الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي يعد بالنسبة للعالم ولأمريكا أمرا مقلقا وخطيرا .. لأنه سوف يؤدي الى عواقب اقتصادية وسياسية على المدى القريب والبعيد معا. هذا هو حديث رجال المال والأعمال في نيويورك وأيضا حديث صناع القرار في واشنطن.
ولم تختلف تصريحات الخبراء ولم تتباين توقعات الدوائر الاقتصادية كثيرا حول تداعيات ما قد يأتي به "الخروج البريطاني" المعروف ب "Brexit" وهم يتابعون باهتمام وقلق الاستفتاء المزمع اجراؤه يوم الخميس.
إن "الخروج البريطاني" من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يرسل موجات صدمة عبر الاقتصاد العالمي. كما أنه يهدد أكثر من تريليون دولار من الاستثمارات والتعاملات التجارية مع الولايات المتحدة. وصانعو السياسة العالمية للاقتصاد كثفوا خلال الأيام الأخيرة تحذيراتهم من مخاطر الخروج البريطاني من تحالف سياسي واقتصادي (الاتحاد الأوروبي) قام بتوحيد أوروبا في العقود الأربعة الماضية. في واشنطن حرصت جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي على القول إن خطر احتمال الخروج البريطاني كان وراء القرار في اتباع الحذر وعدم تغيير نسبة الفائدة في الأسبوع الماضي. وقال أكثر من خبير اقتصادي وهو يتحدث عن تبعات "الخروج البريطاني" "ان الحالة اليوم أصلا غير مؤكدة وغير مستقرة ونحن لسنا في حاجة الى المزيد من القلق". وحسب ما ذكره المراقبون فان الاستفتاء اذا جاء بنعم فان المتوقع أن يتم الخروج عبر آلية مفاوضات "الانفصال" أو "التطليق" والتي قد تأخذ عامين على الأقل. ومن ثم ربما تشهد شركات البيزنس الأمريكية فترة طويلة من "ضبابية الأجواء" مما يقلل من حماسها واهتمامها بالتجارة والاستثمار مع بريطانيا أو عبر الأطلسي بشكل عام. وتقول الأرقام أن قيمة الصادرات الأمريكية لبريطانيا في عام ٢٠١٥ بلغت ٥٦ مليار دولار. كما أن قيمة الاستثمارات الأمريكية في بريطانيا وصلت الى ٥٨٨ مليار دولار.
ومع اقتراب موعد الاستفتاء فان حالة الأسواق المالية بشكل عام تعكس القلق المتزايد والمنتشر عبر دول العالم. الكل يتابع بقلق ويراقب بخوف احتمالات الخروج البريطاني.
ان القرار يحمل عواقب كبيرة للبيزنس الأمريكي فالولايات المتحدة هي المستثمر الأكبر في بريطانيا. والعديد من الشركات الأمريكية تعتبر بريطانيا البوابة للتجارة الحرة مع ٢٨ دولة هي أعضاء الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فان الخروج البريطاني سوف يهدد طرق تواصل الشركات مع هذه الأسواق، مع احتمال تضاؤل عوائدها وقد يدفع البعض منها الى الأخذ في الاعتبار نقل عملياتها الأوروبية الى مكان آخر غير بريطانيا. كل هذه الأجواء المتوترة واحتمالات حدوث تغييرات في المنظومة القائمة والفاعلة دفعت الشركات الأمريكية خلال الفترة الماضية الى تكثيف جهودها ومساهماتها في الحملة الداعية لاستمرار بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن بنوكا كبرى خصصت أموالا تقدر بمئات الملايين من الدولارات من أجل دعم الحملة التي تسعى لضمان قول "لا" للخروج البريطاني.
بول كروجمان الاقتصادي الأمريكي الشهير والحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد عام ٢٠٠٨ قال في عموده صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الجمعة الماضي " هناك أربعة أشهر ونصف قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. الا أن هناك عملية تصويت تجرى الأسبوع المقبل لها أهمية بالنسبة لمستقبل العالم مثل أهمية ما سيحدث هنا ـ استفتاء بريطانيا حول عما اذا كانت ستبقى في الاتحاد الأوروبي. مع الأسف هذا التصويت هو اختيار بين السيئ والأسوأ والسؤال ما هو السيىء وما هو الأسوأ"
ثم أضاف كروجمان : بدون خجل أنا سوف أصوت للبقاء في الاتحاد الأوروبي. وسأفعل ذلك بكامل وعيى بأن الاتحاد الأوروبي لديه اختلال شديد في الأداء ولم يظهر الا علامات قليلة للاصلاح. الا أن الخروج البريطاني غالبا سوف يجعل الأمور أكثر سوءا ليس بالنسبة لبريطانيا بل لأوروبا برمتها" ويرى الاقتصادي الشهير أن "الخروج البريطاني" "سوف يجعل بريطانيا أكثر فقرا وأنه ليس بالضرورة سوف يؤدي الى حرب تجارية الا أنه بالتأكيد سوف يصيب بالأذى التجارة البريطانية مع باقي دول أوروبا .. مما سيؤثر سلبيا على معدلات الانتاجية وأرقام الدخل". وحرصت كبريات الصحف الأمريكية ومنها "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال" على كتابة افتتاحيات ونشر مقالات تحذر من عواقب الخروج وتداعياته على المشهد العالمي للاقتصاد والسياسة علي السواء. الكاتب الاسكتلندي نيل أتشرسون كتب في "نيويورك تايمز" أنه من المؤكد أن الخروج البريطاني سوف يسبب ضررا ضخما لكل من أوروبا والولايات المتحدة. بالنسبة للولايات المتحدة سوف يعني فشل سنوات عديدة من الدبلوماسية. بريطانيا سوف تكون أقل فائدة كحليف وأيضا أقل قابلية للتنبؤ بمواقفها. وبالتالي قد تحول واشنطن أكثر تعاملاتها من لندن الى برلين" وقال أيضا:"بالنسبة لأوروبا فان الخروج البريطاني سوف يكون بمثابة سحب لأول حجر من الجدار المهلهل. الاتحاد الأوربي هش بالفعل. سوء ادارته لأزمة الديون عقب الانهيار المالي لعام ٢٠٠٨ أعقبه سوء ادارته لأزمة المهاجرين.
وليس عجيبا أن يظهر استطلاع للرأى لمركز «بيو» للأبحاث هبوطا في شعبية الاتحاد الأوروبي في دول أوروبية كبرى". ثم رسم سيناريو المستقبل ذاكرا :"ان الخروج البريطاني غالبا لن يعقبه فورا خروج دول أخرى أعضاء في الاتحاد. الا أن حكومات ذات نزعات قومية مثل بولندا والمجر ودول أخرى سوف تتشجع في رفض القواعد الأوروبية فيما يخص المفاوضات التجارية وحقوق الانسان الى أن يتصدع بناء الاتحاد كله. إن الخلافات التي كانت في وقت ما يتم تسويتها بمقايضات متعددة الجنسيات في ستراسبرج أو بروكسل سوف تكون أكثر حدة وصعوبة"
رابط دائم: