لم يعد الاهتمام أو لو شئنا الدقة الولع بالهند يقتصر على مساهماتها فى الحضارة الانسانية من ثقافة وعلوم وفنون وفلسفة فقط رغم تنوع مظاهر هذه المساهمات، بل اتسع خلال السنوات الماضية ليشمل أيضا الطعام الهندى الذى اكتسب شهرة عالمية، بعد أن وجد اقبالا واهتماما لدى جمهور عريض فى معظم العواصم العالمية فى الغرب والشرق التى شهدت انتشارا وتنوعا فى المطاعم التى تقدم الطعام الهندى بدءا بالمطاعم العائلية الصغيرة وانتهاء بالمطاعم الراقية.
هذه الظاهرة استلفتت نظر الكثيرين داخل الهند وخارجها، وانتهى الجميع بعد بحث ودراسة الى أن هذا الاهتمام لا يرجع فقط للتنوع المذهل فى أنواع الطعام وهو أمر يعود بالطبع لاتساع مساحة الهند وتنوع اقاليمها ثقافيا ودينيا واجتماعيا، بل انه يعود فى المقام الأول للاهتمام الذى يوليه المواطنون العاديون للطعام واعتباره يمثل طقسا عائليا فى المقام الأول.
وهنا يشير أحد الكتاب المتخصصين فى الشأن الهندى إلى أن الطعام والعائلة أمران يشكلان ملامح الهوية والشخصية الهندية منذ قديم الأزل بل ويأتيان فى صدارة الاهتمامات اليومية للمواطن العادي. وبالنسبة للكثيرين فإن الجلوس مع العائلة حول وجبة طعام تجمع الكل كبارا وصغارا يعد دليلا على مدى تماسك هذه العائلة واستمرار الترابط بين أفرادها، بل انه يعد أحد مظاهر السلوك الاجتماعي، خاصة وأن طقوس اعداده التى تتطلب اجتماع نساء العائلة من مختلف الأجيال ترتبط ارتباطا وثيقا بذكريات الطفولة لدى الكثيرين، فضلا عن كونها تحمل خصوصية ثقافية بكل إقليم من أقاليم الهند، فطعام أقاليم الشمال يختلف عن أقاليم الجنوب، بل ان طرق اعداد نفس الأطعمة وإن تشابهت فى مكوناتها إلا أنها تختلف من إقليم لآخر.
ليس هذا فقط بل إن الطعام فى الهند يعد سلوكا احتفاليا سواء بالحياة أو وهذا هو اللافت بالموت، حيث يعد أسلوبا لتكرم المتوفين، فأحد أشهر الطقوس المتعلقة بهذا الموضوع تتمثل فى اجتماع أهل وأصدقاء المتوفى فى اليوم الثالث عشر لوفاته على مأدبة طعام تشمل كل ما كان يفضله الراحل من طعام وشراب خلال حياته، وهو اجتماع يحمل معنى رمزيا بأنه حان الوقت كى تتوقف العائلة عن الحداد وتعود لممارسة حياتها الطبيعية، وهو طقس قد لا يوجد له نظير فى مجتمعات ودول أخرى حول العالم.
رابط دائم: