هو شاب فى العقد التاسع من العمر، يمتلك من النشاط والانضباط القدر اللازم للوجود فى مقر جريدة "الأهرام" يوميا منذ السابعة صباحاً رغم مرور أكثر من 22 عاماً على خروجه للمعاش.. ابتسامته البشوشة لم تفارق وجهه منذ ولادته فى 23 ديسمبر 1929،
وربما كانت هذه الابتسامة سر تعلق أجيال وراء أجيال من العاملين فى بلاط صاحبة الجلالة به، فهو وإن كان بلا شك واحداً من أفضل من حملوا الكاميرا فى بلاط صاحبة الجلالة، إلا أنه أيضاً وبشهادة كل من التقاه يتمتع بأخلاق تحمل كثيرا من صفات اسمه.. إنه الأستاذ تونى فارس أقدم مصور صحفى فى مصر والوطن العربى.
علاقته مع الكاميرا لها خصوصية شديدة، فهى حكاية عشق بدأت فى حوارى الإسكندرية بلد الفن والجمال، والسبب فيها كان خواجة إيطالى يمتلك استوديو للتصوير بالقرب من منزل تونى الذى استهواه جو التصوير وتحميض الأفلام التى كانت تعتبر بمثابة سحر فى تلك الفترة من الزمن، لم يستغرق تونى وقتا طويلا.. تعلم فنون التصوير سريعاً على يد الخواجة ليصبح مصوراً محترفاً قبل أن يكمل عامه العشرين.
وفى عام 1949 كان أول لقاء لتونى مع صاحبة الجلالة فقد التحق بجريدة «المصرى» التى كان حزب الوفد يصدرها بالإسكندرية فى ذلك الوقت، وحزن للغاية عندما توقفت الجريدة عن الصدور عام 1954، دون أن يدور بباله أن توقفها سيكون فاتحة خير وبداية لمرحلة جديدة من حياته فى جريدة «الأهرام» التى التحق بمكتبها فى الإسكندرية منذ عام 1955 ولمدة 7 سنوات قبل أن ينتقل لمقر الجريدة بالقاهرة عام 1962 ويستمر بها حتى الآن.
ربما يرجع سر الانضباط الكبير فى حياة تونى إلى عمله مصوراً حربياً مع الشئون المعنوية فى فترة من أهم الفترات فى تاريخ القوات المسلحة منذ عام 1973 ليكون شاهداً على لحظات النصر بعد آلام الهزيمة، وتسجل عدسات كاميرته مشاهد لم يتح لمصور آخر الاطلاع عليها، ويحصد تونى فارس عن استحقاق المركز الأول فى 6 مسابقات للمصورين الحربيين على مستوى الجمهورية منذ عمله مع المؤسسة العسكرية وحتى خروجه للمعاش عام 1994.
عاصر تونى جميع رؤساء مصر وعمل مندوباً لـ «الأهرام» فى رئاسة الجمهورية عام 1990 لمدة 4 سنوات، والتقى العديد من الرؤساء والملوك والزعماء أمثال الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، وأيضاً الملك حسين ملك الأردن، كما كان حاضراً فى زفاف إبنة الرئيس السادات، ولم يقتصر نشاطه على عالم السياسة والتصوير الحربى بل امتد ليشمل مجال الفن مع نجوم من الزمن الجميل مثل أنور وجدى وليلى مراد وغيرهما.
لقد نجح تونى فى اكتساب حب واحترام زملائه وتلامذته الذين ضرب لهم المثل والقدوة فى التفانى فى العمل، وتكفيه نظرات الانبهار والذهول التى ارتسمت فى عيون الأهراميين عندما فوجئوا به يدخل صالة تحرير الأهرام فى يناير 2016 بعد أن تجاوز عامه الـ 86 ـ وهو يجر خلفه قدمه الملفوفة بجبيرة ثقيلة من الجبس بعد أن أصيب فيها بكسر مضاعف لم يستطع أن يمنعه من الحضور فى نفس ميعاده المعتاد ..
إنه حقاً تونى.. فارس الكاميرا.
رابط دائم: