استدفاء الناس بالناس فى مواجهة برد فكرة الموت, وملحقاتها من مرض وشيخوخة, أحد الهواجس المتوطنة فى شعر أمين حداد.
وفى ديوانه الجديد «الوقت سرقنا» يحكى أمين فيما يحكى كيف يتسرب العمر والأحباء من بين فروج أصابعنا؛ إلا أن الديوان ككل شعره انتصار للحياة والحب والدفء الإنسانى والجمال بكل معانيه.
الجديد هنا مزيد من النضج والإبداع, فى صياغات شعرية يحرص حداد الابن دائما على أن تأتى طازجة ومختلفة, وبعضها إضافات حقيقية للشعر. من هذا البعض نختار ذروتين من ذرى الديوان احتفاء بصدوره (عن دار الشروق).
الوقت سرقنا
القعدة اللى قعدناها امبارح
انا وانت ما كنّاش فيها
انت مسافر فى خيالك
وانا عندى مواصلة شبيهة
بس القعدة كانت ناقصاك
كان فيه شبّاك مفتوح قدّامك
عامل تيّار .. مع شبّاك جوّاك
والشارع ما يبانش من الكرسى بتاعك
ولا من أى مكان .. فى الأودة
طبعاً كان بيت الروضة
واحنا العواجيز الشبان
اللى مخاصمين الوقت
بنلخبط شعر زمان
على ألحان دلوقت
بنلخبط شجر البستان
على شجر الجنة
فاكر غنوة «نتهنّى .. على قد الإمكان»
ما كانتش بعيد
لكن ما اقدرش أغنيها
وانت ما تقدرش تعيد
على فكرة امبارح قلت قصيدة جديدة
ما فيهاش أى حنين للماضى
تشبه للبنت الأمّورة
اللى فى صورة المصيف قاعدة قصادى
البنت دى ماتت شابة
لكن بتعجّز حبّة بحبّة .. جوّه الصورة
وكمان تشبه للست اللى بتشغل
مفرش كروشيه على شيزلونج ..
وبتتصعب مقهورة
والاّ ممثلة مغمورة
والاّ ..
بياعة الجزر الأحمر على ناصية عمارات التيسير
بخدودها الحمرا وسنانها الصفرا المكسورة
أيوه صحيح
ما كانتش قصيدة .. دى كانت فزورة
مين الست اللى ماهيش موجودة .. وعايشة معاك
مستنياك .. فى الشقة المهجورة
هو انت ما رحتش ليه الصحفيين ؟
والقعدة بتاعة كورنيش الجيزة ؟
احنا ركبنا تلات سبعات
ونزلنا فى أم المصريين
كنا ولاد وبنات
أقصد رجالة وستات
أقصد إحنا
وقابلنا حسام وأمين
راجعين من رحلة
فضلوا يقولوا كلام فلسفة وسياسة وفن
ركّبنا أمين أوتوبيس الطلبة
بس أنا حسيت إنه ماهوش مهتم
مش عايز ينضمّ لأىّ جماعة
وكمان مكسوف من شعره
كان عامل خوفه من الموت شماعة
تتصوّر بقى
انا ماشى مروّح فى البرد
وباحاول اغنى : على قدّ الليل ما يطوّل
ويرد الهوا .. تَنّك سايح
وانت .. فى خيالك سابح
وبترجع دايماً للأول
القعدة اللى قعدناها امبارح
أنا وانت ما كنّاش فيها
طيّب .. ازاى دخانها .. ساكن فى هدومى
والشِعْر بتاعها ..
بيحدف روحه عليا
والهوا من شباك الأتوبيس
بيحمّر لى عينيا
وبيوصف لى الدنيا ..
وبيغنى:
القعدة بتاعة امبارح
بكرة ..
فى الوراق
حتى ولو مش فيها
انا وانت حنحييها
أنا أصلى مشارك أصحابى فى جميع الأشياء
مش سايب شىء
الدقن البيضا دى دقنى ودقن بهاء
والشعر الأبيض عندى وعند كوشيك
والوقت سرقنا ..
بعد ما زوّقناه
وطبعنا كفوفنا عليه
وكتبنا له قصايد
مليانة حياة
تفتكرى إيه
تفتكرى إيه اللى حاصل
فيه سلك واصل ما بين قلبى وبين السما
بتقولى طبعاً : أنانى
دايماً أقول لِك : أنا
تفتكرى مين اللى بيقصّر فى حق التانى
العمر والاّ الثوانى
البرد والا الهدوم
طول عمرى متكلفت بأحلامى
والسقعة ما بتجيش
بقششت بالريش اللى غطّانى
والموت نده فى الليل اللى بيمطّر
أوهام و نور أخضر
و ربّنا نجّانى
علشان أعيش أكتر
علشان أموت تانى
تفتكرى مين اللى بيخبّط
أقصد ..
مين اللى رنّ الجرس
قومى افتحى لضيفنا
انا وانتى صابنا الخرس
تفتكرى ايه اللى خوّفنا
نور البيوت ما هوش قادر
على الضلمة اللى برّانا
نور الشوارع بالِلْ الأسفلت
الصيف خلص والدنيا سهرانة
مش ناقصة تخريفنا
تفتكرى ليه الكنب كان نفسه يتّاوب
انا وانتى حنجاوب
حافضل أحبّك .. لو لسه فاكرانى
حافضل أحبّك .. من غير شروط أحسن
أنا حبّى أجبن من الشهوة اللى ماليانى
طبعاً أنانى
دموعى مش نازلة لسبب واحد
دموعى بتجاهد .. وتخبّى أحزانى
حتفضلى تحبّينى لو ضايع
حتقدرى تخبّينى لو هربان
أنا اللى رنّيت الجرس قومى
بصّى على الكنبة .. ما فيش قصادك حد
قومى افتحى لى الباب و دفّينى
سقعان بجد
لاجئ لحضنك من شوارع برد
عشمان إيديكى الطيّبة تطبطب
أسمع كلامك ..
أصدّقك ..
واشرب
والمس شفايفك ..
جسمى يتكهرب
فيه سلك واصل
ما بين قلبك ..
و بين قلبى ..
و بين السما
رابط دائم: