عاد الجدل فى تونس حول حظر النقاب بعدما تقدمت كتلة «الحرة» البرلمانية المنشقة عن حزب نداء تونس الحاكم بمشروع قانون يقضى بمنع الظهور فى الأماكن العامة بزى يخفى الوجه. وهذه الكتلة هى الثالثة من حيث الحجم فى البرلمان .ويبلغ عدد اعضائها 26 من بين 217 هم اجمالى النواب.
وقد تزامن التقدم بمشروع القانون مع إعلان المنشقين عن «النداء» عن تأسيس حزب جديد باسم «حركة مشروع تونس» .وطالما قال رئيسه «محسن مرزوق» إن حزبه أكثر اخلاصا لقيم الدولة المدنية وللبورقيبية التى تأسس عليها حزب النداء عام 2012 فى مواجهة حكم حزب النهضة الإسلامي. علما بأن «النداء» عاد بعد انتخابات نهاية عام 2014 للتحالف مع النهضة كى يتمكن من ضمان أغلبية برلمانية لحكومته.
لكن دعوات حظر النقاب اكتسبت زخما أبعد من الحياة الحزبية وصراعاتها وانشقاقاتها على وقع الإعلان عن المحاولة الفاشلة لإقامة أمارة داعشية فى بن قردان جنوب تونس هذا الشهر . وتكاد لاتخلو الصحف من أنباء يومية عن المنتقبات وصلتهن بخطر الإرهاب ، وإن كان أى من البيانات الرسمية المشتركة الصادرة عن وزارتى الداخلية والدفاع بشأن ملاحقة الارهابيين لم يؤكد الى حينه تورط منتقبات فى هجمات بن قردان . وكانت جامعة منوبة بضواحى العاصمة قد عرفت عام 2012 اعتصاما للطلبة السلفيين احتجاجا على قرار الجامعة حظر النقاب بها . وتطور الموقف الى اشتباكات وانزل العلم الوطنى ورفع العلم الأسود. و اللافت ان النقاش حول حظر النقاب فى كافة الأماكن العامة بما فى ذلك العمل والمواصلات والشوارع عاد بقوة هذه الأيام بين التونسيين ،حتى إن «المغرب» أكثر الصحف المحلية رصانة اختارت ان تتصدر صورة إمرأة منتقبة صفحتها الأولى ومعها عنوان رئيسى هو :«هل ينبغى منع النقاب فى الفضاء العام ؟». وتلخص الناشطة الحقوقية «غادة الميساوى» جوهر هذا الجدل حين تقول «للأهرام» :من الناحية النظرية فإن النقاب حرية شخصية .وهى حرية تضمنها نصوص الدستور الجديد بعد الثورة للتونسيات والتونسيين كافة . لكن تظل هناك مشكلة أمنية فى ارتداء النقاب . فأى شخص لا أرى وجهه فى هذه الظروف التى تمر بها البلاد يمثل بلاشك تهديدا أمنيا».
تونس عرفت مراسيم رئاسية فى عهدى الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة و الرئيس المخلوع بن على وفى عامى 1986 و 2001 تحظر ارتداء الحجاب لا النقاب وحده فى أماكن العمل العمومية ودور التعليم.لكن ما ان وقعت ثورة 14 يناير 2011 إلا وتغيرت الأمور واصبح حضور المحجبات أمرا عاديا فى المصالح الحكومية وفى شوارع وسط العاصمة بما فى ذلك شارع «الحبيب بورقيية» الذى يحاكى «الشانزلزيه» فى باريس . لكن من النادر ان تصادفك منتقبات هنا.فقط هن يظهرن فى الضواحى والأحياء الشعبية والعشوائية . وهذه المرة فإن المطروح هو حظر النقاب لا الحجاب . والأهم هو أنه قد يجرى بتشريع من البرلمان وبعد نقاش مجتمعى وليس بمرسوم رئاسى أو بقرار لسلطة ادارية . ولم يستبعد النائب «محمد الفاضل بن عمران «رئيس الكتلة البرلمانية لنداء تونس فى تصريحات لـ «الأهرام» موافقة نواب النداء على مشروع قانون حظر النقاب. ويوضح : «هذا المقترح يجب ان نتعامل معه ايجابيا لاعتبارت أمنية .. ولا توجد فروق جوهرية فى التوجهات الايديولوجية والسياسية بيننا وبين كتلة الحرة المنشقة عن النداء فى مثل هذه الأمور». ولكن هل يمثل هذا الموقف إحراجا للتوافق بين النداء والنهضة ؟. هنا يجيب «عمران»: «لم نتحدث معهم بعد بشأن هذا الموضوع . لكن المؤكد اننا سنتشاور معهم .وهناك ضرورات أمنية ونحن فى حالة حرب ضد الارهاب . لكن المشكلة هو كيف نضع صيغة لحظر النقاب لا تتناقض مع احترام الدستور للحريات الشخصية».
والتقت «الأهرام» فى مكتب الكتلة البرلمانية لحزب النهضة (69 نائبا) بالنائبة «محرزية العبيدى» مقررة لجنة المرأة بالبرلمان فرفضت التعليق على مشروع قانون حظر النقاب فى الأماكن العامة .وقالت فى قدر من الارتباك :» الموضوع غير مهم .. ولا اولوية له فى هذا البلد» .
وعندما سئلت هل ستصوت كتلتها البرلمانية مع مشروع القانون أم ضده قالت :«لم نأخذ قرارا بعد . وعندما نبلغ هذه المرحلة سنحدد موقفنا». ويذكر أن لراشد الغنوشى رئيس حزب حركة النهضة تصريحات سابقة بأن النقاب ليس من الاسلام .ومع هذا فإن مراقبين بتونس يرون فى طرح حظر النقاب احراجا للنهضة، خصوصا وانها تتعرض هذه الأيام لحملات اعلامية تحملها مسئولية التساهل مع المتطرفين والارهابيين واطلاقهم من القمقم عندما حكمت بين نهاية عام 2011 و بداية عام 2014 . وقد اضطر العدد الأخير من صحيفة الحزب الأسبوعية «الفجر» الى تخصيص صفحات للرد على ما وصفه العنوان الرئيسى لها بـ «حملات تشويه لحركة النهضة» . كما يرى مراقبون ان للنهضة جمهورها الداعم بين السلفيين من مناصرى ارتداء النقاب . ومع ان «غادة ميساوى» لاتحبذ بأى حال ارتداء النقاب أو الحجاب إلاأنها تقول :«أظن ان هناك نخبة فى هذا البلد تحاول الربط بين الارهاب وبين الاسلاميين والنهضة .وهى تلعب على تنامى خطر الارهاب وضرباته».
رابط دائم: