رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بريد الجمعه يكتبه : أحمد البرى
ليلة العيد!

الزوجة الثانية مشكلة تؤرق الكثيرين، فقد يسعى البعض إلى الزواج بأخرى، طلبا للراحة والسعادة. فإذا بحياتهم تنقلب رأسا على عقب، أحيانا بسبب الزوجة الثانية التى تريد أن تستأثر بزوجها لنفسها، وأحيانا لعدم رضاء الزوجة الأولى بارتباط زوجها بمن تشاركها فيه ،وتعتبر صنيعه هذا غدرا وخيانة، ولذلك تطلب الطلاق، أو تغالى فى شروطها للبقاء على ذمته، والضحية غالبا هى الزوجة الثانية التى ينفصل عنها زوجها أملا فى إرضاء الأولى، وهكذا تكون العواقب دائما وخيمة إذا لم تحسب الأطراف كلها المسألة بدقة، وإليكم الرسالة التالية:

أكتب إليك هذه الرسالة عبر بريدك الالكترونى يوم عيد الفطر المبارك راجية أن تشير علىّ بالحل الذى تراه مناسبا لى فى أقرب وقت قبل أن تصل حياتى إلى طريق مسدود «فأنا سيدة فى السادسة والثلاثين من عمرى نشأت فى قرية بالدقهلية لأب يعمل موظفا بالحكومة وأم ربة منزل وأربعة أشقاء «ولدان وبنتان» وترتيبى الوسطى بينهم، وحصلت على دبلوم المدارس التجارية، ولم التحق بأى وظيفة، وتقدم لى عدد من شباب القرية طلبا للزواج لكنى لم أوفق إلى الارتباط بأى منهم إما لتحفظ أهلى على بعضهم، أو لأننى لم أجد بينهم الزوج الذى طالما حلمت به. ومع كثرة الرفض تزوجت شقيقتاى الكبرى والصغري، وصار لهما بيتان، وزوجان وأولاد، وتزوج أيضا شقيقاي، وبقيت وحدى بين جدران المنزل مع أبى وأمي، وياله من عذاب ألا تتزوج البنت، فوجودها بلا زواج يحيل حياة أهلها إلى جحيم، وتجد نفسها بين فكى الرحي، كلام الناس من جهة، وحزن أبويها من جهة أخري، ولذلك كثيرا ما خلوت بنفسى وانخرطت فى بكاء مرير ودعوت الله أن أتزوج أى زيجة بعد أن تخليت عن شروطى فى فارس احلامي، فلا يهم الحب الذى انتظرته ولم يجئ، ولا تهم السعادة الداخلية التى كانت أملى فى الحياة، فهناك سعادة الأبوين وهما يريان ابنتهما وقد استقرت فى «بيت العدل» كما يقولون، وتلفت حولى فوجدت عشرات البنات اللاتى تزوجن بطريقة «الصالونات» ويعيشن حياة مستقرة، ولكن من هو هذا الذى سيطرق بابى وأنا فى سن الثانية والثلاثين، ومرت الأيام، وبدأت تنازلاتى فى الزيادة خصوصا مع حالة القلق التى انتابت أبى وأمى واخوتى تجاهي.

وذات يوم جاءتنى أمى فى غرفتى التى اعتدت أن أقضى وقتى فيها وبعد مقدمات طويلة عن الزواج والنصيب وغيره من الكلام المعتاد بثه فيمن يريدون تزويجها بأى شكل ، قالت لى أن رجلا مهما من معارف أبى يريد أن يتزوجنى وأن عمره يزيد على خمسين عاما، وهو يعيش مع والدته العجوز وشرح ظروفه بأنه على خلاف مع زوجته منذ سنوات، وله منها ولد وبنتان يعيشان معها، وهو لم يطلقها، ولكنه لا يتعامل معها، والسبب أنها ترفض المعيشة مع أمه بعد وفاة أبيه، وقد لجأ إلى أهلها كثيرا فلم ينصفوه، ولا يبغى من الدنيا شيئا سوى الاستقرار، وأن تجد أمه من تؤنس وحدتها، وهو مشغول بعمله، إذ يشغل وظيفة مدير عام فى إحدى الشركات الكبرى وهو من حيث المظهر يبدو أصغر من سنه كثيرا ويشعر المزء بالراحة فى التعامل معه من أول مرة، والحق أن المفاجأة أذهلتني، فكيف أرتبط بمن يكبرنى بعشرين سنة، ثم كيف ستكون حياتى وهو لم يطلق زوجته الأولي، ولم يصل إلى قرار نهائى بشأن علاقتهما معا، وطلبت من أبى أن يمهلنى بعض الوقت وأفضت إلى أمى بما يدور فى نفسي، فأشارت على بأنها ستوفر له فرصة لقائه فى وجودهم أكثر من مرة، لكى أتخذ قرارى وأنا مرتاحة الضمير، ولما التقيته وجدته إنسانا بشوشا، وهادئا، ولا تبدو عليه أى ملامح تنبأ عن طباع سيئة، فوافقت عليه من حيث المبدأ، إلى حين أن يسأل أهلى عنه، فأعطانا عنوانه بالتفصيل وعرفت أن أسرته تقطن فى حى شهير بالقاهرة وله ثلاث شقيقات متزوجات، ويعيشن فى محافظات بعيدة عن القاهرة، وأن أباه كان طبيبا مشهورا، وشاء القدر أن يصاب بالمرض الخبيث لبضعة شهور ثم لقى وجه ربه بعد معاناة مؤلمة وأوقات عصيبة تركت أثرا غائرا فى نفس أمه، فلم تعد تغادر جدران بيتها.

ولم يمض وقت طويل حتى تزوجنا فى صمت وبلا فرح، ولم أعش اللحظات الجميلة التى تتطلع اليها العروس وهى ترتدى ثوب الزفاف، فلقد إرتديته، وسط زغاريد الأهل والأصدقاء داخل منزلنا، وأخذنى زوجى بعدها فى سيارته إلى القاهرة، وفى الطريق أبلغ والدته بزواجنا، فانزعجت بشدة فلم يدع لها فرصة للكلام باعتبار أن ارتباطنا صار أمرا واقعا، ولا مجال لمناقشته أو الحديث عنه ولن أنسى أبدا النظرة الدونية التى رمقتنى بها أمه وكأن لسان حالها يقول لى انتى اللى حتكونى مكان زوجته الأولى فبرغم ما رواه لى من ممارسات زوجته الأولى مع أمه، ورفضها الإقامة معها، بالمنزل وهو عبارة عن فيللا من ثلاثة أدوار وتسكن والدته فى الدور الأرضي، أما الدوران الآخران فغير مستغلين، أقول برغم ذلك فإننى اكتشفت أن أمه تتحدث عن زوجة ابنها الأولي، وكأنها ملاك، وتقول إنها جميلة وتعمل مترجمة بهيئة كبري، وتفخر بأنها الزوجة المناسبة لابنها، أما أنا فلا أساوى شيئا بجانبها، ولم أعبأ بكل ذلك، وقررت أن أنجح فى حياتى الزوجية بأى صورة وألا أشغل بال أبى وأمى بي.

ومن خلال احتكاكى بأمه وشقيقاته عرفت أن زوجته شبه منفصلة عنه منذ أربع سنوات فلقد ترك لها المنزل من أجل أمه واستعان بشغالة لقضاء احتياجات بيت العائلة، ولم تفلح جهوده مع أقارب زوجته الأولى لكى تعود اليه، وما أن علمت بزواجه منى حتى خططت للإنتقام منه، فهو لا يريد تطليقها، وهى لا تريد أن تبقى على ذمته بعد زواجه بى لكنها فى الوقت نفسه قررت استنزافه ماديا بطلب مصاريف باهظة لابنائه الذين يدرسون بجامعات خاصة، وكنت كلما تحدثت معه بشأنهم يقول لى أنه أرضى ضميره وكان كلامه جميلا، وهادئا، ولاتبدو عليه أى علامات للعصبية أو التشدد، وهو يأسر أى واحدة بتلقائيته العجيبة، ووجدتنى أحبه بكل جوارحي، وأسعى إلى إرضائه بشتى الطرق وما هى الا أيام حتى اكتشفت أن أمه تنتابها نوبات صرع وهلع وأنه لا يتحدث كثيرا ويميل إلى الجلوس بمفرده، وإذا حاولت أن ألفت نـظره إلى ذلك، يتجاهلني، وعرفت من شقيقته الكبرى أنه يتعامل معهن بنفس الأسلوب بل ومع أهله، فقد تمر شهور لا يتكلم معها، وكذلك كانت حاله مع أبيه، فخطر لى أن زوجته ربما تكون قد ابتعدت عنه لهذا السبب، وذات مرة قلت له: أنت بتفكر فى إيه، طريقتك دى ما تنفعش، فإذا به يتشاجر معي، ويركلنى بقدمه، فانهرت باكية، وتوسلت إلى أمه أن تتدخل لكنها لم تتحرك من مكانها، ولم تقل له شيئا، فاتصلت بأبى ورويت له ما دار بيننا، وما فعل بي، فطلب منى أن أغادر البيت فورا، وسيكون له معه كلام آخر، فأخذت بعض ملابسى وخرجت قاصدة منزل أهلي، وهو وأمه ينظران إلى فى صمت!

وبعد أيام أحسست ببعض المتاعب فأخذتنى أمى إلى الطبيب، ففحصنى ثم قال لى مبروك :أنتى حامل» وبدلا من أفرح أننى سأصبح أما، حزنت على حالى وما ينتظر من مولودى القادم من متاعب، وجاءنى زوجى طالبا الصفح، وعرف أننى حامل ففرح، وقال الحمد لله كان نفسى فى ولد تاني، فتنفست الصعداء وتمنيت لو أن ما فعله بى يكون «غمة وانزاحت» عنى وعدت إلى بيته، وما أن رأتنى حماتى حتى إكفهر وجهها وزاد غضبها عندما علمت أننى حامل فهى لا تريد وريثا لابنها غير حفيدها من زوجته الأولى صاحبة الجاه والمنصب والجمال، أما أنا فلا أمثل شيئا بالنسبة لها، وكذلك ابنى الذى اشفقت عليه قبل قدومه إلى الدنيا.

وعلى الجانب الآخر فقد قلبت زوجته الأوضاع، وسلطت أبناءها عليه إذ طافوا على العائلة بأكملها يشكون ما صنعه أبوهم بهم عندما تركهم وأمهم، وتزوج مني، وقالوا فى حقى كلاما جارحا بأن مستواى لا يليق بمستواه، وبأنه لابد أن يطلقني، وأيقنت أن الحرب ضدى ستطول وأننى وأهلى لن يمكننا أن نجارى هؤلاء أو أن نتصدى لهم، ثم ما الذنب الذى ارتكبته لتصبح حياتى بهذا السواد؟

وبعد شهور الحمل القاسية خرج ابنى إلى الحياة فى جو ملبد بالغيوم والمشاجرات والمتاعب، وتكهربت الدنيا من حولى وزادت قصائد المدح التى تلقيها حماتى فى زوجة ابنها الأولى وابنائه منها، فهم الذين تتشرف بهم، وتفخر بالحديث أمام الناس عنهم، أما أنا وابنى فتخجل من مجرد أن يذكرنا أحد أمامها ولو من باب المجاملة، وتغير زوجى أيضا فلم يعد ينظر إلى أو يهتم بى وكأنه ندم على زواجه منى ونسى أننى وافقت عليه بارادتى وكان بإمكانى أن أتزوج بمن يناسبنى أكثر منه من ناحية السن والأسرة والنسب، فأنا من عائلة محترمة وبنت أصول ولا يقلل منى أننى لم أنل تعليما عاليا، فالحمد لله أننى مثقفة، وقارئة جيدة وعلى قدر من الجمال وفوق كل ذلك أقدر نعمة الله علي،ولا أبغى من الدنيا سوى الستر والصحة وهما «نعمتان اسبغهما الحق تبارك وتعالى علي» فلا ألقى بالا للآخرين، وأتمنى السعادة لكل من أعرفهم بمن فيهم ابناء زوجى وزوجته الأولى ولا أمانع أبدا أن يتواصل معهم بل اننى على استعداد لأن يشاركونى حياتي، وأن يكون لابنى مكان بينهم لكن هيهات أن تفهم حماتى ذلك، أما زوجى فيبدو أنه فى طريقه إلى الانسياق وراءها بضغط من ابنائه، والدليل على ذلك ثوراته لأتفه الأسباب وأحيانا بلا سبب، ثم كانت الليلة الحاسمة «ليلة العيد» عندما دار بيننا نقاش حول ترتيبات العيد، وزياراتنا إلى الأهل والأصدقاء ومن سيأتون لزيارتنا ومنهم أبى وأمى واخوتى وحدثته أمه عن ابنائه من زوجته الأولى فهم لن يأتوا لزيارته ولا يعقل أن يتجاهلهم فى هذا اليوم، فلأول مرة لن يدخلوا المنزل عليها فى العيد بسببي! فثار عليها ثورة عارمة فحاولت تهدئته فإذا به يصفعنى على وجهي، ويركلنى بقدمه ويلقى بى إلى الخارج، وقد اصابته حالة هيستريا وبكاء شديدين وهو يقول «حرام عليكم.. كفاية كدة» وكان الليل قد انتصف فرجوته أن يهدأ درءا للفضائح فلم يستمع إلى كلامى فاخذت ابنى وقصدت بيت أهلى وأنا ارتدى عباءة سمراء ولم يبال بالأخطار التى قد اتعرض لها فى هذا الوقت المتأخر ولولا أن حركة المارة ليلة العيد لا تتوقف طول الليل لحدث ما لا تحمد عقباه، ووصلت إلى أسرتى فى الفجر، ولما طرقت الباب عليهم اصابهم الفزع ان يكون مكروها قد ألم بي، ولما أخبرتهم أن زوجى هو الذى اجبرنى على مغادرة المنزل ضمتنى أمى إلى صدرها وهى تقول «لا تقلقى يا ابنتى وربنا يجيب العواقب سليمة، وأصبحت أمام خيارين، اما أن أعود إليه عندما يأتى طالبا الصلح كما حدث من قبل خصوصا وان لدينا الآن طفلا بريئا لا ذنب له فيما يفعله أبوه وجدته وأنا على يقين من أن سوف يكرر اعتداءه على واهانته لي، واما أن أطلب الطلاق وهو ما تريده أمه وتضغط عليه من أجله، ولكن وقتها سوف يتشرد ابني.

اننى لا أعرف ماذا جرى لكى يصنع ما صنعه بي، ولا ما الذى يفكر فيه، وأعيش فى دوامة لا تنتهى منذ ليلة العيد فبماذا تشير علىّ.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



أحيانا تدفع العادات والتقاليد المرء إلى أن يسلك منهجا غير المنهج القائم على أسس واضحة وهو يتخذ قرارات مصيرية تتعلق به أو بأهله ومنها الزواج، فلولا المفهوم المغلوط عن البنت التى تتأخر فى الزواج إلى سن الثلاثين والتى يصفونها بالعانس، لما وقعت فى هذه الزيجة غير المناسبة لك من كل الوجوه، فلا يعقل أبدا أن تتزوج فتاة بمن يقارب سن أبيها وربما أكبر منه ، فما بالنا بمن هو متزوج وابناؤه فى الجامعة وزوجته الأولى لم ينكر عليها أحد أخلاقها وجمالها ووضعها الاجتماعي، بالتأكيد حينئذ تكون الحسابات الدقيقة مطلوبة مع وضع الأمور فى نصابها الصحيح.. هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فإن تكرار رفض العرسان فى بداية سن الزواج يلصق بالفتاة صورة غير صحيحة عن أسباب رفضها خصوصا انها ليست على علاقة حب بشاب تنتظر أن يخطبها، وتضطر فى نهاية المطاف إلى القبول بأى طارق لباب الزواج من منطلق «ظل راجل ولا ظل حائط»!

إن هذا المفهوم الخاطيء هو الذى أوقعك فى شباك هذا الرجل، إذ توسمت فيه أنه سيكون زوجا مثاليا، وستعوضينه عن عدم وجود وجته الأولى فى حياته، وجذبتك وظيفته، ومركزه الاجتماعي، فى الوقت الذى لم تحصلى فيه إلا على دبلوم متوسط، ومرة أخرى أقول لك إن الأمور لا تقاس بهذا القياس أبدا، فكم من سيدات أميات صنعن بيوتا ناجحة، ويتصرفن بعقلانية تفتقدها كثيرات من المتعلمات تعليما عاليا، بل والحاصلات على الماجستير والدكتوراه، لكن حماتك لا تدرك ذلك، وانما تسيطر عليها هواجس قاتلة مثل انك غريبة عن المنطقة التى يعيشون فيها وانك ربما تكونين طامعة فى أمواله وممتلكاته، ولذلك حاولت أن تفرق بينكما حتى تنفصلى عنه قبل أن تنجبى منه حتى يستأثر ابناء زوجته الأولى بماله، وهى التى لم تخدمها، ولم تمد إليها يد المساعدة، بل وابتعدت عن زوجها حينما حاول استمالتها إلى الانتقال للمعيشة فى بيت أبيه، والحقيقة أنها نفدت بجلدها بعد أن ادركت طبيعة الحالة المرضية والنفسية التى صار إليها زوجها وحماتها!

ولاشك أن زوجك أخطأ بزواجه السرى لك فى البداية، ووضع والدته وزوجته الأولى وأولاده أمام الواقع، فلو استعان بأهله فى توضيح ما اعتزمه من الزواج، فلتقبلوا جميعا الأسباب التى دفعته إلى ذلك، وربما ساهموا فى تقريب المسافات بينك وبينهم، فلا جريرة عليك فى الارتباط به، وهو الذى سعى إليك عن طريق معارفه، لكنه لم يفعل ذلك، ولذلك فانه فى حاجة إلى إعادة النظر وترتيب الأمور العالقة والوصول إلى منهج واضح ودستور متكامل لما ستكون عليه حياتكم جميعا فى المستقبل.

ان الزوج قد يسعد بالزوجة الثانية فى أول الزواج، وتكون مفضلة لديه على الزوجة الأولى باعتبار أن كل ما هو جديد جاذب، ولكن بعد فترة ـ قد تطول أو تقصر ـ تصبح الحياة روتينية ويرق الزوج إلى زوجته الأولي، ولذلك على الثانية أن تتقبل ذلك وتستقبله بروح طيبة، ولتعلم انه إذا لم يكن بارا ببيته الأول، فلن يكون به خير فى بيته الثاني، وعليها أن تهييء نفسها لحياة مستقيمة بينهما، وعلى الزوجة الثانية أيضا أن تعلم أنها فى نظر الأولى دخيلة عليها، إذ أنها بدأت مع زوجها طريق حياته منذ البداية خطوة بخطوة حتى علا شأنه ووصل إلى ما هو فيه من مكانة اجتماعية، ومركز مرموق فى عمله، ولم يخطر ببالها أن تأتى أخرى فجأة وتهدم كل ما بنته وأسسته لنفسها وأولادها.

وأحسب أن هناك مواقف وأحداثا لم تذكريها هى التى دفعته إلى طردك خارج المنزل «ليلة العيد» فهذا التصرف لا يليق برجل مثله أن يفعله تحت أى ظرف من الظروف ولكنك ربما تماديت معه فى الكلام ففقد صوابه وأتى هذا الفعل الأحمق، ولا أبرر له خطاءه الكبير لكنى أؤكد أن كثرة الشكاوى والمطالب قد تصيب الزوج بالملل، وربما يهرب من زوجته الثانية كما هرب إليها من قبل فى محاولة للخلاص من المتاعب التى تسببها له زوجته الأولي، ولعل كل زوجة تتعظ من هذا الدرس البليغ، فتلفت نظر زوجها إلى ما تريده مرة أو مرتين على الأكثر وإذا لم يستجب عليها أن تصبر، وأن تختار اللحظات المثالية، وأن تناقشه فى الأمور التى تراها، عندما يكون سعيدا هادئا، ويستطيع أن يتقبل ما تقوله دون ضيق أو ضجر.

وكما أننى أقدر متاعبك أقدر أيضا متاعب زوجته الأولي، فكل منكما تعانى معاناة تختلف عن الأخرى من حيث الآلام والأحزان، وعليك البحث عن باب للفرار من هذا الهم، وليس هناك أفضل من باب الله سبحانه وتعالى بذكره، فالذكر يغير حالا بحال لقوله تعالى «الا بذكر الله تطمئن القلوب» ولا شك أن الذى يعيد البسمة والبشاشة إلى الوجه، هو الوصال المستمر به عز وجل فعليك أن تسعى إلى إرضائه بالعمل الصالح، والرضا بما قسمه لك عز وجل، وليكن زوجك على قدر المسئولية، فأنت لست لعبة لكى يتسلى بك، وليتق الله فلا يؤذيك، ولا يعود إلى ضربك وإهانتك مرة أخري، وليضم ابنه منك فهو من لحمه ودمه، تماما مثل أبنائه من زوجته الأولي، وليتذكر دائما قول الحق تبارك وتعالى :واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت، وهم لا يظلمون».

وعلى زوجك ألا ينسى أنه مطالب بالعدل بين بيتيه وزوجتيه، فإذا كانت الزوجة الأولى لا تريد الاستمرار على ذمته فليكن لها ما أرادت بشرط أن يعطيها حقوقها ولا يبخسها أشياءها و لا يتركها معلقة، ولتحسم أمرها معه، فليس معقولا ولا مقبولا أن تظل زوجة بعيدة عن زوجها أربع سنوات، وليس ذلك أيضا من الإسلام فى شيء. فحسم هذا الأمر مهم، بحيث لا يظلم كلا منكما وليتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم »إن الرجل يكتب عند الله جبارا وليس عنده إلا أهل بيته: أى يعاقب كما يعاقب الطغاة الظالمون الجبارون لأنه ظلم أهل بيته.

أما عن حالة الصمت التى المت بزوجك فإن الرجل قد يلجأ إلى الصمت عندما يواجه مشكلة ما أو ظروفا صعبة أو حينما يكون مرهقا من كثرة العمل، وربما يصمت عندما يجد مقاطعة دائما من زوجته له فى أثناء الكلام أو الإلحاح على إجابة أسئلة لا يريد أن يجيب عنها على الأقل فى الوقت الذى تطرحها عليه أو أن لديها حكما مسبقا على كلامه، أو عندما تشعره بأنها صاحبة خبرة أكبر منه فى موضوع النقاش، وهناك من الأزواج من لا يجيد التعبير اللفظى والكلام عما يدور بداخله، كما أن اختلاف طبيعة المرأة عن الرجل يجعلها تميل إلى التفاصيل الأمر الذى يتعارض مع نمط تفكيره، ولذلك فإن الزوجة العاقلة هى التى تتفهم طبيعة زوجها، وتختار الأوقات المناسبة والأسلوب الأفضل للتعامل معه، فيقدرها، ويزداد ارتباطا بها.

ومع تقديرى لموقفك وتأكدى من أنه أخطأ فى طردك ليلة العيد، فإننى أرجو أن تتيحى له الفرصة لإثبات حسن نيته وأنه ارتكب إثما عظيما فى حقك وليتفهم أبواك الضغوط النفسية التى يعانيها زوجك ولتصبرى على أذاه، واجعلى غضبك لله بحرصك على استمرار الحياة الزوجية، والحفاظ على بيتك لكى ينشأ ابنك فى كنف أبويه، وردى اساءته إليك بالإحسان اليه والعطف واللين معه، وليصنع هو الصنيع نفسه تجاهك، حيث يقول تعالى : ولا تستوى الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم».

وعلى زوجك أن يحل مشكلات زوجته الأولى أيضا وأبناءه فالحياة لا تستقيم على النحو الدائر الآن، وليتذكر دائما أن الحياة الزوجية قائمة على المحبة والمودة والمعاملة بالمعروف والإحسان، وأن سفينة الزواج لا تسير إلا بالتضحية والإيثار وأن يتنازل كل طرف للآخر عن بعض مطالبه، ومثوبة ذلك عند الله عظيمة وما عند الله خير وأبقي، وهو وحده المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق