تمكنت الروائية والدبلوماسية النيجيرية «أفيوما شنوبا» من كشف التاريخ الطويل لعنصرية الغرب ضد أبناء جلدتها فى أفريقيا، استطاعت برواياتها التعبير عن المأساة التى عاشها رجال ونساء أفريقيا منذ وطئت أقدام الاستعماريين أراضى القارة السمراء بزعم إصلاحها، واستعبادهم أهلها بالخداع. ولم يمنعها عملها الديبلوماسى من مهاجمهة حكومة نيجيريا، ورئيسها فى قضايا الفساد.حيث حمَّلتهم مسئولية إرسال 11 ألف نيجيرية للعمل فى البغاء بإيطاليا، فى روايتها «تجار اللحم البشري»، وغيرها من الأعمال.
ساعدها عملها فى منظمات دولية متخصصة بحقوق الإنسان من فهم المشاكل التى يعانيها أبناء القارة، وعملت على تضمينها فى رواياتها، مستندة إلى حقائق تاريخية أثرت المخيلة الإبداعية بالوثائق والوقائع الحقيقية، فجاءت روايتها الأولى «تجار اللحم البشري» فى 2003 صرخة أدبية عالية ضد المظالم التى يعانيها الانسان والواقع الأفريقي، جرَّاء الاتجار الفعلى بالبشر، الذى انتشر فى نيجيريا عقب اندلاع الحرب الأهلية، حيث سعى سماسرة الحرب لإغواء نساء وفتيات بنين وتشجيعهم للهجرة فرارا من الفقر والجوع، وساقوهم إلى أعمال مشينة أخلاقيا، ولا تتناسب مع عاداتهم وتقاليدهم التى تربوا عليها. وتدور أحداث الرواية حول طالبة بسيطة اضطرت لترك الجامعة بعد وفاة والدها، ويتم التغرير بها، واقناعها بالسفر إلى إيطاليا، وإرغامها على العمل بالدعارة هناك، حيث ماتت هناك مثل فتيات أفريقيات أخريات، فى نهايات تراجيدية.
وتتنقل الرواية بين كوارث المجتمع الفقير، المغلوب على أمره، والمستلب، وتداعيات الانهيار الذى ساد البلاد وسط الأزمات الإنسانية، وانهيار منظومات القيم، وسقوط المعاني، ونتيجة للانهيار السياسي، وتخلى الأنظمة الحاكمة عن حماية الفقراء، وانهيار الطبقة المتوسطة، وأصبح كل شيء يقاس بالمال، والانتهازيون يسعون للحصول على المال بكل السبل، والطرق غير المشروعة، ما دفع الفقراء لترك التعليم، كما أجبرت بطلة الرواية على ترك الجامعة، لتصبح فريسة ضعيفة أمام تجار البشر.
ولم تبتعد روايتها الثانية «بلا خوف» (2004)، ولا الرواية الثالثة «فى انتظار ماريا» التى فازت بجائزة رابطة المؤلفين النيجيريين فى «أبوجا» عن خطها الدرامى الذى تميز بالجرأة ونقد كل أسباب الفساد دون خوف منذ بداياتها.
وحققت رواياتها الثلاث نجاحا دوليا، وأوصلت رسالتها الإنسانية التى حاولت نقلها إلى الأوساط الثقافية حول العالم. وتُرجمت الروايات إلى اللغة العربية، ولغات أخرى عديدة. بجانب عدد كبير من القصص القصيرة، كما صدرت لها مجموعة من القصائد كتبتها بالفرنسية والإنجليزية، ومسرحية تحسب ضمن موجة الكتابة المسرحية الجديدة فى غرب أفريقيا
و«إفيوما شينوبا» من مواليد «ننوي» شرق نيجيريا عام 1960، واندلعت الحرب الأهلية فى نيجيريا وهى فى السادسة من عمرها، ما أدى لتوقفها عن اكمال تعليمها، وهروب عائلتها إلى أيرلندا، وفى 1970 عادت أسرتها من جديد إلى نيجيريا، وتمكنت من إكمال تعليمها الابتدائى ثم الثانوي، والتحقت بعد ذلك بجامعة «بنين» لدراسة اللغة الفرنسية. وفى 1980 حصلت على منحة دراسية من الحكومة الفرنسية للدراسة فى جامعة جرينبل، و تخرجت 1981، والتحقت بجامعة لاجوس، واجتازت الدراسات العليا فى العلوم السياسية، ثم عملت بوزارة الخارجية عام 1983، وعملت فى سفارات بلدها فى غانا وفرنسا وإيطاليا، وشغلت منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية فى المفوضية النيجرية العليا فى أوتاوا بكندا، وحاليا هى سفيرة نيجيريا فى ساحل العاج .
وطرحت أعمال «شينوبا» نفسها بقوة فى الساحة الإبداعية العالمية. وهى زارت مصر وشاركت فى ملتقى القاهرة الدولى للثقافات الأفريقية, وصدر لها عن المجلس القومى للترجمة ضمن سلسلة الإبداع القصصى ثلاث روايات. و أعلت فى أدبها من شأن المرأة الأفريقية، وطالبت بحريتها، وهى ترى أن البيئة النيجيرية بقدر ما تمنح الرواية زخما، وخلفية اجتماعية وسياسية لا تفقدها صفة الكونية، وتؤكد أن فترة الاستعمار علامة فارقة فى تاريخ الشعب النيجيرى وأدت لتغيير حياته بالكامل، حيث عرفوا فنون الكتابة و القراءة ، وأمكنه تدوين لغاته العامية ، وقلبت منظومة حياتهم و عقائدهم ، وبالمقابل أدت لنشوء مقاومة وصراع وحرب و تهميش ، وأدى من جانب آخر لالتقاء الثقافات وصراعها أيضا، ما انعكس إيجابا على عالم الإبداع وأدى لظهور حركة إبداعية قوية فى نيجيريا.
رابط دائم: