► سيمون سالم: هدفنا فى المرحلة المقبلة توعية القطاع الطبى بكيفية التعامل مع مرض الإيدز
► د. فتوح الشاذلي: الإقصاء الاجتماعى للمتعايشين مع الفيروس أشد خطر على المجتمع من الفيروس نفسه
الموت مع حياة، أو الحياة مع الموت، لعله الوصف الأكثر تعبيرا عن حياة المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرى المكتسب « الإيدز» يعيش هذا المريض يوميا مع الموت والخوف، الخوف من معرفة الأهل بحقيقة مرضه فيتم نبذه ووصمه، أو الخوف من اكتشاف أحد الأطباء إصابته فيكون جزاءه الطرد، والخوف من تشهير الإعلام به وفضحه.
مريض الإيدز أو المتعايش مع الفيروس، يصرخ فى صمت، يتمنى لو أن الدولة اهتمت به مثل أى مريض آخر، يتمنى أن يعرف الناس أن ما أصابه ليس بيده، فقد يكون زوجا مارس علاقة خارج الزواج، أو تعاطى الإدمان بالحقن، فأصاب أسرة بكاملها، أو حتى لو أنه أخطأ فأقام علاقة غير شرعية، فإن المجتمع لا شأن له بهذا فحسابه عند ربه، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، بينما نحن المجتمع لا نصفح ولا نغفر، ويظل مريض الإيدز مجرما يستوجب العقاب. فى اليوم العالمى لمكافحة الإدمان يأتى الإدمان عن طريق الحقن كأعلى مراحل الإدمان وأشدها خطورة وفتكا بالإنسان، وأصبحت فرص الإصابة بمرض الإيدز فى العالم وفى مصر أيضا، وذلك بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية حيث يوجد فى العالم نحو16 مليون شخص يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن، منهم3 ملايين شخص من المتعايشين مع فيروس الإيدز.
سيمون سالم ببرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز UNAIDS قالت : إن موضوع الهلع لدى الناس سببه الرئيسى هو الثقافة، فليس لديهم علم كاف بالمرض، ولا عدد الإصابات المتزايدة يوما وراء يوم، ولعل ذلك كان الدافع فى أن تقوم الأمم المتحدة ممثلة فى البرنامج المشترك لمكافحة الإيدز UNAIDS بتنصيب الفنانة يسرا سفيرة للامم المتحدة، هو التزايد المخيف للمرض فى الشرق الأوسط، فبينما العالم من حولنا استطاع السيطرة على المرض ومحاصرته، نجد العكس صحيحا فى منطقتنا، فهو واسع الانتشار، الإصابات فى تزايد كل يوم، ويشكل خطورة متزايدة، وعلينا أن ننتبه جيدا، فبرغم أن الإصابات قليلة، لكن الانتشار كبير، وذلك يعود إلى عدم الوعي، والهلع الذى يصيب الناس جراء اكتشافهم إصابة لأحد بمرض إتش أى في.
وتضيف سيمون أن مستشفياتنا يوميا تستقبل حالات مصابة، ولكن الأزمة هنا تأتى من بعض القطاع الطبى حين يسرب للاعلام اكتشافه إحدى الحالات، وهذا ليس دوره، بل دوره الأساسى العلاج والتوعية، وليس نشر الهلع والخوف بين الناس، ويكون الضحية إنسانا مصابا لا حول له ولا قوة، بل قد يكون سببا فى موته، بدلا من علاجه والتعامل معه كأى مرض مزمن عادى وموجود، فالإيدز له علاج مثل أمراض أخرى كثيرة، صحيح أنه ليس علاجا شافيا، ولكنه مرض الضغط والسكر.
وتشير سيمون إلى أن الدكتور أحمد عماد وزير الصحة قال فى مؤتمر تنصيب يسرا إن أزمة الإيدز أن الأطباء فى مصر يخافون من التعامل مع هذا المرض، وهذا يصعب عملية المواجهة، وهذا كان هدفنا فى الاستعانة بالفنانة يسرا، إذ سينصب عملنا معها على توعية القطاع الطبى أولا، فنحن عملنا طوال السنوات الماضية على عمل دورات تدريبية للأطباء على كيفية تعاملهم مع المرض، وللأسف من استجاب قلة قليلة جدا منهم، فهل يعقل أن يكون البحث عن جراح حالة نادرة جدا، فنحن نبحث لمريض الإتش آى فى عمن يقوم بعمل جراحة للمرارة أو اللوز فلا نجد، فنحن نفتقد الثقافة العامة عند الأطباء، فنجد الطبيب يتحجج بأن المستشفى غير مجهز لمثل هذه الحالات، علما أن أى مستشفى لابد أن يكون معقما لعدم نقل أى فيروس مهما كان، سواء إتش آى فى أو فيروس سى أو غيرهما من الفيروسات، وبسبب تلك الثقافة ورفض الأطباء، اضطر مرضى إتش أى فى أن يكذبوا على الأطباء ويقولوا لهم إنهم مصابون بفيروس سي، لأن الحالات التى قالت للأطباء حقيقة مرضهم كان مصيرهم الطرد والتشهير، بل لم يسلم المرضى حتى من الكشف العادى حين يصرحون للأطباء، وليس فقط إجراء عملية جراحية.
دعوى قضائية
إن البعض فكر فى رفع دعوى قضائية للمطالبة بحقه فى العلاج، وأظن أن ذلك سيحدث قريبا، ونحن نرفض أن نخصص أقساما فى المستشفيات لمرضى الإتش آى فى لأن ذلك وصمة وتمييز لهم، ونحن نحارب ذلك، نريد أن يكون مرضى الايدز مثلهم مثل أى مريض آخر له الحق فى العلاج.
وعن مسببات المرض فى مصر تكشف سيمون أنه ليس الجنس كما يتخيل البعض، بل تعاطى المخدرات بالحقن، فنظرة إلى التقرير الأخير الذى تحدث عن أن معدل الإدمان بمصر قد وصل إلى 2،4% من السكان، ومعدل التعاطى لـ10.4%، هذا يؤكد لنا وجود إصابات بالإيدز جراء تعاطى المخدرات بالحقن، وللأسف فإن الأسرة هى الضحية والزوجة خاصة، وما يؤكد ذلك أيضا أن ليبيا فى إحصاء 2010 كانت النسبة 87% من مدمنى الحقن مصابون بالإيدز، وأرقامنا فى مصر تقديرية، فرغم المعلن وهو يبدو قليلا إلا أن المرض فى ازدياد والكل يخشى الإعلان عنه.
أحزان وآلام مكبوتة
إحدى المتعايشات مع مرض الإيدز والتى فضلت عدم ذكر اسمها، وهى فى مجموعة دعم تسمى « مينا روزا» تضم متعايشات من كل الدول العربية، قالت: لا أحد يعلم من أهلى حقيقة إصابتى بالمرض حتى الآن، برغم مضى ما يقرب من 12 سنة على اكتشافي، ولكن مع الوقت أدركت أن أزمتى ليست مع الأهل، بل مع الأطباء والممرضين، ذلك هو ما يشكل أزمة ومعاناة حقيقية لي، فهى تخطت كل الأعراف والتقاليد، فأنا كنت حاملا وحدث لى إجهاض وتم طردى من المستشفى كونى متعايشة، وقد كان ذلك فى مستشفى قصر العينى الفرنساوي، وهالنى هذا الموقف أن يحدث ذلك من اطباء المفروض أن يكونوا لديهم معنى الرحمة، فما إن يعرف الطبيب أو طاقم التمريض حتى تفاجأ بهروبهم منك وتخوفهم، وأحيانا الطرد كما حدث معى ومع كثيرين غيري.
وما يحيرنى ويزدنى ألما هو التساؤل الدائم والمشروع، ما الفرق بينى وبين مريض فيروس سى ومريض السكر، الفرق الوحيد هو الإهانة والتجريح، الفرق هو وصمنا وتمييزنا عن باقى البشر، الفرق هو أننا فى نظر الناس والأطباء ارتكبنا جريمة حين أصبنا بالمرض، هكذا يحاكمنا البشر، وهكذا يحاكمنا الأطباء، المصابون بالسكر وفيروس سى يتم عمل مستشفيات لهم وحملات إعلامية، ونحن نهان ونطرد، ولو طالوا لأعدمونا، وقد دفعتنا أعمالهم إلى أن نكذب عليهم، وألا نقول لهم أننا مصابون بمرض آخر غير هذا المرض.
وتشير إلى أننا نموت كل يوم من الوجع وجرح الناس لنا، فهل تتخيل أن صديقة لى ماتت بسبب معاملة الناس لها وليس بسبب المرض، وذلك بعدما عرف أهلها حقيقة المرض وأصروا على أخذ أطفالها منها.
والأكثر ألما ومعاناة لمن يصاب بهذا المرض، هى المرأة، من حمل وولادة وجنين قد يولد مصابا، فالأزمة كبيرة، فنحن ننتظر المولود لا لنفرح به بل لنتعذب به، فهناك سيدة لديها ابنة الآن سنها 13 سنة مصابة بالمرض، والحيرة تقتلها ماذا حينما تبلغ هذه البنت سن الزواج ويتقدم لها أحد الشباب، كيف سنصارحه بمرضها؟ هل سيوافق على الارتباط بها.
هذه المرأة وغيرها تموت كل يوم من التفكير، ومن نظرة الناس لها إذا عرفوا، ومن معاملة الأطباء لها إذا اكتشفوا؟ هى دائمة السؤال، كيف تواجه أولادها؟ كيف تقول لهم، ما رد فعلهم إذا عرفوا؟ إن حلمنا بات يتلخص فى معاملة آدمية، ألا نجد من يطردنا من المستشفي، ألا يعملنا أحد معاملة تجرحنا، وهذا ليس كثير، أن يضعوا أنفسهم مكاننا، أن يتخيلوا أنهم أو غيرهم أصيبوا بالمرض فهل يرضون أن يحدث ذلك لهم أو لقريب لهم.
الموت يطاردنا ليلا ونهارا، حين نفكر فى الذهاب إلى طبيب أسنان، أو الذهاب لعمل جراحة، الموت لا يتركنا، يحاصرنا، أتمنى أن يعاملنا الأطباء معاملة آدمية وفقط، على انى مريض.
وتروى الأم المتعايشة مع المرض هى وزوجها وابنتها ذات الثلاث عشرة ربيعا قصتها، فتقول: لم أعرف بالمرض إلا بعد ولادة ابنتى بأربعة أشهر، إذ مرض والدها فجأة وعندما قاموا بالتحليل اكتشفوا المرض، وطلبوا منه إجراء التحليل لى فاكتشفت أيضا، ولم نكن نعلم ان المرض يصيب المولود، فكانت ابنتى تعانى معاناة شديدة، وكانت تموت كل يوم، وهى ما زالت بسن أربعة أشهر، ولا يصح أن يكتب لها علاج، عام ونصف ونحن كل أسبوع على الأقل فى أحد المستشفيات، يقتلنا الألم، حتى قررت وزارة الصحة بعد سنة ونصف أن تأتى لها بعلاج، وكانت اول حالة فى مصر تأتى لها العلاج وهى طفلة، وعانينا كثيرا أثناء تناولها العلاج وهى بعد ما زالت رضيعة.
وتروى الأم بألم وصمت، أن ابنتها الآن فى سن 13عاما، لا تعلم بالمرض ولم أستطع مصارحتها، كل ما تعلمه أن ما تتناوله من دواء يومى هو لعلاج الأنيميا، بينما أبوها يعانى ألما أشد، وهو تأنيب الضمير، وأنه تسبب فى إصابة عائلته بمرض لا يرحم، سواء وسط الأهل أو العمل، أو الطامة الكبرى فى القطاع الطبي.
الإيدز وحقوق الإنسان
يقول الدكتور فتوح الشاذلى أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق - جامعة الاسكندرية: ليس علينا فقط واجب الدفاع عن حقوقنا، بل علينا كذلك واجب مماثل فى مساندة ودعم حقوق الآخرين، فالأيدز يمثل مشكلة قانونية وصحية، وتنموية اجتماعية واقتصادية، و ينعكس التعامل مع هذه المشكلة على حقوق الإنسان، حيث توجد تناقضات واضحة بين الادعاء الرسمى باحترام حقوق الانسان والممارسات الفعلية على أرض الواقع، فاحترام حقوق المتعايشين مع فيروس الإيدز يكون من خلال التوعية بكيفية انتقال الفيروس، للقضاء على سوء الفهم والوصم الذى يؤدى إلى المواقف التمييزية ضد المتعايشين.
ويرجع د. فتوح ذلك إلى حداثة الاهتمام فى المنطقة العربية بموضوع حقوق الانسان عامة، وحقوق المتعايش مع الفيروس على وجه الخصوص، وذلك بسبب وجود بعض المعتقدات الدينية والموروثات الفكرية والثقافية والقواعد القانونية فى المجتمعات العربية التى تحد من الجهود اللازمة لمكافحة انتشار الفيروس.
5- محدودية دور مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بحقوق الانسان المتعايش مع فيروس الأيدز.
وبالتالى فما زالت الفجوة كبيرة بين إدعاء الحكومات والسلطات والأفراد احترام حقوق المتعايشين مع فيروس الايدز والمتأثرين به، وما يمارس فعليا على أرض الواقع.
الحقوق الإنسانية للمتعايشين
ويشير د. فتوح إلى أن الوقاية من انتشار فيروس الإيدز لا تفرض التضحية بأى حق من حقوق الإنسان، بل على العكس احترام حقوق المتعايشين مع فيروس الإيدز والمتأثرين به يعد أحد أهم وسائل الوقاية من انتشار الفيروس وحماية المجتمع، فالحق فى الحياة من الحقوق الطبيعية التى تحميها جميع الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية والمواثيق الدولية وبالتالى فلا يجوز حرمان أحد من حقه فى الحياة، ولو كان مريضاً بمرض عضال لا يرجى شفاؤه . وإن حدث ذلك ، فهو قتل عمد ، أيا كان الباعث عليه، كما لا يجوز التمييز بسبب الحالة الصحية حيث لا تقره الشرائع السماوية، كما أنه يخالف القواعد القانونية الوطنية والدولية.
ويضيف أن الحق فى العمل هو من أكثر الحقوق تأثرا بسبب التعايش مع الفيروس، كما أن رفض تقديم الرعاية الصحية للمتعايش (من الأطباء أو المساعدين). ونص الدستور الجديد فى المادة 18 على وجوب تجريم الامتناع عن تقديم العلاج لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، فلابد من دعم وحماية حقوق الانسان لأنها من أهم وسائل الوقاية من انتشار فيروس الأيدز، حيث إن الإقصاء الاجتماعى للمتعايشين مع فيروس الايدز أشدا خطرا على المجتمع من فيروس الأيدز ذاته، فلابد من تقديم الدعم النفسى والاجتماعى والرعاية الصحية للمتعايش مع فيروس الأيدز لأنها توقظ لديه الشعور بمسئوليته نحو الآخرين ونحو المجتمع الذى يعيش فيه، وتدفعه إلى الإسهام الإيجابى فى الجهود المبذولة للوقاية من خطر انتشار العدوي.ومن هنا علينا توعية العاملين فى المجال الصحى والمتعاملين مع المتعايشين مع فيروس الأيدز بأهمية احترام حقوق الانسان، باعتبار ذلك ضرورة من ضرورات الوقاية المجتمعية، فحرب المجتمع ضد الايدز يجب أن تستهدف العدو الحقيقي، وهو فيروس الأيدز ذاته، وليس الإنسان حامل الفيروس، أيا كان سبب انتقال الفيروس إليه.
رابط دائم: