رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بريد الاهرام
اشراف : احمد البرى
حكاية صادق خان

انتخاب صادق خان عمدة لمدينة لندن وهى واحدة من أهم وأكبر المدن الأوروبية هو درس يأتينا من بعيد ليعلمنا أننا لن نصبح إنسانيين إلا إذا أولينا «المواطنة» كل جهودنا ونضالنا، فهى ركيزة لأى تقدم أو نهضة أو عمران،

تستطيع مجتمعاتنا أن تبنى مدارس وجامعات ومستشفيات، وأن تشيد موانئ ومطارات، وأن ترصف الطرق وتقيم الجسور وتحفر الأنفاق، لكنها لن تستطيع أبدا أن تحرر طاقات شعوبها دون الإيمان بقيم المواطنة والمساواة وحقوق الإنسان.

وقد ربط غالبية المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعى فوز خان بأرفع موقع فى لندن التى يسكنها زهاء ثمانية ملايين نسمة بسؤال المواطنة فى العالم العربي، فخان المولود فى لندن لأب مهاجر باكستانى كان يعمل سائق حافلة، حاز الجنسية البريطانية لحظة مولده، وعمل محاميا فى مجال حقوق الإنسان قبل أن يصعد إلى مرتبة وزير فى حكومة رئيس الوزراء السابق جوردون براون، ولم يسأله أحد عن مساقط رءوس أجداده، ولم يجر ذمه بسبب لون بشرته السوداء، برغم أن منافسه جولدن سميث دأب على وصمه بأوصاف من قبيل «متطرف» و«خطر»، وجاء رد خان على هذه الاتهامات فى تغريدة له أرسلها إلى منافسه المحافظ يقول فيها: لا فائدة من صراخك طوال الوقت بأن منافسك مسلم، فقد ذكرت ذلك فى كتيبات الدعاية التى قمنا بتوزيعها، وانضم إلى هذا السعار، رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذى أكد أن لخان صلات بإرهابيين، وكان رد خان على ما أفادت الأنباء هادئا ورصينا وواثقا: أنا فخور بأننى مسلم.. أنا لندني.. أنا بريطانى لدى أصول باكستانية، وأنا أب وزوج ومناصر لنادى ليفربول منذ زمن طويل.. أنا كل هذا.

وعلقت على ذلك صحيفة «واشنطن بوست» بقولها: إن خان احتضن الإسلام وجعله سببا لفوزه فى الوقت الذى ينظر فيه كثيرون إلى الإسلام بعداء.

وبعد انتخابه، جدد وعده فى تغريدة على حسابه على تويتر بأنه سوف يكون رئيس بلدية لجميع اللندنيين، معربا عن فخره بأن لندن اختارت اليوم الأمل بدلا من الخوف، والوحدة بدلا من الانقسام.

وفاح من كلام الجارديان شعور الخيلاء وهى تتحدث عن المعانى الرمزية لانتخاب خان، فمهما تكن خلفيتك العرقية أو عقيدتك الدينية أو طبقتك الاجتماعية، فأمامك أيضا فرصة الصعود إلى أعلى السلم فى بريطانيا وباختيار مباشر من الجمهور.. وأضافت أن فوز خان لن يقضى على الإسلاموفوبيا فى المشهد السياسى الأوروبى مثلما لم يقض فوز أوباما على العنصرية فى أمريكا، لكنه يمنح لحظة من الأمل على الأقل. ولم يمر فوز خان دون تلميحات وسائل الإعلام والأوساط اليمينية الأمريكية التى وصفت عملية الانتخاب بما يكرس وصفها العنصرى «لندنستان» فى إشارة إلى كثرة عدد المسلمين فى لندن وأجزاء عدة فى أوروبا.

لقد عاش خان فى مجتمع حى ونابض مختلف عن مجتمعاتنا العربية التى تختار الأفضل من كل الشرائح وتجدد نخبها باستمرار على أساس الكفاءة لا النفاق والمحسوبية، والولاء عندها للوطن وليس للسلطة.. واندمج فى مجتمع يتعامل مع جميع المواطنين على قدم المساواة مهما تكن دياناتهم وأعراقهم وألوانهم وانتماءاتهم حتى لو كان من حزب يعارض الحزب الحاكم.

لقد تربى الناخب فى بريطانيا على الحرية ولم يعرف الذل ولا الهوان، فهو يريد من يخدمه ويختار الأصلح حتى لو كان مخالفا دينه ولونه وجنسه وأصوله دون خوف أو وجل. ومن دواعى هذا الفوز، أن يجعل المسلمين يصححون نظرتهم إلى الشعوب الغربية، ويدركون أن هذه الشعوب لا تعادى العروبة ولا الإسلام، فالمشكلة عندنا وليست عندهم، فلقد فشلنا فى تقديم نماذج الإسلام الجيدة، وقدمنا «الدواعش» و«التكفيريين» و«المتعصبين» والمعتوهين فكريا، فلم يستطع الغرب التفرقة بين هؤلاء والإسلام، وربما كانوا معذورين فى ذلك، خاصة وأن هذه النماذج تقدم نفسها للغرب والشرق على أنها نموذج الإسلام الصحيح.

وأخيرا، جاء فوز صادق خان فى انتخابات بلدية لندن فى أصعب الظروف بعد تفجيرات فرنسا وبلجيكا، ولكن الناخب البريطانى استطاع أن يفرق بين أمثال خان والإرهابيين، وبين الإسلام والإرهاب، فلم تؤثر فى الناخب ولا المجتمع «الإسلاموفوبيا».. إنها درجة عالية من النضج السياسى والاجتماعى قائمة على مبادئ الديمقراطية والحريات والتعددية وقبول الآخر.

فهل يمكن أن تكون نتيجة هذه الانتخابات درسا تتعلمه الدول العربية التى تهددها الصراعات الطائفية والحروب المذهبية، فالمهم ليس هوية الذى يحكم، ولكن بماذا يحكم.. هل بالعدل والمساواة أم بالظلم والعسف؟!.

د. عماد إسماعيل

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 1
    سالم سالم
    2016/05/18 23:46
    0-
    20+

    الناخب البريطانى و خياراته
    هل يمكن ان يكون الناخب العربى له اختيارات الناخب البريطانى؟ ... نتمنى ذلك
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق