فى حوار شامل مع الدكتور طارق توفيق مدير المتحف المصرى الكبير وأستاذ العمارة الفرعونية بجامعة القاهرة ، آكد أن المتحف المصرى يعد نقلة حصرية كبرى على مستوى العالم ،
وأنه يتميز بخصوصية مصرية لمرحلة ماقبل التاريخ حتى العصرين اليونانى والرومانى على مدى خمسة آلاف عام وأن الحكومة اعتمدت له هذا العام مبلغ 516 مليون جنيه لدعم المشروع منها 216 مليونا من ميزانية العام المالى الحالى لاستكمال أعمال الإنشاء ، إضافة لتوفير 300 مليون جنيه بواقع 100 مليون سنويا ، ومبلغ 500 مليون دولار أخرى منحة من اليابان ، لاستكمال المشروع الذى تقرر افتتاح المرحلة الأولى منه فى منتصف العام المقبل ، لترتفع تكلفته الى ما يزيد على مليار دولار. وكان الحوار التالى :
ماهى مزايا المتحف الجديد وما قيمته العالمية ؟
مشروع المتحف غيرمسبوق فيجرى فيه العمل وفق نظام عالمى وعلى مساحة 117 فدانا ، ليصبح أكبر متحف فى العالم من حيث العرض والمستوى والنوعية والتخصص والمساحة فى موقع أهرامات الجيزة .حيث يبدأ بالمدخل الرئيسى من البوابة الثالثة العملاقة التى تقود الزائر إلى الساحة الرئيسية,يتصدرها تمثال ضخم للفرعون رمسيس الثانى ، وتبلغ واجهة المتحف 600 متر عرضاً ، بطول 45 مترا وتقام من حجر الألبستر على واجهة المتحف بأرتفاع خمسة أدوار لتتوافق مع ارتفاع الهرم الأكبر، وبحوائط شفافة مضاءة ليلاً ، إضافة لمجمع للمتاحف النوعية بداخله ،مثل متحف خاص للأطفال ، يناسب مختلف الأعمار لتربية الأجيال الجديدة أثرياً وثقافياً، وقاعات وعروض متحفية مُخصصة لذوى الاحتياجات الخاصة، متحف مراكب الشمس .ومبان للخدمات التجارية والترفيهية ، ومركز الترميم ، والحديقة المتحفية التى سيزرع بها الأشجار التى كانت معروفة عند المصرى القديم.
طارق توفيق أثناء حواره مع مندوب الأهرام
مصر بها عدة متاحف ومواقع للآثار والعصور القديمة فهل هو تكرار لها ، وما الذى يميز هذا المتحف عنها ؟
هذا المتحف يمثل نقلة نوعية فى عالم الآثار من حيث العرض والصيانة والتفرد فهو متخصص فى فترة ماقبل التاريخ وحتى العصر اليونانى والرومانى ، وسيخصص المبنى الرئيسى للعرض المتحفى على مساحة أربعة آلاف متر مربع لعرض نحو 50 ألف قطعة أثرية يحويها المتحف ، فهو ليس تكرارا للمتاحف المصرية بل يتكامل معها . إضافة لجعله مركز اشعاع حضارى بالمنطقة المحيطة وتطويرها ، وتخصيص القاعة الكبرى للمؤتمرات العالمية والمحلية .
هل دوركم يقتصر على استقبال القطع الأثرية وعرضها فقط ؟
دورنا هو إعطاء الحياة للأثر القادم من مختلف أنحاء مصر من خلال نحو 200 أثرى وفنى ، حيث يتولى الفنيون تحليل وترميم للمواد الآثرية الواردة من المناطق الأثرية والمتاحف ، وهم من أفضل خبراء الترميم فى مصر، موزعين على 17 معملا لمعالجة الجلود والأخشاب والأحجار والبردى وغيرها ، ومعظمهم تدرب على أيدى خبراء فى اليابان وفقا لاتفاقية معها ، وعلى رأسها مخطوطات البردى التى تتعدى فى المعامل حاليا نحو 400 قطعة ، وتخضع للمعالجة ، والصيانة وأخرى دخلت المخازن استعدادا لعرضها ،
مع وقوع المتحف فى منطقة الأهرام الأثرية هل لديكم تصور لاستغلال إمكانات المنطقة والتكامل معها ؟
بالطبع فإن الموقع العام كان سببا رئيسيا فى اختياره للمتحف حيث سيتم ربطه مع هضبة الأهرامات فى وحدة أثرية واحدة ، من خلال ممر طوله 2 كيلومترً، وكذلك من خلال تنظيم شبكة مواصلات داخلية وسيارات كهربائية لنقل زوار المتحف لمختلف المواقع وتشمل المتنزهات والحدائق التى تحيط به ، ويتم إنشاء منطقة ترفيهية على مساحة 25 فداناً، وتشمل : حدائق أرض مصر، وحدائق التماثيل الخارجية المُتصلة بصالات عرض المتحف، وحدائق الكثبان الرملية، وآيضا مجموعة من الحدائق العامة المتنوعة، بما يجذب نحو خمسة ملايين سائح سنويا حسب التوقعات وذلك عقب افتتاحه المرتقب فى منتصف العام المقبل ، وبمعدل 15 ألف زائر يومياً . وسيتم وضع جميع الإرشادات فى المتحف بثلاث لغات, وهى العربية اللغة الأم للمصريين, والإنجليزية لكونها الأكثر انتشاراً فى العالم, والهيروغليفية كى يتعايش الزوار فى أجواء الماضى التاريخية العريقة التى تميز المنطقة والمتحف .
هل هناك مشكلات تواجهكم فى ترميم وصيانة الآثار ؟
المشكلة التى تواجه خبراء الترميم لدينا الآن هى أن كثيرا من الأثار مثل البردى كانت تلصق فى القرن الماضى على كرتون حمضى ، واكتشف الخبراء أن هذه المادة تتلف الأثر ، ويتم الآن إزالة هذا الكرتون باستبداله بألياف( الواشى) وهو كرتون نباتى أيضا والذى منحته لنا اليابان وهو يزرع هناك ، وليس به مكونات كيميائية مؤثرة ويمكن إزالته دون أثر ، وفى نفس الوقت يحافظ على الأثر ويتميز بالليونة لأن الكرتون المصرى عندما ينثنى يدمر الأثر .وكذلك الحال بالنسبة للآثار الحجرية التى كانت تعالج فى القرن الماضى بأساليب مدمرة للأثر .وأصبحنا نعالجها بطرق كيماوية ومواد تحافظ عليها وفى شكلها الأصلى .
وماذا عن عرض القطع الأثرية المختلفة وأماكنها مع المساحات الكبيرة المتاحة؟
المتحف سيعتمد على إبدعات غيرمسبوقة فى العرض المتحفي، وتظهر فى المجالات الفنية، خاصة لتلك الآثار التى ترد إلى المخزن وقاعات الترميم بتخليص الآثار الحجرية خارج الإطارات الخشبية التى تحيطها كما المتبع فى معظم المتاحف المحلية والعالمية ، ليكون الأثر فى داخل شكل زجاجى ، ومتاح رؤيته من كل جانب للمشاهدة وإثارة خيال الزائر ، لأن الأثر لدينا مثل الكتاب يمكن قراءة قيمته ودلالته ومفاهيم وثقافة عصره، من خلال كل لمسة فنية عليه تظهر قيمته الحقيقية ، بعيدا عن الترميمات السابقة الخاطئة التى كان لها ظروف وتكنولوجيا مختلفة ، ويتم استبدالها الآن ،مع معظم القطع الأثرية التى وردت للمتحف وعددها يزيد على 30 ألف قطعة وردت منها 15 ألفا فى نحو عام ، ضمن خطة تجهيز 50 ألف قطعة للعرض الأساسى
مع كل هذه المساحة هل تقتصرون على 50 ألف قطعة أثرية للعرض فقط ؟
التاريخ المصرى غنى بالآثار فى مختلف مواقع ونشاطات البشر التى عاش فبها المصرى القديم لذلك فنحن نحدد فى البداية عرض 50 ألف قطعة أثرية ، وفى المقابل توجد 50 ألفا أخرى فى التخزين لغرضين الأول: الاشتراك بها فى المعارض الدولية والمحلية والثانى : لتكون مادة حية للباحثين العلميين فى التاريخ والآثار الفرعونية ، و ولعل أهم ما نركز عليه هو توفير رعاية خاصة لكل أثر فى النقل والخدمة ، حيث خصصنا قسم خاص للنقل والتغليف يتولى رعاية الأثر من منطقة أو موقع نقله بالتغليف منفردا على حدة مهما كان صغيرا ، ثم يوضع على وسائد من الفوم التى تمنع عنه الصدمات، ثم يوضع فى صندوق حسب حجمه وينتقل بحذر شديد بإشراف ومتابعة أفراد قسم النقل والتغليف ، وتتلقاه مجموعة الخبراء والفنيين حسب نوعه وبتغليفه وصندوقه ، حيث يهيأ للعرض بعد المعالجة .
ألا ترى أن عدد الأثريين والفنيين محدود مع هذا العدد الضخم من الآثار الواردة مع الاحتياج للترميم الفنى الدقيق ؟
لدينا بالفعل 200 فنى وأثرى هم أفضل العناصر المتخصصة فى مصر . وهذا العدد يعتبر معقولا بالنسبة لإمكاناتنا من الفنيين فى تخصص الترميم ، لذلك فهم يعملون بجهد مضاعف يوميا ، والسبب الحقيقى أننا نختار أفضل هذه العناصر الفنية من بين آلاف يتقدمون لنا ، وأحيانا نجد أفرادا متميزين من موظفى وزارة الآثار نأتى بهم ، كما أن هناك صعوبة فى تعيين أفراد جدد لأن هناك توجه بعدم التعيين فى أجهزة الدولة ، لذلك نعوض كل ذلك بإيجاد عاملين على درجة عالية من التخصص والمهارة ، ومع ذلك نضع شروطا صعبة أمام من يريد الانضمام إلى عملنا ، ونلمس إقبالا شديدا من الشباب الطموح برغم الجهد المضاعف فى عملهم، لأنهم يدركون أنه مشروع المستقبل لمصر ولهم .
ماهى الفكرة الرئيسية فى هذا المتحف مع وجود المتحف المصرى القديم ؟
المتحف المصرى الكبير ليس كما يعتقد البعض مجرد متحف وتكرار لمتحف التحرير أو متحف الحضارة بمصر القديمة ، فالناس لايدركون أن المتحف الكبير له طبيعة خاصة جدا فى مصر وعالميا ، فالمتحف المصرى الكبير يتميز بعنوان » الملكية والأبدية » فى فترة خمسة آلاف سنة من فترة ما قبل التاريخ وحتى العصر اليونانى الرومانى ، فالمصرى القديم فى هذه الفترة يجد نظام الملكية وسيلة للقضاء على الفوضى ، وأن الملك الفرعون يضمن له الأبدية بعدالموت فى الحياة الأخرى فهو الوسيط والشفيع له يوم حسابه فى الآخرة حسب معتقداتهم ، لذلك فهذا المتحف له هذه الهوية المتفردة .، بينما متحف الحضارة يشمل كل التاريخ وحتى التاريخ المعاصر ، فالمصرى القديم من خلال معتقده فى » الملكية الأبدية » كان إخلاصه وولاؤه للملك الذى يحميه ويدفعه للعمل بإخلاص من أجله ومنه أقام الحضارة الكبرى وحقق الإنجازات فى الزراعة والطب والهندسة والفلك .
إلى أى مدى يجد هذا المتحف اهتماما من الدولة ؟
جهودنا ونجاحنا كانت الدافع للحكومة فى اجتماعها الأخير لاعتماد مبلغ 300 مليون دولار نتسلمها بمعدل مائة مليون كل سنة ، ضمن تكلفة المشروع التى ارتفعت إلى أكثر من مليار دولار بما يقارب 10 مليارات جنيه مصرى، وفى سبيل رفع الوعى بنشاط وأهمية المتحف عقد مؤتمر عالمى لخبراء ودارسى الآثار ومديرى المتاحف على مستوى العالم عن توت عنخ آمون ، وذلك فى مايو من العام الماضى ،كما سيعقد مؤتمر ثان فى مايو المقبل ، ونعرض فيه درجة الإنجازات
للملك المصرى الفرعونى توت عنخ آمون مكانة خاصة لدى الأثريين والسياح ، فكيف ستعرضونه فى المتحف ؟
لدينا بالفعل التصور المصرى الخاص لعرض قطع الملك الفرعونى ، والتى تركز على تخصيص 7 آلاف متر لعرض القطع الأثرية له على نفس توزيعها فى مقبرته الأصلية التى اكتشف فيها بحبث تكون هناك صالة عبارة عن قاعتين أو دهليزين كبيرين لتوت عنخ آمون لتسهيل الفكرة التاريخية والأثرية للزوار، وبحيث يجدالسائح القطع الخاصة بالملك مرتبة على هيئتها وقت اكتشافها فى المقبرة ، ليتعايش مع الفكرة ورهبة التعامل مع الملك والأثر الفرعونى .
رابط دائم: