رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

قصة مكان «قصر الشعب».. القشة التى قصمت ظهر ديكتاتور رومانيا

دينا عمارة
دراما العالم لها طابعها الغريب والمثير ومفارقاتها التى تسجل الحوادث والعبر فى كل لحظة، ومن المفارقات أن تكون أفكارك وخطواتك العملية للإستمتاع وتخليد ذكراك شاهدا عليك ودليلا على سوء ما فعلت،

وتخليدا لذكرى قهرك والخلاص منك. هذا بالضبط ما يمثله قصر البرلمان الرومانى فى العاصمة "بوخارست"، والذى كان محاولة من ديكتاتور قاس لتخليد ذكراه بالمعمار، لينقلب عليه شعبه ويعدمه ويتحول القصر من ذكري أليمة تجسد أسوأ حقبة فى تاريخ رومانيا إلى مزار سياحى يجذب إليه الأنظار ويحصل على ثلاثة تسجيلات فى موسوعة الأرقام القياسية العالمية "جينيس" كثاني أضخم مبنى في العالم بعد "البنتاجون".

صحيفة "نيويورك تايمز" أخذت القارئ فى جولة سياحية داخل "قصر الشعب" أو هكذا أطلق عليه رئيس رومانيا الراحل نيكولاي تشاوتشيسكو

والذي أمر ببنائه عام 1984 على مساحة 400 ألف متر مربع بإرتفاع مائة متر عن الأرض, هذا القصر كان أحد أهم أسباب الإطاحة بتشاوتشيسكو من قبل شعبه وإعدامه هو وزوجته إلينا رميا بالرصاص فى محاكمة علنية أذيعت على شاشات التليفزيون عام 1989.

وتعود القصة إلى عام 1965 حينما إختار الحزب الشيوعي نيكولاي تشاوتشيسكو (عبقري الدانوب العظيم) رئيسا للبلاد, وسرعان ما إتضحت ديكتاتورية تشاوتشيسكو وعدم تردده في فرض أعباء معيشية قاسية لينحدر مستوي المواطن الروماني بإستمرار مقارنة بدول أوروبا الشرقية حتي وصل الحال في بداية الثمانينات إلى حدوث مجاعات متفرقة في الأرياف الرومانية, في حين إضطر مواطنو المدن إلى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على بيضة واحده وقطعة خبز جافة, وفي المقابل إستمتع تشاوتشيسكو وعائلته بألوان من الترف والبذخ تجاوز ما كان يحدث في أزهى عصور الإمبراطورية الرومانية!

ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر تشاوتشيسكو حين قرر بناء قصر «لم تعرف له أوروبا مثيل», وبسبب إعجابه بمبنى البرلمان البريطاني وقصر الإليزية الفرنسي وضخامة البنتاجون الأمريكي, أمر بمزج كل هذه العناصر في قصر هجين إفتقد جمال الإستقلالية والتناسق, وبسببه تمت إزالة أحياء كاملة من وسط بوخارست وفرضت الحكومة ضرائب وإتاوات جديدة على الشعب لتموين "قصر الشعب". وفي حين لم يكلف البنتاجون دولة ثرية كأمريكا أكثر من 83 مليون دولار, كلف قصر تشاوتشيسكو الأسر الرومانية 80٪ من دخلها الضعيف !

فبجانب الميدان الكبير الملئ بالأشجار والنافورات تضمن القصر قاعتي برلمان ضخمة و70 صالة كبيرة و2800 غرفة و40 قاعة للمؤتمرات, بالإضافة إلى عدد كبير من المطاعم والصالات الرياضية وست مجمعات خارجية تضم فنادق وشقق فخمة للضيوف, والقاعات مزودة بأحدث مرافق الحماية ومنها نفق يمتد إلى 40 كلم, بجانب ملجآن كبيران مضادان للقنابل الذرية, وعمل به 17000 ألف عامل بعدما كان قد رصد له كل طاقات رومانيا المعمارية والتخطيطية والتنفيذية ناهيك عن المالية. فقد طلب من الشعب مقابل أن يسمو قصره أن "يشدوا الحزام" إلى الحد الذي جعلهم يتضورون جوعا ليشتري بأموالهم مستلزمات السلطة وتجهيزات البناء.

وحينما أراد تشاوشيسكو أن يجمع في قصره "الحلم" كل طرز العالم المعمارية, من "تيان آن مين" الصيني, حتى قصر "ونزر" الإنجليزي, وأراد أن يفوق عليها, فجاء طراز القصر نشازا في أكثر أجزائه بالرغم من مظاهر الترف والبذخ التي يتمتع بها, ويذكر البعض أن العاملين هدموا أحد السلالم ثماني مرات لأنها لم تكن تعجب تشاوتشيسكو وفي المرة التاسعة وافق عليها بعد أن إستشار زوجته إلينا في الأمر.

وخلال فترة الخمسة أعوام التي إستغرقها المشروع لم يعرف الشعب الروماني شيئا من ذلك, وقد أدى التكتم على ما يجري في داخل الورشة إلى حبس العمال الذين ساهموا فى بناء القصر وعددهم حوالى 15 ألف عامل في داخل سجن كبير داخل القصر ومنعهم من الكلام, إلى أن ثار الشعب ضد تشاوتشيسكو فى عام 1989 وقام بإعدامه, وقتها قررت الحكومة الجديدة وقف العمل فى الأجزاء المتبقية من القصر لوقف نزيف الاموال وتحويل الأجزاء المكتملة إلى برلمان شعبي ومؤسسات حكومية ومتحف وطني كبير, حينها فتحت أبواب القصر ووقف الشعب مصدوما في طابور أطول من الطوابير التي كان ينتظر بها الخبز والبطاطا, فحدقوا مليا في تلك الأبهة والزخرف التي قارنوها بالحرمان الذي فرضه الطاغية عليهم وجعله قدرهم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق