رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ثلاث قصص قصيرة

د‏.‏ مرعي مدكور
‏(1)‏مريمية الوجه‏;‏ التي حلمت من أول يوم في الجامعة أن تكون معيدة‏;‏ أرعبني حزنها الطافح حتي غطي ملامحها‏,‏ ملت عليها بعد أن توقفت بجوارها وهي غارقة في ورقة الإجابة‏..‏

- مالك يا رنا؟!!
اهتززت, ولم أتمالك نفسي وهي ترد بصوت قادم من قاع بئر غويط:
- أمي ماتت..
وأكملت والدموع تغرق عينيها:
- كان عندها سرطان..
حاولت أخذ نفسي من الحزن والألم القاتلين, ازددت اقترابا منها وأنا أخبط بهدوء علي ورقة إجابتها في محاولة مني للتغطية علي الرعشة التي انتابتني..
وأهمس لها; في صوت متقطع; مواسيا:
- حلمك لازم يتحقق يا رنا, وكلنا هنموت, وأكيد روح والدتك في الملكوت الأعلي و تحوم حولنا الآن, وتبارك إصرارك علي التحدي وتحقيق النجاح, وقربي أكتر من والدك.. أشعريه أنك الأخت والابنة والجدة وكل شيء.. و...
زادت اهتزازة جسدي, فغادرت إلي خارج اللجنة وقلبي يتمزق من ثقل حملها الذي رماه الزمن علي اكتافها..
تجمعت الدموع في عيني وخنقني البكاء..
(2)
توأمي شومان هاتفني في الفجرية صارخا باستنكار:
- لسه نايم؟!!
وقبل أن أرد عليه; أكمل آمرا:
- أنزل فورا نلحق صاحبك.. أنا تحت البيت..
السيارة نهبت الطريق إلي المستشفي في دقائق, وفي جلبتين تسمرنا في جواره هالتنا أعداد الخراطيم والشاشات والرسوم البيانية الخضراء الصاعدة والنازلة.. و...
ولأول مرة; في حياتي; وجدتني انحني وارفع يده بهدوء وأطبع قبلة حانية عليها.. و:
- ألف سلامة.. الإجراءات انتهت, والسفر في أقرب فرصة..
الغريب أنه لم يتخل عن دعابته, ودفع الغطاء البلاستيكي الذي يغطي فمه وأنفه.. وعلق علي تقبيلي يده; قائلا:
- أنا دلوقت بقيت شيخ أو قسيس..
في هذه اللحظات كان شومان يضغط علي يدي لننسحب بظهورنا من غرفة الرعاية, وإحساس غريب يسيطر علينا, هذا الإحساس قالته عيوننا عندما التقت في الممر ونحو نهرول خارج المستشفي.
عيوننا كانت تبك الدم وتقول ما لم نستطع أن نصرح به لنفسينا..
(3)
قريبتنا العروس طالبة نهائي طب; عود الزان كما نطلق عليها; تتهادي في فستان فرحها كأنها فراشة زاهية الألوان, العيون كلها تحيط بها وهي تتنقل بين ترابيزات الفرح: تجامل, تلتقط الصور مع جماعة أو عائلة وتنتقل لمائدة أخري.. بعدها وقفت أمام آلة الماريمبا واحتضنت زميلتها العازفة وقرصتها في فخدها بحنية لتضحك الأخري وتتنحي جانبا بعد أن سلمتها عصايتين رقيقتين وصلبتين مثل سلك معدني.
اندمجت العروس; عود الزان, في العزف الشجي: شرقي, وغربي, وبلدي.. وعيون الخلق عليها, اندمجت في العزف والتطوح يمينا وشمالا وأماما وخلفا.. وفجأة انهبدت علي أرضية المسرح وراحت في إغماء عميقة وتحول وجهها إلي كتلة ثلج.
ازدحمنا في ممرات المستشفي وردهاتها وأماكن الاستقبال, وتعجب الطبيب المناوب من شحوبها, ومال علي قائلا:
- الظاهر انيميا حادة.. ربنا يستر..!!
بعد ساعات نظر إلي تقرير العينة, وأخذني جانبا وهمس في أسي:
- خسارة.. سرطان في الدم..
فوجئت بها تشد التقرير من يدي ويتحول وجهها إلي كتلة بياض وهي تسحب الدبلة من أصبعها وتقدمها لعريسها, قائلة:
- خلاص.. اللي بيننا انتهي..
الغريب أن الولد الذي لا يستحقها ضرب الحلقة الذهبية الرفيعة في جيب قميصه وسارع بخلع الأخري من أصبعه ورماها بجانب أختها لتشخللان وهو يغادر المستشفي شادا قامته كأنه تخلص من كابوس خانق..
والأغرب أنها أصرت علي العلاج علي مسؤوليتها وتحت أي ظروف أو نتائج: كيماوي, بذل, تغيير دم.. وبعد عامين تماما بشرتها التقارير بحدوث المعجزة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق