فى الحياة جوانب كثيرة منها الاستقرار والاضطراب، والفرح والحزن، والحيرة والثبات، واليأس والتفاؤل، ومن المشكلات التى تبعث على القلق والكآبة عندما تفاجأ المرأة بأن الرجل الذى أحبته، وخاضت حروبا كثيرة ضد أهلها من أجله لا يستحق هذه التضحية لأنه كان يتسلى بها، ويريد تركيعها أمامه انتقاما من أهلها الذين سبق أن رفضوه عندما تقدم للارتباط بها، وعندما يحدث ذلك فإنها تنهار ويصيبها الإحباط، وتحيطها الوساوس، وربما تفقد حيويتها وبريقها وتتراجع صحتها وتنعزل عن الآخرين، والعاقلة هى من تنظر إلى الأمور نظرة موضوعية وتضع كل خطواتها فى نصابها الصحيح، وإليكم الرسالة التالية:
استوقفتنى رسالة «السنبلة الفارغة» التى بعثت بها إليك سيدة روت لك فيها قصتها مع خطيبها الأول الذى كان يريد أن يتزوجها فى بيت العائلة، وأن تتولى مع زوجات أشقائه أعمال الفلاحة بالرغم من أنها كانت وقتها طالبة فى الجامعة، وهو طبيب. وقد فسخ أهلها الخطبة لما تبين لهم أنه ليس صاحب قرار. وبلا شخصية، وسطحى التفكير، ثم مرت الأيام وتزوجت بشخص آخر وتزوج هو بأخري، ولكن شاءت الأقدار ألا تتوافق طباعها مع زوجها فانفصلت عنه، وعاد خطيبها الأول يلح عليها فى الارتباط بها كزوجة ثانية، ولما وافقت عليه من حيث المبدأ ماطلها فى التقدم لطلب يدها من والدها، فتأكدت أنه غير جاد، فأبلغته عن طريق زوج صديقتها بأن يقطع صلته بها تماما وأعادت إليه ثمن هديته لها، والحق أنها اتخذت القرار السليم بعد أن فهمت مراميه وأهدافه، ولم تقع فيما وقعت فيه من أخطاء فأنا أستاذة بكلية الطب فى الخمسين من عمري، نشأت فى أسرة مرموقة لأب يعمل باحثا فى أحد مراكز البحوث، وأم وصلت إلى درجة «وكيل وزارة»، وأنا الابنة الوحيدة لهما، ولى أقارب يعيشون فى محافظات أخري، ونزورهم من حين إلى آخر. وأحاطنى أبواى منذ صغرى بالحب والحنان، ولم يدخرا وسعا فى سبيل إسعادي، وتلبية مطالبى وبرغم تدليلى الزائد، فإننى تربيت على أيديهما أحسن تربية، وتفوقت فى دراستى والتحقت بكلية الطب وتفوقت فيها وصرت معيدة بها، وواصلت دراساتى إلى أن حصلت على الدكتوراه، ولم تشغلنى العلاقات العاطفية التى تسيطر على أفكار البنات فى سن الشباب.
وبعد تخرجى ببضع سنوات افتتحت عيادة فى مكان شهير بالقاهرة، وقسمت وقتى بين الكلية والعيادة، وذات يوم جاءنى بين المرضى مهندس شاب كان يشكو من بعض المتاعب البسيطة، ووصفت له الدواء اللازم، فتوقف أمامى عدة دقائق وهو يحاول أن يطيل أمد الكلام معى، لكننى لم أفهم ما يريده، ودعوت له بالشفاء، فخرج، ثم عاد مرة أخرى فى موعد الاستشارة، وبعد أن اطمأن على صحته، فاجأنى بأنه يريد أن يرتبط بي، وطلب منى أن أسمح له ببضع دقائق لكى يحدثنى فيها عن ظروفه، فأمهلته إلى ما بعد مواعيد العيادة فى اليوم التالي، وحضر فى موعده، وروى لى نبذة عن حياته، فهو ابن لأب موظف بإحدى المصالح، وأم ربة بيت، وله خمسة أشقاء «ولدان وثلاث بنات»، وأن ترتيبه الثالث بينهم، وأنهم يعيشون حياة بسيطة، فلم التفت إلى المسائل المادية، وقلت فى نفسى إنه يكفينى ما يكنه لى من حب، من منطلق أن البيوت العامرة بالحب تكون أيضا مملوءة بالسعادة وراحة البال، وعدت إلى والدتى فأفضيت إليها بما قاله لي، فروت ما حدث لأبى الذى رحب بلقائه من حيث المبدأ، وفرحت كثيرا بموقفه، وسارعت إلى فتاى أطمئنه إلى استعداد أبى لمقابلته، وجاء إلى بيتنا فى زيارة استغرقت نحو ساعة، وانصرف دون أن أعرف نتيجة المقابلة، وبعدها قالت لى أمى إن هذا الشاب غير مناسب، فبرغم أنه مهندس إلا أنه ليس صاحب قرار، وأن حياتى معه ستكون جحيما لا يطاق، وبكيت كثيرا، ورجوت أبى أن يعيد التفكير فى موقفه منه إذ أننى لم ألحظ عليه أى عيوب، وأن كل شاب فى بداية حياته ربما يواجه بعض العثرات ثم سرعان ما يتغلب عليها، لكن أبى تمسك برأيه فى فتاي، وقال لى إنه يرى ما لا أراه، وأن هذا الشاب غير مناسب لي، وهكذا رحل أول شاب طرق قلبى ولم أره مرة أخري.
ومرت سنوات تقدم لى خلالها الكثيرون لكنى لم أرتح لأى منهم، ومن وافق عليهم أبواى رفضتهم واحدا بعد الآخر، وكنت دائما أقارن كل من يطلب يدىّ بفتاى الأول الذى كسر أبى قلبه وقلبي، ومرضت أمى مرضا شديدا، وطفنا بها على الأطباء والمستشفيات ثم فاضت روحها إلى بارئها، وأغلقنا أنا وأبى بابنا وطوينا صفحة الماضي، وحاولت أن أخفف أحزانه بعد فراق والدتى التى حزن لرحيلها حزنا شديدا، ورفض تماما الارتباط بأخري، وقمت بمهامها فى المنزل، وأصبحت أحارب فى ثلاث جبهات، الجامعة والعيادة والمنزل، ولم أكن أجد وقتا أقضيه مع أبى الذى انشغل بأبحاثه والمؤتمرات العلمية التى يشارك فيها بانتظام، ونظرت إلى نفسى فوجدتنى وحيدة بلا زوج ولا أنيس، وتساءلت كثيرا: هل سأظل على هذه الحال؟.. أليس من حقى أن أكون زوجة وأما مثل كل الأمهات اللاتى يترددن عليّ فى العيادة، وقد علت الفرحة وجوههن وهن يصطحبن أبناءهن وأزواجهن للاطمئنان عليهم؟.. وكسا الحزن ملامحي، وسيطر اليأس على قلبى من أن أجد الشخص المناسب الذى يؤنسنى فى وحدتي، ويشد على يدى كلما عصفت بى أمواج الحياة.
ويالها من حياة تعيسة أن يعيش المرء بمفرده، فلا يجد من يشكو إليه أحواله، ويتلمس معه خطواته، ويستعين به على مواجهة نوائب الدهر، وذات يوم سرحت بخيالى فى الماضى البعيد عندما طرق بابى المهندس الشاب الذى رفضه أبي، وأفقت على طرقاته على باب المكتب قبل أن يدخل لتوقيع الكشف الطبى عليه وفقا لدوره، وأذهلتنى المفاجأة، فقد ظهرت عليه بعض علامات الزمن، لكن يبدو مرتاحا، ولا يوجد ما يعكر صفو حياته، ووقعت الكشف الطبى عليه، وكتبت له روشتة العلاج وأنا صامتة تماما، ففتح الكلام سائلا عن أحوالى، فقلت له أننى بخير، لكنه واصل حديثه قائلا إنه يعلم عنى كل شيء، وأننى لم أتزوج، وإنه برغم زواجه من طبيبة مثلي، وإنجابه ثلاثة أولاد إلا أنه يحس بأن لدى شيئا ينقص زوجته، وأنه لم يتسنى ولا يوما واحدا منذ أن افترقنا، وألح عليّ بأن يلقانى فى مكان عام بعيدا عن العيادة لأنه يريدنى فى أمر مهم، ورجانى ألا أرفض طلبه، وأن ادع الفرصة لكلينا لكى يعرف كل ما يدور داخل الآخر، ولما عدت إلى المنزل فكرت فيما قاله، وأرجأت الحديث مع أبى فيه إلى ما بعد اللقاء المنتظر.
وظللت أفكر طوال الليل فيما سيقوله لي، وبماذا أرد عليه، وعندما ألتقيته لم يترك لى فرصة للكلام، وقال إنه يريد أن يتزوجني، وإننى ستكون لى حياتى المستقلة بعيدا عن زوجته، وأنه لا يخشى شيئا سوى أن يرفضه أبى إذا تقدم لى مرة أخرى خصوصا بعد أن صار لديه بيت وأولاد، وأصدقك القول إننى لم أجد أمامى خيارا من أن أواجه والدى بأننى أحبه، ولن أرضى بغيره بديلا، فتسمر فى مكانه وأنا أخبره بموافقتى على أن أكون زوجة ثانية للشخص الذى رفضه من قبل، ولاحظت الدموع تترقرق فى عينيه، وهو يهز رأسه بالموافقة دون أن ينطقها لسانه، وسارعت إلى حبيبى كما كان يحلو لى أن أسميه فى داخلي، وطلبت منه أن يزور والدى فى اليوم نفسه، فحاول فى البداية أن يؤجل الموضوع، ولما أصررت على مجيئه حضر وتحدث مع والدى بطريقة غريبة، وقال إنه سوف يتزوجنى إرضاء لى، ولكن لكى يحافظ على بيته فإنه سيعقد قرانه عليّ عرفيا عند محام، وليس عند المأذون لكى لا تعلم زوجته، فأصابنا الذهول من كلامه، ووقتها التفت أبى إليّ وهو لا يصدق ما قاله، فسكت، وأطرقت برأسى فى الأرض، فاعتبر سكوتى هذا علامة رضا، ولم يكن أمامى خيار آخر بعد أن تقدمت بى السن، وفجأة سقط أبى على الأرض مصابا بجلطة فى المخ، وصار قعيدا، فانهرت باكية، وأتى هذا المهندس بسيارة اسعاف حملت أبى إلى المستشفى وظل به لمدة تزيد على عشرة أيام وبعدها انتقل إلى المنزل وبدأ رحلة طويلة مع العلاج الطبيعي، وظل الرجل الذى طلب يدى يتردد علينا، ويطمئن أبى بأنه سيجده إنسانا آخر وأن الظروف التى عاشها منذ أن رفضه عندما تقدم لى لأول مرة هى التى تفرض عليه ذلك، وأخيرا امتثل أبى لفكرة الزواج العرفى عند محام، وهو يبكى بمرارة وأنا أيضا، لكنى وجدتها الفرصة الأخيرة لكى أرتبط بمن ارتاح إليه.
وصار لى بيت مستقل، وحرص زوجى على أن يزورنى يوميا بانتظام لبضع ساعات ثم أعود لأبيت مع أبى حتى لا أتركه وحيدا، ولم يمض شهر واحد، حتى وجدت زوجى شاردا، ومضطربا، فسألته عما به، فأخذ يبكى ويقول إن زوجته علمت بزواجنا، ولذلك سوف يطلقني، ونقوم بتقطيع ورقتى الزواج العرفى الموجودتين مع كل منا، لفترة حتى تهدأ الأحوال ثم نعود كما كنا، واننا وقتها سوف نتزوج رسميا، فارتميت تحت قدميه أرجوه ألا يهيننى أكثر من ذلك، فلقد عرفت «البهدلة» على يديه وتزوجته بهذه الطريقة رغما عن أبى الذى يعيش أسير الجلطة التى تعرض لها بسبب هذه الزيجة، ولم تفلح محاولاتى معه، وبالفعل فتح الدولاب وأتى بالورقتين ومزقهما أمامي، وألقى عليّ يمين الطلاق، وجمع متعلقاته البسيطة التى كانت موجودة فى الشقة، وخرج بلا عودة!
ولم أجد ما أقوله لأبي، وكتمت هذا السر فى نفسي، وبمرور الأيام سألنى أبى عما بي، فارتميت عليه، وبكيت بحرقة وألم، ففهم الموضوع، وقال لى إن هذا هو ما كان يخشاه، فمثل هذا الرجل لا أمان له، وقد أراد أن ينتقم من أبى فى شخصي، ولا أدرى لماذا فعل بى ذلك؟.. وأغمى على أبى مرات عديدة، فعاودت عرضه على مستشفى الجامعة الذى أعمل به، ونصحه الأطباء المتخصصون فى حالته بالراحة التامة، وأكدوا لى أنه أصيب بصدمة عصبية ولابد أن يستريح تماما، ولا يتعرض لأى أخبار مزعجة، وكنت أسمعه وهو ينطق اسمى فى أثناء نومه، ويقول «ليه يابنتى عملتى كده»، ومضى شهر كئيب ثم فاضت روحه إلى بارئها ليلحق بأمى وليتركنى أواجه مصيرى المحتوم فى انتظار الموت.
لقد كرهت كل الرجال، وزهدت فى الدنيا وما بها من بشر، وأتصور أن كل الرجال كذابون، وبالذات فيما يتعلق بمشاعرهم، فهم لا يعرفون الحب، وإنما يسعون إلى الاستمتاع بالغريزة الجنسية، وإننى نادمة أشد الندم على أننى فرطت فى نفسى لهذا الشخص معدوم الضمير، وأثنى على كاتبة رسالة «السنبلة الفارغة» التى عملت بمشورة صديقتها فكشفت هذا الشخص عديم الأخلاق قبل أن تقع فى فخه، وهى رسالة مهمة لكل البنات والسيدات بألا ينسقن وراء الكلمات المعسولة، وبأن يعلمن إن بناء حياة زوجية سعيدة لا يحتاج إلى مال ولا جاه، وإنما يحتاج إلى الأخلاق الحسنة والسلوك الحميد، وفوق كل ذلك موافقة الأهل فهم يرون ما لا تراه ابنتهم، كما أنهم يريدون مصلحتها، وأن تعيش فى سعادة وراحة وأمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ذكرتنى رسالتك بالقول الألمانى المأثور: «نسمع سقوط المطر، ولا نسمع هبوط الثلج.. نسمع عجيج الآلام الخفيفة، ولا نسمع صمت الآلام العميقة»، إذ تكتمين فى داخلك بركانا من الأحزان لا يشعر به من حولك، وإنما تعانينه وحدك، فلقد دفعك الوضع الذى تعيشينه الآن إلى التشاؤم من كل شيء فى الحياة، وفاتك أن التشاؤم علامة العجز، وأننا نصبح متشائمين عندما نشعر بعجزنا، وأحسب أن مثلك بكل ما أوتيت من صبر وجلد على تحمل الشدائد قادرة على أن تتجاوزى المحن التى تعرضت لها فى الحياة، فالحقيقة أنك لم تخطئى عندما قررت الزواج بفتاك الأول الذى تقدم إليك للمرة الثانية طالبا يدك كزوجة ثانية، فهذا حقك، ولكنك أخطأت تقدير موقفه، إذ جاء إليك هذه المرة للزواج منك ليس رغبة فيك لاقامة بيت وأسرة وأولاد،، وإنما انتقاما من رفض أبيك له من قبل، وزاد فى انتقامه باشتراط الزواج عرفيا، ولو تمهلت قليلا لادركت الفخ الذى نصبه للايقاع بك، وإذلال أبيك، فكان هذا السيناريو الذى رسمه بدقة مستغلا حالة التحفز من جانبك ضد أبيك، وعدم وجود من تستشيرينه بعد رحيل أمك، وبعد أقاربكم عنكم، فوجدك فريسة سهلة، ولكن ليس معنى ما وقعت فيه من أخطاء أن تتقوقعى داخل نفسك، إذ عليك أن تستفيدى منها فى المستقبل، فربما يكون تصرف هذا «الشخص التافه» قد جرحك، لكن تذكرى دائما أن الصواعق لا تضرب إلا القمم، فأنت أكبر وأعظم منه، ولم يكن يستحقك منذ البداية تماما مثل الخطيب الأول لكاتبة رسالة «السنبلة الفارغة» لكن الفرق بينكما هو أنها وجدت من يبصرها بأمرها ويبعدها عنه خصوصا بعد التجربة الفاشلة التى مرت بها.
ولا تجهدى عقلك، وتسألى نفسك عن الطريقة الصحيحة لكى تثأرى لنفسك منه، فأكبر صفعة توجهينها إليه، هى ألا تردى عليه بتاتا، وأن تمحيه من ذاكرتك فلا يخطر لك على بال، فقد تمر سنوات ويأتيك نادما على ما فعله معك، وربما يسوق إليك أسبابا واهية لكى يستدر عطفك، فحذار منه ومن أمثاله من الخبثاء ليس فى مجال الزواج والارتباط فحسب، ولكن أيضا من مجرد التعامل معهم، ورحم الله الإمام الشافعى الذى تعب من خبث بعض هذه الشخصيات فكتب بيتى الشعر الشهيرين.
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من اجابته السكوت
فإذا أجبته فرجت عنه
وإذا تركته غيظا يموت
والحقيقة انك لو ظللت تعيشين فى الماضي، فسوف تخسرين الكثير صحيا ونفسيا، وأفضل وسيلة لذلك هى «التطنيش»، ومعنى ذلك ألا تبالى بالحوادث والمنغصات ويقول أبو الطيب المتنبي:
فعشت ولا أبالى بالرزايا
لأنى ما انتفعت بأن أبالي
إن الحياة مليئة بالحجارة، فلا تتعثرى بها، بل اجمعيها وابنى بها سلما تصعدين به نحو النجاح، فلقد حققت نجاحك بالفعل وصرت طبيبة شهيرة وأستاذة جامعية مرموقة، فلا تهزك الصغائر، وعليك أن ترتفعى فوقها، وليس معنى أنك لم تصادفى نجاحا فى حياتك الزوجية، أو أنك لم تجدى الشخص المناسب إن هذا فشل، بل معناه أن الله يقسم الأرزاق، ويصرف الأمور كيف يشاء، وعلينا دائما أن نرضى بمشيئته، وأن نوقن بأن اختياره هو الأصوب لنا، ومن يثق بالله يغنه، ومن يتوكل عليه يكفه، فاسعدى بحياتك بالابتسامة بدلا من أن تملئيها بالدموع، ولا تثقلى يومك بهموم غدك، فقد لا تجيء هذه الهموم، وتكونين قد انحرمت من سرور يومك، ولعل فضفضتك فى سطور رسالتك فيها العلاج الناجح لحالة القلق التى تعتريك، وإياك وكراهية الرجال التى تسربت إليك بعد تجربتك المريرة، فالتعميم خطأ فى كل الأحوال، إذ ليس كل الرجال من نوعية هذا الرجل الذى أساء إليك بزواجه العرفى منك، ثم نبذك من حياته بعد أن نال منك غرضه بعد شهر واحد من الزواج، فما حدث معك ومع بعض الأخريات هو نتيجة ظروف معينة، وكما يقول «مارك توين»: «عندما تكره المرأة رجلا لدرجة الموت، فإن ذلك يعنى انها كانت تحبه لدرجة الموت»
والحقيقة التى تغيب عن الكثيرات هى أنه لو فى قلب من تحبه ذرة واحدة من الحب، لكان آخر ما يفكر فيه هو الابتعاد عنها، كما أن الحب الجميل الصادق تبقى ذكراه إلى الأبد، أما الحب الكاذب فينتهى إلى آخر نقطة فى قاع الجرح، فليكن الدرس البليغ لكل من تثق فى إنسان لا يستحق هذه الثقة بأن تضعه فى حجمه الصحيح. وأن تحمد الله أن نجاها من شروره، فانفضى عنك غبار الأحزان، واقبلى على حياتك بكل اطمئنان فإن مع العسر يسرا، كما يقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم، ولتعلمى أنه إذا أشتد الظلام وزمجر الرعد، وقصفت الريح، استيقظت الفطرة «جاءتها ريح عاصف، وجاءهم الموج من كل مكان، وظنوا أنهم أحيط بهم، دعوا الله مخلصين له الدين»، وعلى المرء أن يدعو ربه فى الشدة والرخاء، والسراء والضراء» فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون» فلا تحزنى على عدم زواجك المستقر حتى الآن، فلعل الله يدخر لك ما هو أفضل منه، ومن يقلق من تأخر رغباته، كمن يسابق الامام فى الصلاة، ويعلم أنه لا يسلم إلا بعد الامام فالأمور والأرزاق مقدرة، والسعادة هبة ربانية، ولقد منحك الله الكثير فاستثمرى ما أنعم به عليك فى الحياة الطيبة الخالية من المنغصات، وقولى دائما «الحمد لله رب العالمين»، فبها تتفتح لك الأبواب المغلقة، وتكونين مرتاحة البال فالحزن ليس فيه فائدة، وقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم انى أعوذ بك من الهم والحزن». فهو قرين الهم، والفرق بينهما أن المكروه الذى يرد على القلب، إن كان لما يستقبل أورثه الهم. وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، ومفتر للعزم، والحزن تكدير للحياة وتنغيص للعيش، وهو مصل سام للروح تنطفيء به عند مباهج الحياة، فتحتسى كأس الحسرة والألم، ولذلك يقول أهل الجنة عندما يدخلوها «الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن»
لكل ذلك أرجو أن تستعيدى ثقتك بنفسك، وأن تتطلعى إلى الدنيا بعين جديدة غير هذه العين اليائسة، واحمدى ربك أن نجاك من هذا الشخص غير السوى الذى سيكون انتقام الله منه بحسب ما أصابك من غم وحزن، ومازال أمامك مشوار فى الحياة سوف تقطعينه بكل رضا وأمان إذا خلصت نيتك وصدقت عزيمتك على نسيان ما فات، فابدئى صفحة ناصعة البياض تستشرف آفاق المستقبل بعين الرضا والسكينة، وفقك الله وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.
رابط دائم: