة الاجتماعية. لذلك عندما رأيت أجيالا جديدة تفتح باب الثورة كنت معهم مباشرة فى كل الأحداث، والجُمع، وللآن كلما أظلمت الدنيا فى عينى أتذكر «ميدان التحرير» فى أيام مجده، كان اليوتوبيا، كنت آكل تمرة واحدة وأظل شبعان طوال النهار، ومهما يكن ما جرى، البذرة التى ألقيت فى الأرض ستنبت، لأن الناس لمسوا حلمهم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق