رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
ففى الهتاف الأول كنا نعنى بوادى النيل ووحدته هذه الأرض العريقة التى تمتد من بحرنا الأبيض شمالا، الى منابع النيل وأدغاله جنوبا، أما الهتاف الآخر فكان نكاية منا فى الانجليز الذين فرضوا علينا احتلالهم، ضامين لنا السودان مرة، ومبعدينه عنا مرة أخري، واستخدموا فى ذلك ألاعيبهم وحركوا أنصارهم فى طول البلاد وعرضها، فكانت هذه الهتافات صورة لما يحدث على أرضنا، وما يتخللها من أمانى كبيرة قد تمضى إلى حيث تهون من أجلها التضحيات التى كانت مصر تتحملها، تضحيات نتذكر بعضها مثلما حدث حين اجتمع «بيفين» من انجلترا مع «صدقي» من مصر لتوقيع ميثاق استقلالنا، وأصرت مصر وقتها على عدم التخلى عن السودان لانجلترا فى المقابل، ونتج عن ذلك تعذر الميثاق وفقدان مصر الاستقلال الذى كان يلوح جليا فى الأفق. أما حين اندلعت ثورة يوليو عام 1952، فكان على رأسها محمد نجيب من أب مصرى وأم سودانية، وكانت الوحدة أيامها فى مخيلة الجميع، وكان نطاقها أكثر مما عنته الهتافات، فلقد أرادوا أن تكون الوحدة «وحدة كبرى لوادى النيل» لا تقتصر على مصر والسودان، ولكنها تحتضن الى جوارها أجزاء من ليبيا، وأخرى من تشاد وغيرها من إفريقيا الوسطي. ولقد سبق كل ذلك وحدة وتآخ على مر التاريخ، مرة بالرغبة والتراضى، ومرة بالغزوات والفتوح، ففى عام 1899 غزا «كتشنر» السودان فى بعثة عسكرية أشرك فيها جنود مصر، زاعما رغبة الانجليز فى تخليص مصر والسودان من طاغوت الدولة العثمانية، وبقائهما طليقتين، جنبا الى جنب تحت لواء التاج المصري، بشعار لمليكها أطلقوا عليه هو «ملك مصر والسودان»، وفى عهد «محمد علي» عام 1822 دخلت الجيوش الواقفة تحت إمرته جنوبا لينضم السودان الى الجوار، وجرى ذلك بالفعل ولكن ليس بشكل كامل، واقتصر الأمر على ضم الشمال وترك الباقى لضمه فى حين آخر، فكان الوحدة والاتحاد هدفا دائما، ولكن المسامير التى تدق فى نعشهما لم تتوقف «فدارفور» مثلا كانت عائقا منيعا ضد الوحدة، سواء بقيادة «على دينار» أو غيره فى عهد العثمانيين، أو فى العهود التى تلتها، بل إن دارفور نفسها كانت هدفا لتفتيت نفسها، حتى ان الحدود التى تحدها امتلأت بالثغرات التى سمحت للعابرين من هنا وهناك أن يخترقوها، ويمتعوا أنفسهم بما شاءوا من خيراتها، أما جنوب السودان الذى استعصى على بعض الحكام الغازين، فقد استحوذ على مقدراته واستأثر بالحكم لنفسه، ثم استطاع أن يجذب المؤازرة لا من دول العالم فرادى، بل أيضا من هيئاته الدولية، وطوائفه العالمية. والغريب أن هذا كله يحدث على مدى العصور، ثم تأتى قطعة صغيرة من أرض مصر الجنوبية، لتشغل البال كثيرا، ويسير فيها الخيال مسارا طويلا، فلا نجد نحن ولا المحللون لذلك تفسيرا، اللهم إلا اذا كان هذا كله حشداً لمواطنين أغلبهم معارضون بالسودان، فى قضية لا تحتاج الى أن تكون قضية، ومشكلة ينبغى ألا ترقى إلى مرتبة المشكلات. د. عادل أبوطالب ـ الأستاذ بطب بنها