رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الثائر النبيل
يموت الزمار و يعيش يوسف إدريس

أنور عبد اللطيف
بسبب يوسف إدريس بكيت للمرة الأولى من ظلم صاحبة الجلالة، كان ذلك اثناء انتخابات نقابة الصحفيين أول الثمانينات، كان المرشح «الرسمى» للأهرام هو العظيم صلاح جلال، ومرشح «الثائرين»

هو يوسف إدريس، وأثناء جولة صلاح جلال الانتخابية على الأقسام سأل صديقه الأستاذ فريد مجدى رئيس القسم: هل رجالتك ستنتخبنى يا فورد؟ أجاب الأستاذ فريد : عندى ثمان أصوات اعتبرهم فى جيبك يا«دوك»، وانصرف الأستاذ صلاح. والتفت نحوى الأستاذ فريد وكنت أحدث المعينين وقال: طبعا صوتك وحده مش كفاية يابو الأناور، لكن لازم تكلم زملاءك وأصحابك، فقلت له: بصراحة يا ريس لو لى «صوت» سأعطيه ليوسف إدريس، فشعر الأستاذ فريد بصدمة شديدة، واكتشف أن أحد «عياله» ليس فى جيبه، ثم اقفل باب المكتب علينا حتى لا يشاهد أو يسمع أحد هذا التمرد، وتمت الانتخابات، وسالنى «فريد بك» انتخبت من؟ ولم اشأ ان أكذب علي عم فريد الذى كنت ومازلت ـ بعد رحيله ـ اعتبره فى منزلة الأب، فقلت له : رشحت يوسف إدريس طبعا ياريس، فقال: وكمان بتفسر فى وشى ،انت مخصوم لك نص يوم، وظهرت نتيجة الانتخابات ونحح صلاح جلال باكتساح، وجاء آخر الشهر، ودخلت الخزينة، وشاهدت الأسى على وجه عم طه، واستلمت المرتب ناقص جنيه، لم اهتز فى البداية لكن الأسى الذى شاهدته على وجه عم طه وهو بمد يده بباقى المرتب وقدره ٣٤ جنيها قائلا: بعد أن نظر فى شريط القبض : «حرام والله.. إلا الخصم».. فسارعت بدخول الحمام وانخرطت فى بكاء مرير.

وبعدها شعرت أن الأستاذ فريد يحاول بحنان بالغ أن يطيب خاطرى، وفوجئت بالأستاذ صلاح جلال يكلفنى بعمل حديث مع الدكتور يوسف ادريس، رغم الحملة الانتخابية الشرسة التى اشتعلت بينهما قبل أيام، وعلمت أن الأستاذ فريد وراء ترشيحى لهذا الحديث الذى أفخر به الآن، وفى طريقى للدور السادس وجدت زميلى المصور محمد وسيم، فقلت له تعال معى لتصوير «يوسف ادريس».. وفوجئ الدكتور يوسف إدريس بالكاميرا فى وجهه، فقال باستغراب انت من ولماذا؟ فقلت: أستأذن حضرتك لاجراء حديث معك لمجلة الشباب طلبه الأستاذ صلاح جلال، فوافق على أن يكون اللقاء بعد يومين، ونشر الحوار بما يليق بأمير القصة القصيرة والكاتب الثائر يوسف إدريس، وحصلت على عشر جنيهات مكافأة عوضت الخصم الذى حدث فى مرتبى عشر مرات، والأهم أن هذا الحوار ظل وساما على صدرى.

وفى احتفالنا بذكرى ميلاد يوسف ادريس التى مرت أمس، وجدت ان ما قاله يوسف إدريس منذ 35 سنة يصلح أساسا للتخاطب مع شباب هذا الزمان، فقد سألته فى مايو 1981 عن الشباب المأزوم بين سياسات الانفتاح الاستهلاكى وسوء التفاهم فى حواره مع الكبار. ومامدى تأثير الأحداث فى صناعة جيل مختلف من الأدباء ينتمى اليه يوسف إدريس؟ وفوجئ يوسف إدريس بالسؤال «المركب» الذى ألقيته فى وجهه، متهما إياه بأنه من زمن آخر وهو الذى كان يعتبر كتابته تحريضا للشباب فى كل زمان وقال:

لا يوجد شيء اسمه جيل، لكن هناك نهر وتيار أدبى مستمر وممتد،كل واحد يسبح فى نهر الزمن الأوسع، ونهر التطور والتغيير الاجتماعى، صعب جدا أن تقول هذا الأديب جيل الخمسينات وهذا جيل الستينات، وهذا يعبر عن الجيل، فهذا التقسيم لا يصلح لوصف حقيقة أدبية وعلمية وفنية، لكنه يصلح فقط لوصف حقائق الجغرافيا.

وسألته: ولكن «مجموعة البطل» الرائدة فى أعمالك القصصية أليست وليدة حدث عام جعل بينها وبين أعمال أخرى صدرت فى نفس الوقت سمات مشتركة مما خلق من أصحابها جيلا ذا ملامح محددة؟

فرد يوسف إدريس مستمتعا: كل عمل تكون له ظروفه ولكن هل العمل الفنى ينفصل عنى أنا أو خصائصى النفسية والإجتماعية والفكرية وتاريخى والعوامل المؤثرة فى سلوكى، و«البطل» صدرت حين كانت بورسعيد كلها محتلة من دول العدوان الثلاثى، وكانت مصر تخوض مواجهة صريحة مع الحضارة الغربية، لكن كفاح الشعب وبطولاته لا ينفصلان عن ثورة عرابى وثورة 1919، كل حدث بمثابة زناد يخلق طلقة تكون معبأة بأشياء كثيرةجدا.

فبادرته بعد أن لمست حماسه للحوار فى لمعة عينيه: ولكن هل يمكن القول أن جيلا من الكتاب كانت ٥ يونيو هى الزناد الذى أطلق أفكاره وأن جيلا آخر كان الزناد لأفكاره هو انتصار أكتوبر؟ .. رد فى تحد واضح: قلت لك أنى ضد نظرية الأجيال، لا الهزائم ولا الإنتصارات تخلق أجيالا، فالشعوب عموما لا تُهزم ولا تنتصر، ولكن يوجد قائد ينتصر وقائد ينهزم، فلا هزيمة يونيو خلقت جيلا ولا نصر أكتوبر خلق جيلا من المنتصرين، فهى حروب لم يشترك فيها سلاح للقلم، عكس جيش إسرائيل كان به سلاح للقلم، فيائيل ديان كانت تحارب وتكتب، وهيمونجواى شارك فى الحرب الأولى وفى الحرب الأهلية الأسبانية وكتب عن الحروب، أما فى العالم الثالث عموما توجد مجموعة من الكتاب تعبر كتاباتهم عن الجوع والحرمان والفقر دون أن يذوقوا ألم الجوع ومرارة الحرمان ويتاجرون باسم الحرية وهم يحرضون على تعلية أسوار السجون والمعتقلات .

ثم سألت يوسف إدريس: فى قصتك «يموت الزمار» رسمت صورة متشائمة عن الشباب ووصفته بأنه « آلات منتجة جديدة غير مثقلة بتاريخ وطنى ومطالب نقابات» فما سر هذه النظرة المتشائمة لقطاع من الشباب؟

قال يوسف إدريس ـ كأنه يخاطب شباب اليوم ـ إن هذه الرؤية تنطبق على تيار سائد بين الشباب وهو تيار ينتشر ويشكل خطورة، فهو وليد سياسات الاستقطاب الحادة التى خلقها الانفتاح الإستهلاكي، شعارها «من يعمل أكثر يكسب أكثر» فلا قيمة عنده للوطن ولا مكان للتضحية لكن كل شيء بفلوس «تدفع كام» بصرف النظر عن مصدر التمويل وأغراضه، هذا التيار الجشع على حساب المصلحة الوطنية وقيم المجتمع لابد من مقاومته، فلا يصح أن يكون عندنا شاب بهذه العقلية الانتهازية مسئولا عن بناء أسرة والدفاع عن وطن.

فقلت: ولكنه نتاج سياسات اقتصادية واجتماعية صنعها لهم الآباء ؟!.. فعلا صوت الدكتور يوسف: المهم أن نوقف الجريمة أولا فالأمر يتعلق بآباء المستقبل وهم الأهم! وأنا ضد من ينظر لهذه الظواهر الانتهازية برعب وخوف وفزع، فهى نتاج طبيعى للانفتاح الذى يخلق حالة من الاستقطاب لمصلحة بعض الأغنياء الكبار! لابد أن تتدخل الدولة ولاتترك هذه الأجيال فريسة لعقد البطالة وألعوبة فى يد من يدفع !

.. ومن الفريسة والألعوبة إلى النتيجة التي تنبأ بها يوسف إدريس فى قصة «يموت الزمار» ..أيد عاملة شابة تحت وطأة الحاجة والبطالة، ورغم كثرة المشروعات الجديدة ووفرة الفرص، لكن أين الخلل الذى يخلق الفجوة ويحيل قطاعا عريضا من الشباب إلى «آلات متمردة لا تسمع تعاليم الآباء عن عمق مطالب الشعوب»..وعندما أشاهد الفضائيات الآن وأري أبواقا ومصالح وهى تعبث بقيم الناس ومعايير الوطنية

أتذكر روح يوسف إدريس وقلبه المهموم دائما .. وأهتف:

يموت الزمار ويعيش الثائر النبيل يوسف إدريس .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق