فى أول حوار له منذ اختياره ضمن أعضاء مجلس النواب المعينين وتوليه رئاسة اللجنة الأولى بالبرلمان، أكد النائب بهاء أبو شقة رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان أن مصر تحتاج إلى ثورة تشريعية لعشرات القوانين السقيمة والتى صدرت منذ الخمسينات وأصبحت غير صالحة للتطبيق ولا جدوى من إجراء تعديلات لعدد من المواد بها، واصفاً تلك التعديلات "بترقيع القوانين" المرفوض، مشيراً إلى أن الانفصام ما بين التشريعات ومتطلبات المواطنين يولد احساس بالظلم، وكشف عن إجراء حزمة من التعديلات على قوانين محكمة النقض لتخفيف العبء عن المحكمة، بالاضافة لعودة نظام مستشار الاحالة.
وأوضح أبو شقة فى حواره لـ «الأهرام» أن المجلس رفض قانون الكسب غير المشروع المقدم من الحكومة لما يتضمنه من شروط توسع من مظلة الخاضعين له ويعيد صورة من صور محكمة القيم ، وحول قوانين الصحافة والاعلام أكد أبو شقة أن البرلمان مع حرية الرأى والفكر بمداها الواسع بشرط أن تكون حرية مسئولة، مشيراً الى أنه غير مقبول مصادرة حق المواطنين فى المعرفة أو إلغائه وإلا تحولنا لفوضى، ووصف ائتلاف "دعم مصر" بأنه يمثل ترسيخاً للديمقراطية وتوثيق لمبدأ التعددية السياسية والحزبية ، وكشف عن سعى حزب الوفد لتشكيل ثانى إئتلاف بالبرلمان، وأوضح أن الحديث عن إجراء أى تعديل للدستور هو "كلام سابق لأونه" مشيراً إلى أن إلغاء مجلس الشيوخ "الشورى" فى الدستور كان خطأ جسيم..
وإلى نص الحوار.
باعتبارك رئيس اللجنة الدستورية ما تقييمك للتشريعات الحالية ؟
دور اللجنة الدستورية والتشريعية فى هذه المرحلة من أهم المراحل فى تاريخ البرلمانات المصرية خاصة وأننا أمام تشريعات معظمها باتت سقيمة وعقيمة وغير صالحة للتطبيق على أرض الواقع، ومن أخطر ما يواجه المنظومة التشريعية بأى دولة أن تكون التشريعات الحاكمة فى واد وآمال ومتطلبات الجماهير فى واد آخر، فلابد أن يكون هناك موائمة وانسجام بين العنصرين، أما اذا حدث انفصام ما بين التشريعات ومتطلبات المواطنين نكون أمام حالات من الاحساس بالظلم وهذا الاحساس إذا تملك المواطنين فهو من أخطر ما يهدد كيان أى دولة فى العالم، كما ان القوانين الخاصة بالمحليات فى حاجة الى تعديل كامل وشامل يتلافى الاخطاء وشكاوى الجماهير واى تشريع يحتاج الى ثلاثة عناصر هامة ، وهى دراية فنية وخبرة عملية وخبرة قانونية لكى نستطيع وضع تشريع يتفق مع الوضع القائم وليس مجرد عمليات "ترقيع للقوانين" فالمطالبات بادخال تعديلات على جزئيات معينة فى القوانين أمر مرفوض ، لأننا امام بنيان لا يصلح فيه أن تجرى تعديلات مؤقته لمواجهة قصور معين لأن النتيجة ستكون انهيار القانون مع طول الوقت وتعدد عمليات "الترقيع" ، لذلك فى الثورات هناك نظرية نطلق عليها "حرث الأرض" وهى بأنه قبل زراعة الأرض لابد من تطهيرها عن طريق عمليات الحرث ، وهذا هو المطلوب لتعديل التشريعات .
إذا المطلوب إجراء ثورة تشريعية لكافة القوانين فكيف إذا تكون تلك الثورة ؟
الثورة التشريعية هى الواجهة الحقيقة لبناء دولة مدنية حديثة ، وإجراء الثورة التشريعية فى كافة المناحى تقتضى تشكيل لجان من ذوى الخبرة الفنية والكفاءة القانونية بكافة الوزارات والمصالح لتراجع كافة التشريعات واللوائح التى تنظم عمل تلك الوزارات لاعداد قانون واحد يواكب روح العصر ويلبى مطالب الجماهير.
كيف تخرج مشروعات القانون من اللجنة التشريعية ؟ وهل للحكومة دور فى ذلك ؟
الدستور رسم ثلاثة طرق لعرض القوانين على البرلمان ، إما أن يكون مشروع قانون يقدمه رئيس الجمهورية أو الحكومة أو يكون اقتراح بمشروع قانون يزكيه عشر أعضاء المجلس "60 عضوا" ، وفيما يتعلق بالمشروعات المقدمة من رئيس الجمهورية أو الحكومة تنظرها اللجنة ، وأشير إلى أن المشروعات المقدمه من الحكومة تصب أولا فى لجنة فنية عليا بمجلس الوزراء تجرى تنسيق بينها ، حتى لا تكون مشروعات القوانين المقدمه من الوزراء تعمل وكأن كل وزارة تعمل فى جزر منعزلة عن الأخرى ، وذلك لنكون أمام منظومة متجانسة تراعى الأصل فى القوانين بأنها تشرع لتستمر ولا تصدر لمواجهة حالة معينة أو شخص معين ، وهذا معنى التجرد فى اصدار القوانين .
ومن وجهة نظرك ما هى التشريعات الملحة حالياً ؟
نحن الآن فى صراع مع الزمن لكى نحدث ثورة تشريعية تمتد لتشمل كافة المناحى فى مجالات التعليم والزراعة والصناعة والصحة والاستثمار .
وماذا عن قانون الاستثمار والجدل المثار بشأنه ؟
ومن وجهة نظرى فإن الدولة تعد لاستثمار حقيقى ، وهذا يتطلب أمران ، الأول توافر بنية أساسية تهيئ فرص العمل للاستثمار ، وقد لاحظنا ذلك فى خلال سعينا نحو استضافة مونديال 2010 ، عندما حضرت لجان التقييم وقاموا بجولات بالشوارع وانتقدوا أوضاع سيارات الأجرة "المهلهلة" فى ذلك الوقت ، بالاضافة الى حالة الطرق ذاتها فى ذلك الوقت ، وبالتالى فان أى استثمار يتطلب توفير البنية الأساسية المطلوبه له أولا ، ثانيا وجود تشريعات تتضمن حوافز وضمانات للاستثمار ، فالاستثمار عبارة عن عمل تجارى وهذا العمل يعتمد على رأس مال ، ورأس المال بطبيعته "جبان" يهرب الى المناطق أو الأماكن المتوافرة بها مميزات أكبر ، "آمن ومريح" ، لذلك فهى حوافز وضمانات للاستثمار ، فالحوافز وحدها لا تكفى بل لابد من ضمانات لحماية تلك الاستثمارت وتلك الضمانات هى التشريعات التى تحمى تلك التشريعات ، ولذلك فتلك الحوافز والضمانات ليست فى اهتمام اللجنة فقط بل هى لابد أن تكون على رأس أولويات الدولة .
معنى ذلك أن اللجنة تترقب ما يصدر عن الحكومة فى تلك المجالات ؟
ما يعرض على اللجنة من مشروعات قوانين وفقا للقواعد التى حددها الدستور نقوم بدراستها على وجه عاجل ، وعندما نجد ضرورة لموضوع ما نتدخل على الفور لطرحه ، وعلى سبيل المثال ما حدث فى نظام النقض الجنائى ، ووفقا للوضع الحالى لدينا دوائر جنائى محكمة النقض تنعقد مرتين فى الشهر ، تخصص جلسة لنظر الدعاوى الجنائية والجلسة الثانية للجنح ، وشهدت محكمة النقض خلال الفترة الماضية تكدسا غير عادى من قضايا تهم الشارع المصرى سواء فى الجنايات أو الجنح ، وهو ما يمثل عبئا كبيرا على محكمة النقض ، لذلك أقترحت اللجنة مشروع قانون لتخصيص دوائر جنايات بمحكمة استئناف القاهرة لنظر دعاوى الطعن بالنقض فى قضايا الجنح ويتبع امامها كافة الاجراءات والضمانات التى تتبع أمام محكمة النقض ، أى أنها بمثابة محكمة نقض تختص بقضايا الجنح ، وذلك حتى تتفرغ محكمة النقض لنظر قضايا الجنايات على أن يسيرى ذلك التعديل اعتبارا من أول أكتوبر المقبل ولمدة 3 سنوات فقط ، والحكمة من قصر ذلك التعديل على مدة الثلاث سنوات ، حتى يتم خلال هذه الفترة اجراء ثورة حقيقية لتعديل قوانين الاجراءات والعقوبات نحقق بها العدالة المنصفة والناجزة ، لأن العدالة المنصفة لابد أن تكون ناجزة ، ولا يمكن الحديث عن عدالة سريعة فقط وهو ما يتعارض مع ضمانات الدفاع ، كما لا يصح الحديث عن عدالة منصفة وتكون بطيئة .
وماذا عن تعديلات قوانين الإجراءات الجنائية والعقوبات ؟
قول واحد لن تعرض تلك التعديلات خلال الدور الحالى للبرلمان "الدور الأول" فانا ضد سياسية "ترقيع القوانين" ولدى مرشوع متكامل فى قانون الاجراءات الجنائية يكفل تحقيق عدالة منصفه وناجزة ، وأتوقع أن يعرض ذلك المشروع خلال الدور المقبل نظرا لحجم الاعباء الملقاه على الدور الحالى .
تتحدث عن حزمة من التعديلات لإحداث ثورة فى التشريعات فماذا تتضمن تلك الحزمة ؟
لدى مشروع قانون سأقدمه إن شاء الله لعودة العمل بنظام مستشار الإحالة ، والهدف من ذلك المقترح أن فكرة مستشار الاحالة تعتبر ضمانه للفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق من جهة وسلطة الاحالة من جهة أخرى ، لان مستشار الاحالة يمثل امام المتهم ويقدم طلبات كاملة ومن سلطاته أن يصدر قرارا بألا وجه لاقامة الدعوى ، وبذلك يوفر العبئ على المحكمة قبل احالة الدعوة الى المحكمة ، وعندما تحال القضية لمحكمة الجنايات تكون الدعوى قد استوفيت بالكامل ، لان مستشار الاحالة وفقا للمادة 214 من القانون الحالى بعد الغاء نظام مستشار الاحالة سنة 81 تكون الاحالة للمحكمة مباشرة من قبل النيابة ، ونظام مستشار الاحالة يتيح اجراء المعاينات التصويرية أو تحقيق دليل معين وهذا الدليل لا تملك محكمة الجنايات أن تحيله للنيابة وفقا للمادة 294 من قانون الاجراءات الجنائية تغل يد النيابة عن الدعوى وبالتالى تعد عقبة أمام محكمة الموضوع لتحقيق العدالة ، فقد لا تستطيع المحكمة الانتقال لاجراء المعاينة ، على عكس مستشار التحقيق الذى يملك أن يكلف النيابة بتحقيق الواقعة أو يتولى هو تحقيقها بنفسه ،وهذا مؤداه التيسير بشكل كبير على المحاكم .
وفكرتى فى الاقتراح بعودة نظام مستشار الاحالة تقوم على جعله مثل المحامى العام ، أى أن له مجموعة من المستشارين التابعين له ورؤساء نيابة ويملك أن يعيد القضية لتحقيق طلبات الدفاع الى النيابة المحققه ،واذا ما كشف التحقيق نتيجة أخرى من الممكن أن يصدر قراراه بالا وجه لإقامة الدعوى .
إذا المطلوب حزمة من التعديلات التشريعية تكفل تحقيق العدالة ؟
العدالة لها وجهان الاول أن نكون امام تشريعات تحقق العدالة المنصفة والناجزة والوجه الثانى هو دور المحاكم ذاتها "مظهر العدالة" ، ومظهر العدالة يمثل فى مبانى المحاكم وهيئتها فلابد من توفير محاكم تليق بتاريخ القضاء المصرى تشمل امكانات حديثة ، فمن غير المقبول أن نستمر فى نظام القرون الوسطى نعتمد فيه على تسجيل سكرتير التحقيق للمرافعات فيكتب كلمه ويترك أخرى وممكن أن تكون الكلمة غير المكتوبه جوهرية فى موضوع الدعوى ، يأتى ذلك فى وقت يشهد حالة من التطور التكنولوجى الحديث يكفل إمكانية تسجيل كل كلمة وتحويلها الى نسخ مطبوعة ، فقد آن الوقت لتطبيق تلك النظم الحديثة فى محاكمنا .
ماذا عن القوانين المكملة للدستور؟
ستعرض تلك المشروعات الثلاث على البرلمان خلال الدور التشريعى الحالى ، ولذلك اقترحت بمد الدور التشريعى الحالى لشهرى يوليو واغسطس ، لنتمكن من اقرار تلك القوانين ، وأطمأن المواطن المصرى بأن هذا البرلمان الذى أتى بارادة شعبية فى انتخابات حرة ونزيهة بأن هذا البرلمان سيكون عند كل آمال وطموحات الشعب .
لماذا رفضت اللجنة مشروع قانون الكسب غير المشروع ؟
لأن هناك مشروع كامل عرض فى لجنة الاصلاح التشريعى وعرض هذا المشروع على مجلسى القضاء والدولة ، وهذا المشروع هو الأمثل للمناقشة ، وسبق أن أكدت أنى لن أسمح "بترقيع" القوانين ، ومشروع الكسب المقدم "والذى تم رفضه" يعيد صورة أخرى من صور محكمة القيم التى ألغيت ، ويوسع دائرة الإتهام ، وتضمن نصا فضفاضا بخصوص ضريبة الدخل ليوسع من دائرة الخاضعين لأحكام القانون ، وهذا أمر يتعارض مع خطط الدولة لتشجيع الاستثمار ، واقرار ذلك القانون سيكون عنصرا طاردا للاستثمارات ، ويوجد فى التشريع فن اسمه الجانب النفسى بالنسبة للمخاطبين بالقانون .
وماذا عن قانون فض المنازعات ؟
هذا اقتراح بمشروع قانون قدمه حوالى 60 عضواً من أعضاء البرلمان يطلبون فيه إلغاء لجان فض المنازعات لما يتضمنه من عيوب وعدم تحقيق أى جدوى منها ، وخاطبنا وزارة العدل لتلافى تلك العيوب ، من خلال تقليص مدة عمل اللجان ، وجعل ما يصدر عن لجان الفض من قرارات وليس مجرد توصيات ، وتكون تلك القرارات ملزمة وتصدر لها الصيغة التنفيذية ، وبذلك نحقق الهدف من ذلك القانون بتخفيف العبء على المحاكم ، فاللجنة استطاعات تحقيق الغاية المنشودة من إنشاء تلك اللجان ، وقد وافق مجلس القضاء على تلك الملاحظات وأحيلت لمجلس الدولة ومن المقرر نظرها يوم 15 يونيو الحالى .
بماذا تفسر الانتقادات الموجهة للبرلمان وأدائه ؟
هذا الكلام لا يقال ولا يسمع لأن الواقع غير ذلك تماما فمنذ بدء عمل البرلمان مع أولى جلساته فى 10 يناير الماضى كان المجلس أمام نص دستورى بضرورة عرض ومناقشة وأتخاذ الرأى فى كافة القرارات بقوانين التى صدرت فى غيبة المجلس خلال خمسة عشر يوما والا مازال ما لها من أثر قانونى ، وعرض على المجلس ما يقرب من ثلاثمائة قرار بقانون ، تم مناقشتهم وأتخاذ الرأى النهائى بشأنها ومنها قرارات تتعلق ببنيان الدولة ، وكان للمجلس رأى برفض قانون الخدمة المدنية وهو الأمر الذى دلل على أن البرلمان به ديمقراطية حقيقية وليس موجها كما كان من قبل ، عقب ذلك كنا امام لائحة جديدة للبرلمان لابد من سرعة اصدارها فى صورة قانون ، وتم انجاز اللائحة فى 438 مادة ، وشكلت اللجان النوعية واللجنة العامة للمجلس ، وذلك منذ شهر تقريبا وعلى الرغم من ذلك أقر المجلس ما يقرب من عشرين اتفاقية ، ويجرى حاليا داخل اللجان النوعية دراسة عدد من مشروعات القوانين ، وما حققناه خلال هذه الفترة من عمر البرلمان أنا شخصيا راضى تماما عنه .
وماذا عن قوانين الصحافة والإعلام ؟
نحن مع حرية الرأى والفكر بمداها الواسع، ولابد من أن ندرك أن هناك فرقا بين الحق وتنظيم الحق، فغير مقبول مصادرة الحق أو إلغائه وإلا تحولنا لفوضى، والأصل العام وفقا للدستور أن حرية الاشخاص مكفولة، إنما هى الحرية المسئولة، ونحن مع حرية الكلمة وحرية الرأى، وحق الاعلام فى تلقى المعلومة، وحق الشعب فى معرفة تلك المعلومة، هى حقوق فوق دستورية .
أخيرا هل ترى هناك حاجة لتعديل الدستور ؟
هذا الموضوع سابق لأونه ، هناك نصوص تحتاج للتعديل ، والدستور ذاته نص على طريقة تعديل مواده ، ومن وجهة نظرى أن إلغاء مجلس الشيوخ كان خطأ جسيما ، لأن نظام الغرفتين البرلمانيتين هو من انجح الانظمة البرلمانية تحقيقا للديمقراطية ، وما سيق من أسبابا لإلغائه كانت أسباب واهية حول تكلفته العالية ، وتبين أن الجزء الغالب من تلك التكلفة هى أجور للموظفين ، وهذا المجلس يتلافى ما قد يشوب المجلس الأخر من أخطاء ، وبذلك نضمن عرض القوانين على غرفتين.
كيف ترى الائتلافات داخل البرلمان ؟
أتصور أن واحدة من أبرز ملامح البرلمان الحالى تشكيل ائتلاف "دعم مصر" واعتبر وجود ائتلافات أو أحزاب قوية تحت قبة البرلمان يمثل ترسيخا للديمقراطية وتوثيق للمادة 5 من الدستور والتى تنص على أن النظام السياسى بمصر يقوم على التعددية السياسية والحزبية ، والتداول السلمى للسلطة ، وحزب الوفد يعكف حاليا لتشكيل ثانى ائتلاف تحت قبة البرلمان لنعمق الفكر الديمقراطى .
رابط دائم: