رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

سقالات الموت

كتب ـــ أحمد الأترجى
قديما قالوا «الحذر لايمنع القدر»، ولأن العمل بطائفة المعمار محفوف بالمخاطر، فإن من يعملون بهذه المهنة يسيطر عليهم الحذر قدر المستطاع حتي لا تحدث كارثة، خاصة هؤلاء الذين ساقتهم الأقدار ولم يجدوا سبيلا للحصول علي لقمة العيش من منبع حلال إلا في مهنة تشطيب واجهات العمارات والوقوف علي «سقالات» بدائية في أدوار مرتفعة تكون تكلفة الغلطة فيها السقوط علي الأرض من هذه المسافة الشاهقة وفقدان الحياة.

«سيد وابراهيم « تعلما مهنة «المحارة» منذ صباهما واعتمد كلاهما علي مايتحصل عليه منها للانفاق علي أسرته، ومقاومة الظروف المعيشية الصعبة، وطوال فترة عملهما بهذه المهنة والممتدة لأكثر من 10 سنوات تعرضا خلالها للعديد من الإصابات أثناء وقوفهما علي «سقالات الموت»، لكنهما كانا يقويان علي ماأصابهما ويصارعان كل صعوبات ومشقة هذه المهنة حتي يتمكن كلاهما من الإنفاق علي أسرته، وتلبية احتياجتهم.

واشتهرا الاثنان بالمهارة والدقة والاتقان في العمل، وبذل أقصي جهد في إخراج واجهات العمارات بالشكل اللائق والمنظر الرائع، وكان العديد من المقاولين يتسابقون علي الاتفاق معهما علي العمل نظرا لخبرتهما، إلي أن جاء أحد المقاولين وعرض عليهما القيام بتشطيب واجهة إحدي العمارات بمنطقة الحوامدية فوافقا دونما أن يدري أحدهما أنها ستكون العمارة الأخيرة في تاريخهما مع المهنة وتنتهي حياتهما أسفلها.

وفي الصباح الباكر أحضر كل منهما أدواته وذهب إلي موقع العمل، وهمّا في تجهيز الحائط والتأكد من سلامة السقالة خاصة أنها علي ارتفاع سبعة طوابق، وماأن اطمئنا من سلامتها ليقفا عليها ممسكين بأدوات العمل، وانطلق كلاهما في تنفيذ المهمة الشاقة المليئة بالمخاطر في ثقة وثبات لأنها ليست المرة الأولي التي يعملان فيها علي تلك السقالات بمثل هذه الارتفاع، إلا أنها كانت الأخيرة لهما، وكأن شريط الذكريات يمرق أمامهما فالأول يتذكر أول موقف حدث معه أثناء تعرفة علي المهنة، ويقصه علي زميله، والآخر يبادله حديث الذكريات وكيف أنه لاقي المتاعب وتعرض للعديد من المخاطر جراء مزاولته تلك المهنة لكن الله سلم في كل المرات السابقة، ولم يدر بخلدهما أنهما سيكونا علي موعد للسقوط إلي الموت، وما هي إلا دقائق واهتزت «سقالة الموت» أثناء عملهما وفجأة اختل توازنهما ليسقطا من الطابق السابع، وسط دهشة من زملائهما العملاء في موقع العمل، الذين لم يتمنكوا من إنقاذهما، بعد أن راحا ضحية لقمة العيش.

وفي مشهد يبكي القلوب رقد العاملان غارقين في دمائهما، والدموع تنهمر من أعين الحاضرين حزنا وألما، واشتدت الموقف أسي بعد أن حضر أهلهما غير مصدقين أنهم لم يروهم مرة أخري، وتراصوا لإلقاء نظرة الوداع الاخيرة عليهما.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق