«ما تزوقينى يا ماما».. يبدو أن هذه الأغنية الشهيرة بحاجة إلى مراجعة، فربما لم تعد الأمهات فقط هن من يزين البنات للعريس، ولكن قد تفعل البنات نفس الشيء للأمهات.
قبل 25 عاما كانت «منالب» شابة جميلة يتهافت عليها العرسان اختارت أفضلهم من وجهة نظرها فى تلك السن وباركت العائلة الزواج الذى أثمر عن طفلة جميلة.. لم يكن زواجا ناجحا فطلبت الطلاق.. واشترط عليها الزوج ليطلقها أن تتنازل عن حضانة الابنة إذا ما فكرت فى الزواج.. وقبلت.
مرت السنون ونسيت الزواج من أجل ابنتها.. اقتربت من الخمسين ومازالت جميلة ومازالت ترفض الزواج.. لكن ابنتها كان لها رآى آخر وتقول: تزوج أبى بعد أمى وأنجب، ولكنه لم يتوقف عن تهديدها بحرمانها منى إذا ما تزوجت ووافقت هى وتحملت، أقدر تضحياتها، ولكنى لم أكن لاقف صامتة وكنت أخشى على أمى من الوحدة، ولا أريدها أن تعيش حياتها من أجلى أنا فقط.. من حقها أن تكون لها حياتها الخاصة.. قريبا سأتزوج فماذا ستفعل أمي.. وتقول سعيت لإقناع والدتى بالزواج وطلبت من خالاتى مساعدتى فى البحث عن عريس مناسب لماما وهو ما حدث فعلا وتزوجت أمى من رجل محترم أرمل على المعاش وفى سن مناسبة لها وأشعر بالسعادة البالغة عندما أراها سعيدة ويسافران معا، كما أن ذلك جعل علاقتى بأمى أقوى وارتحت من شعورى الدائم بالذنب تجاهها، دائما ما كنت أترك إصدقائى وأعود للمنزل وأرفض السفر معهم كى لا أتركها وحدها الآن هى سعيدة وانا أيضا سعيدة.. ما يدهشنى حقا كما تقول أن والدها كان أكثر الرافضين لزواج أمها واعتبرها «اتجننت» وطلب منها أن تترك بيت والدتها وتقيم فى بيته لكنها رفضت بشدة.
أحمد شاب فى السادسة عشرة كان يقف فى ليلة زواج والدته إلى جانب خاله يرحب بالمدعوين على باب قاعة الفندق.. ويقول: لم أشعر بالحرج.. بالعكس والدتى هى من كانت تشعر بالحرج ولم تجرؤ على مفاتحتى فى الأمر وطلبت من خالى أن يفعل ذلك وفاجأها رد فعلى فلم أكن رافضا او مستاءً.. أمى شابة عمرها 42 عاما.. بعض صديقاتها لم يتزوجن بعد وأبى لم أره طوال عشر سنوات كاملة، أى منذ أن غادرنا المنزل فى الاسكندرية وانتقلنا للقاهرة بعد طلاقهما. أما أختى ذات الثانية عشر ربيعا فهى لا تتذكر ملامحه من الأساس ولا يسأل عنا. وتولت أمى نفقات تربيتنا بالكامل لأنه لم يقبل حتى دفع نفقة بالمحكمة رغم أنه ميسور الحال..
ويتعجب أحمد: لا أعرف لماذا اعتقدت أمى أننى سأرفض، أغلب أصدقائى آباؤهم وأمهاتهم مطلقون ومتزوجون من أشخاص آخرين.. ما العيب فى الأمر؟.. الأغرب أن احمد دعا جميع أصدقائه لحفل زفاف والدته.
أحمد يلفت النظر الى نقطة فى غاية الأهمية فالواقع أن ارتفاع معدلات الطلاق وبالذات فى سنوات الزواج الأولى جعل الطلاق والزواج الثانى أمرا شائعا.. الآن تغير الأمر وأصبح الطلاق خبرا يوميا وبالتالى ليس من الغريب أن يكون زواج الأم بالنسبة «لأحمد» (عادى ومفيهوش مشكلة).
هذا لايمنع أن هناك بعض الأبناء الذين مازالوا يعتبرون زواج الأم عيبا كبيرا وخطيئة لا يمحوها إلا الدم كما فعل شاب من البدرشين عندما هشم رأس والدته بفأس لأنها تزوجت، وكما فعل آخر فى البحيرة عندما قتل والدته لنفس السبب وفى حين أن المجتمع لا يجد غضاضة فى زواج الأب فى أية سن ومن أية سن إلا أن زواج الأم ما زال يمثل أزمة بالنسبة للعديد من الفئات حتى المتعلمين منهم.
وكما يقول د.نبيل القط استشارى الطب النفسى فالمجتمع يضع المرأة دائما وخاصة الأم فى قالب التضحية، فإذا طلقت أو ترملت فالمتوقع منها أن تعيش من أجل أبنائها وهو حكم شديد القسوة على المرأة لأنها وحدها من يتخذ هذا القرار سواء بالرغبة فى الزواج من عدمه، لكن تدخل الآخرين فى القرار وربطه بالشرف والكرامة ومعايير الناس والمجتمع يضع المرأة فى مأزق كبير وبالرغم من وجود بعض من يتقبلون زواج الأم بعد الطلاق أو فى سن كبيرة فإن الثقافة العامة مازالت تميل لقبول نموذج الأم المضحية، وإن كان الأمر سيتغير فى السنوات المقبلة بعد زيادة معدلات الطلاق فى سن صغيرة. ولكن عموما فكلما كانت السن أصغر كان تقبل الأبناء وخاصة الذكور لزواج الأم أكبر.
الونس مفيش منه خوف
أيمن تزوج وانتقل لبيته الجديد وترك والدته تعيش بمفردها وحيدة فرادوته فكرة تزويجها رغم تجاوزها سن الستين. رفضت والدته وعارضت بشدة ولكنه قرر أن يخطب لها بنفسه وهو ما حدث.. فخطب لها أحد معارفه وشهد على عقد زواجها بنفسه.. ويقول: لم أكن لأعارض لو قررت أمى الزواج فى سن أصغر لكنها رفضت خوفا على وخوفا من سخرية الآخرين مني.. اليوم لا يمكن أن أتركها تعيش وحدها.. الغريب كما يقول أيمن أن المعارضة جاءت من زوج أختى الذى اعتبرها «أزمة كبيرة وعارض بشدة» لكنه رضخ للأمر فى النهاية.. والمشكلة هى فى الثقافة السائدة لدى الناس واعتبار الوحدة قدرا ومكتوبا على النساء. ونفس الكلام تؤكده «نهي» التى أشرفت بنفسها على وضع المكياج لوالدتها فى ليلة زواجها وتقول: نحن ثلاثة أشقاء تزوجنا وتفرقنا ولم يعد يعيش مع امى فى نفس المحافظة أحد فما الضرر أن تتزوج أمى بمن يؤنس وحدتها، وبالفعل اخترنا الزوج انا واشقائى من أصدقاء والدى الراحل الذى توفيت زوجته أيضا.. الغريب حقا هو ما حدث من أولاد زوج أمى الذين رفضوا حتى مجرد حضور عقد القرآن واتهموا والدهم بأنه سيبدد ميراثهم فبادر الرجل بتقسيم أملاكه عليهم واكتفى بالمعاش كى لا يبتعدوا عنه لكن أحد أبنائه قال له: «انت كبرت وخرفت».
اليوم وبعد عشر سنوات من زواج أمى نحن مطمئنون عليها وزوجها يراعيها وتراعيه ويؤنسان وحدة بعضهما البعض.. وكان أخى الأكبر هو وكيل العروس، ولم يشعر بالحرج يوما.. بالعكس هو صديق لزوج أمي.
رابط دائم: