رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

صياد النسيم

محمد المخزنجي
كمهندس‏,‏ طالما أملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس فإن الله لن يغفر لي مطلقا أن ارفع درجة الحرارة دخل البيت‏17‏ درجة مئوية متعمدا قالها حسن فتحي‏,‏ وقد كانت لديه القدرة والوسيلة كمهندس معماري كبير أن يفعل ذلك في تصميماته وأبنيته‏,‏ وبقدر ما نجح في ترك تراث مبكر التأثير في العمارة البيئية في العالم‏,‏

بقدر ما وضعت في وجهه العراقيل ليفشل لدينا‏,‏ فما بالكم بواحد مثلي‏,‏ ليس مهندسا وليس معماريا كبيرا ولا شهيرا‏,‏ بل مجرد محاسب مهتم بقضايا البيئة‏,‏ قدم ابتكارا يعيد تأهيل تلك المساكن التي ابتلانا بها من لن يسامحهم الله فيها أبدا‏,‏ فهي مساكن تطيح بكل البديهيات التي تخفف الحرارة داخل البيوت في بلدنا الذي صار ويصير حارا أكثر مع الوقت‏,‏ وقد هداني الله للفكرة المنقذة‏,‏ وعكفت علي تأصيلها‏,‏ ونجح نموذجها التجريبي في شقتي القبلية التي تبهظ حرارتها الروح‏,‏ فحولها إلي بحرية ترد الروح‏,‏ لكنها انتكست قبلية من جديد‏,‏ ولسبب شبه هزلي وضعه الواقع أمامي‏,‏ عنوانه دودة بشرية تزحف علي الأرض بسرعة دراجة منطلقة علي الأسفلت‏,‏ ووراءه قرداتي كالح وقرد مقروح وكلب أغبر‏,‏ ومساخر أخري‏,‏ لن تصدقوا؟‏!‏ دعوني إذن أحكي الحكاية‏,‏ علي الأقل لأفضفض‏,‏ فالفضفضة تريح‏..‏ وتروح‏...‏
‏.....................‏
شقتي كانت قبلية‏.‏ قبلية بكل غرفها وصالتها علي واجهة تشويها شمس مسعورة من الشروق حتي الغروب‏.‏ تتحول الواجهة بجدرانها ونوافذها التي من الألومينيوم والزجاج إلي فرن بلا نار‏.‏ فرن يشع حرارة ثقيلة تنتشر وتزهق روح الشقة كلها وروحي‏.‏ وكنت لو فكرت في قليل من الابتراد بفتح النوافذ بعد غروب الشمس عندما تبدأ درجة الحرارة في الانخفاض فإنني لا أهنأ حتي بنصف نسمة‏.‏ يدخل بعوض المساء وذباب النهار والليل وتهجم روائح عوادم السيارات والدراجات النارية وضوضاء محركاتها وزعيق البشر‏.‏ وتتحول شقة العمر التي دفعت فيها كل أملك إلي كابوس في جحيم خانق‏.‏ وكنت قد أعددتها لأتزوج فيها في عمر الثلاثين‏.‏
ماذا كنت أفعل ؟ ظللت ألوم نفسي بلا انقطاع لعدم انتباهي واختيار شقة تكون واجهتها بحرية في بلد تكاد تكون كل مواسمه صيفا‏.‏ موسم طويل حار يبدأ من الثلث الثاني من الربيع ويتقد طوال الصيف ولا يغادر في الخريف بل لا يختفي حتي في الشتاء‏.‏ صيف يستغرق ثلاثة أرباع السنة تقريبا بل العام كله باستثناء أيام نادرة خاطفة تمطر فيها الدنيا أو يزقزق البرد‏.‏ ثم إن أكثر من مليوني سيارة لاتتوقف عن دهس شوارع هذه المدينة المتورمة بلا انقطاع نافثة في صدرها الذي انعدمت رئاته الخضراء غازات عوادمها وحرارة هذه العوادم‏.‏ يسكنها عشرون مليونا يشهقون من صهدها ويزفرون صهدا وينضاف إليهم أكثر من خمسة ملايين يتدفقون عليها كل نهار ولا يغادرون إلا في الليل‏.‏ يشاركون في إحياء مهرجان الصهد المكلل بمئات آلاف أجهزة التكييف التي لا تتوقف كمبروسوراتها عن طحن الهواء لتنفثه باردا داخل البيوت وتخرجه زفرات ساخنة ورطبة تزيد طين التلوث بلة‏.‏ تتحول المدينة إلي جزيرة حرارية جهنمية لا رحمة فيها حتي مع حلول بعض الرحمة في المساء‏.‏ ماذا كنت أفعل؟
عليك بالبلاك آوت‏.‏ سمعت النصيحة وضحيت ببهجة ألوان وزهور الستائر الرقيقة التي انتقيتها خفيفة لطيفة ليضرب فيها ضوء النهار فترسم حديقة منيرة بطول الواجهة وكل النوافذ لتسر قلب من كنت سأختارها زوجة‏.‏ بطنت ستائر الرقة بأثقال قماش البلاك آوت الكتيم فخف الحر قليلا لكن الدنيا صارت عتمة في عز النهار‏.‏ عتمة كانت تشعرني بأنني سجين ومحاصر فتضيف إلي عصبيتي وسوسة مخبولة تجعلني لا أكف عن رفع أذيال الستائر ليدخل ضوء النهار برهة‏.‏ برهة خاطفة أرنو فيها إلي الحياة في الخارج فأندفع لا إراديا وعلي غير طبيعتي في إطلاق سيل من شتائم مقذعة لكل ما أبصره ثم أسدل أذيال الستائر بعنف‏.‏ ولا أكف عن تكرار ذلك لا إراديا‏..‏ حتي خفت أن أجن‏.‏
في ذروة موجة من تلك الموجات الوسواسية رفعت ذيل ستارة البلاك آوت‏.‏ حدقت بغل في وهج ضوء الشمس الحارق خارج الزجاج‏.‏ ومسحت بنظرة حقد طويلة ملامح الشارع المعادي والدنيا المستعرة ومكثت أشتم وأشتم وأشتم وكأنني أتلذذ ببذاءة الشتائم وأنا شبه عار أتصبب عرقا‏.‏ لكنني فجأة سكت‏.‏ ثبتت عيناي علي زاوية رؤية رحت معها أندهش وأنتعش‏.‏ اكتشف كأنما لم أرها من قبل‏:‏ مدخنة مطعم الفلافل في الطابق الأرضي بعمارة قريبة‏!‏ تبرز من جانب واجهة المطعم ثم تصعد فضية لامعة تغلفها رقائق الألومينوم وتواصل صعودها ملتصقة بواجهة البرج السكني حتي تتجاوز سطحه بعد الطابق الخامس عشر‏.‏ كيف غابت عن بصري هذه المدخنة من قبل؟ وكيف تأخرت الفكرة؟ أخذت أقرع نفسي لكن بجذل‏!‏
فكرة فكرة فكرة‏.‏ همست لنفسي متهللا وأنا أودع بنظرات حانية المدخنة الرافلة في البريق الفضي‏.‏ أفلت طرف ستارة البلاك أوت في دورة راقصة فاختفي وهج الضوء الخارجي وعادت العتمة‏.‏ لكنني في هذه العتمة كنت أضيء متوهجا بحماس داخلي لفكرة كأنها هبطت علي مكتملة وراحت تستحوذ علي كياني المأخوذ كله‏.‏ فكرة تتعلق بمسلمة ارتفاع الهواء الساخن وهبوط البارد في كل المداخن لكن بشكل معكوس‏.‏ كيف تكون هناك مدخنة مضادة تستدرج الهواء البارد وتهبط به لتهوية المساكن وتبريدها مع ترك منافذ لطرد الهواء الساخن إلي الخارج وأعلي‏.‏ استشعرت داخلي يقينا مؤكدا في العثور علي مدخنة مضادة من هذا النوع‏.‏ وانتعشت في ذاكرتي أحاسيس الابتراد والطراوة في مناور التهوية وآبار سلالم العمائر القديمة بوسط البلد مهما كان حر الشوارع متقدا‏.‏ عكفت من فوري علي تأصيل حدسي بالقراءة في الهندسة والفيزياء والعمارة لأفهم أسرار حركية الهواء التي تشكل تلك المعارضة البديعة للقيظ‏.‏ لكنني عندما قرأت فصل العمارة والمناخ للعبقري المصري المغدور حسن فتحي في كتابه عمارة الفقراء اكتشفت أنني كان يمكنني اختصار ذلك الكدح الذهني كله والذهاب إلي تجسيد فكرتي مباشرة وبثقة في تنفيذها ونجاح النتائج‏.‏
حكي حسن فتحي عن زيارته لقرية القرنة لأول مرة في منتصف الصيف‏.‏ وكيف أنه اضطر للجوء إلي الظل ليحتمي من الشمس الحارقة فدخل مضيفة قريبة‏.‏ وفوجئ داخل مقصورتها بتيار بارد منعش من الهواء انبري في البحث عن أسراره وتفسيره‏.‏ واكتشف أن هذا التيار كان سببه بناء المقصورة وظهرها إلي الريح الشمالية الباردة‏.‏ وقد فتح بناؤها التقليدي العبقري البسيط للريح فتحات صغيرة في صفين بأعلي الجدار‏.‏ كانت تلك اللمحة تخالف الشائع في التطبيق المعماري الذي يجعل الفتحات الكبري في مواجهة الريح لاصطياد أكبر قدر من الهواء‏.‏ ولأن حسن فتحي كان عالما بصيرا ومتشعب المعارف فقد أدرك أن ذلك الإلهام الموروث يتسق تماما مع مفاهيم ديناميات أو حركية الهواء الحديثة في نظريات الفيزياء‏.‏ حيث أن انسياب الهواء من فوق ومن حول الفتحات الصغيرة كان كفيلا بخلق فارق ضغط بين داخلها وخارجها يشد تيارا هوائيا ثابتا عبر هذه الفتحات ويدفع به إلي داخل المقصورة‏.‏
تكلم حسن فتحي أيضا عن الملقف أو مصيدة الريح‏.‏ ففي بيوت القاهرة القديمة تؤدي وظيفة التهوية في الأبهاء أو القاعات الرئيسية بواسطة تجهيز يدعي الملقف يصطاد الريح القوية النقية بفتحات مواجهة لجهة هبوبها من زواية مناسبة بصرف النظر عن توجيه البيت‏.‏ ويكتمل ذلك الملقف بتصميم خاص للغرفة ليكون مركزها المسمي درقاعة عاليا جدا بما يجذب الهواء الساخن عند القمة فيسهل طرده‏.‏ وكنت وأنا أمعن في قراءة ذلك مشغولا بفكرتي‏:‏ كيف أصنع مصيدة هواء خاصة بي‏.‏ خاصة بشقتي المبنية ضمن ملايين الشقق مثلها بتصميمات رديئة تخفض ارتفاع السقوف فتشل حركة دوران الهواء فيها كما أنها لاتعبأ بتوجيه مناسب كان أبسط البنائين القدامي يعرفونه‏.‏ شقتي وملايين الشقق الحديثة مثلها لم يكن يعبأ مقاولو بنائها وتابعوهم من المهندسين والمصممين إلا بالتوجه نحو الربح‏.‏ الربح الفاحش والبذيء من أبراج سكنية دميمة متلاصقة تسد باب الريح الشمالية الطيبة بمؤخراتها الأسمنتية القبيحة وتفتح باب جهنم للجزر الحرارية التي تشعل حرارة شوارعها بحمي انتشار أجهزة التكييف الأجشة‏.‏
توصلت بعد شهرين من الانهماك الكامل في أعقاب التماع الفكرة برأسي إلي تصميم مدخنتي المضادة‏.‏ ألهمني حسن فتحي بدراسة كثير من ابتكارات التراث المعماري العظيم في البلدان الحارة بمنطقتنا لجعل البيوت أحني علي ساكنيها وأهنأ بالظل والنسيم‏.‏ تأملت المشربيات وشيش النوافذ وباجادير بيوت الخليج القديمة وشراعات البيوت النوبية المزخرفة وشناشيل العراق‏.‏ وصممت بكل ذلك الإلهام مصيدة للهواء تعيد تأهيل شقتي المعاقة هذه ومئات آلاف او ملايين الشقق مثلها‏.‏ سرني أن شقتي في الطابق الثالث بينما العمارة كلها لاتزيد عن خمسة طوابق وارتفاع كل طابق لايزيد تبعا لتسميم لا تصميم أيامنا هذه عن مترين وخمسة وسبعين سنتيمترا‏.‏ والأنبوب الذي فكرت فيه لن يزيد طوله عن عشرة أمتار بقطر نصف المتر‏.‏ يخرج من قمرية أفتحها بمنشار صاروخ في جدار الريسبشن ثم ينحني ليصعد متسلقا واجهة العمارة إلي السطح‏.‏ وعند السطح ينحني أفقيا بزاوية‏90‏ درجة‏.‏ يفتح علي فضاء السطح ببوق واسع كأبواق الجراموفونات القديمة وفوهته مغطاة بما يطابق شيش يحقق أعجوبة الفتحات الصغيرة في استدراج الريح‏.‏ وهذا البوق يسهل تحريكه عنقه بارتكازه علي مجري دائري ليتخذ اتجاه الشمال الغربي‏.‏ الجهة التي يهب منها تيار الهوا البحري الأبرد والأكثر إنعاشا‏.‏ وبالطبع سيكون الأنبوب مغلفا برقائق ورق الألومينيوم ليعكس بريقها المعدني أشعة الشمس فلا يسخن الأنبوب ولا يتلف ابتراد ما يهبط فيه من نسيم أحببت تسميته‏:‏ نسيم الصبا‏.‏ وخطر لي ببهجة غامرة أنه إذا جاءتني بنت من زواجي المرتقب سأسميها صبا‏.‏ وفي غمرة ابتهاجي كنت منشرحا نشوان أناديها وأدللها قبل أن تجيء‏:‏ صبا‏.‏ صبا‏.‏ صبا‏!‏
ومنشرحا نشوان رحت أضيف إلي ابتكاري غطاء شبكة دقيقة وغير معيقة علي مدخل الهواء البارد في الشقة تمنع دخول الحشرات وفوقها غطاء قمرية جميل‏.‏ بل قمريتان لاواحدة قلتها لنفسي بصوت مسموع مستدركا ومستنكرا نسياني لأمر بديهي إلي هذا الحد‏.‏ لابد من فتح قمرية ثانية تناظر قمرية فتحة أنبوب نسيم الصبا وتكون أعلي منها لإخراج الهواء الساخن وتدعيم دوران الهواء وتجديده في الشقة‏.‏ وسأغطي قمرية فتحة دخول النسيم بباب لطيف مستدير من الحديد المشغول تتوسطه عبارة شباك النسيم بخط فني جميل وسط شبكة من أغصان مورقة ويطلي بأزرق فيروزي فاتح بنكهة ألوان الباستل المفرحة‏..‏ وبنكهة ألوان الباستل المفرحة أيضا وإن ببرتقالي فاتح يكون طلاء غطاء الحديد المشغول لقمرية خروج الهواء الساخن التي لم أعثر لها علي تسمية‏.‏
كنسيم الصبا راحت أفكار الابتكار تتجسد بسلاسة ولطف بالغين وفي زمن قياسي‏.‏ استغرق التنفيذ شهرين وحتي مشارفة الابتكار وتجهيزاته علي الاكتمال لم أكن توصلت لتسمية أراها لائقة به‏.‏ كنت مصرا علي تنفيذ الجهاز في ورش الخراطة وأعمال المعادن بحي الحسينية في مدينة نشأتي وزهرة عمري المنصورة‏.‏ المدينة الجميلة التي غادرتها فلم تغادرني‏.‏ ولا تزال تسكن روحي برغم ما لحق بها وبي من تغيرات‏.‏ ظلت ولاتزال داخلي بتذكارات كورنيشها البديع ونيلها وفلايك الفسحة وممشي جسرها العتيق ومقاهي الضفتين النظيفة الأنيقة وجميلات صباياها اللائي كن يخطرن عطرا وألقا علي حواف القلوب‏.‏ وكانت تهب علي وأنا أقلب ذكريات المنصورة في نفسي نسائم غامضة تنعش الروح وكأنها قادمة من مكان وزمان بعيدين وقريبين في آن‏.‏ وطلبت من اسطوات ورشة الصاج في المنصورة أن يدمغوا حافة بوق النموذج الأول من جهازي بحروف كبيرة غائرة وواضحة‏:‏ صياد نسيم المنصورة‏.....................‏
نجاح لايصدق‏.‏ ثمة من نصحني بتسجيل براءة اختراع تحفظ لي حقوق الملكيه الفكرية و تدر علي الكثير من المال والشهرة لكنني اكتفيت بأن أكون رائدا للفكرة وأول من يشمله نسيم صباها لطيف الابتراد‏.‏ أول شقة قبلية خانقة يعاد تأهيلها لتصير بحرية دون أي تعديلات معمارية ودون استهلاك أية طاقة‏.‏ صارت شقتي مزارا يؤمه عند العصاري مهندسون معماريون واصحاب مكاتب ديكور وباحثون في شئون البيئة وكثرة ممن يعانون حرارة بيوتهم ذات الواجهات القبلية وغير القبلية‏.‏ أذهلهم شلال نسائم الهوا البحري المنساب من الأنبوب والمتدفق من شباك النسيم‏.‏ أكدوا متحمسين أنهم سيحولون مساكنهم إلي بحرية الهوا علي غرار شقتي المكيفة بلطف دون مراوح تئز ولا أجهزة تكييف تطن‏.‏ لكن كل ذلك الحماس الذي لمسته لدي من عاينوا أعجوبتي لم يتحول إلي تنفيذ فعلي‏.‏ ولا تفسير لدي إلا أنه كان ولايزال استسهال تركيب أجهزة التكييف والطمع في ابتراد أزيد دون حساب للأعباء البيئية والاقتصادية والعواقب علي الصحة‏.‏ ولم يحبطني ذلك‏.‏
كنت مشبعا برضا الحصول علي هذا القدر من النسائم النقية دون أعباء ولا عواقب‏.‏ وكنت أراهن علي الأفهام والمستقبل‏.‏ صارت الشقة بحرية برغم ابتعادها عن البحر بثلاثمائة كيلومترا وطابت لي أماسيها في عز صهد الصيف‏.‏ بات نعاسي فيها أسرع وأنعم وأعمق دون ضوضاء تكييف أو أزيز مروحة أو ضجة وتلوث هواء شارع تنفتح عليه النوافذ حتي لو كانت بحرية الاتجاه‏.‏ وكان صياد نسيم المنصورة لايصطاد لي نسيم الصبا وحده بل يصطاد لي مع النسيم أحلاما ناعمة توشي نومي الذي صار نعيما‏.‏ وعادت لي هبة كنت أملكها من أيام الطفولة والصبا في المنصورة أستطيع بها أن أشكل أحلام نومي علي ما أحب وأهوي‏.‏ كانت أحلام نسيم المنصورة متعة‏.‏ وصارت أحلام صياد نسيم المنصورة متعة أيضا وإن بغير ما كان من سخاء‏.‏ لكن النعمة لاتدوم‏!‏ وكيف كانت تدوم داخل فقاعة نقاء ورحمة تضطرب علي موج محيط هائج ملوث؟‏..‏
‏.................................‏
بعد شهر واحد من ربيع الشقة الاستثنائي تسلل إلي في قلب فقاعة نسيم الصبا عوضا عن الحلم كابوس‏.‏ كابوس مفزع‏.‏ رأيت أفعي أناكوندا عملاقة تهبط من شباك النسيم‏.‏ دفعت غطاء الحديد المشغول ذا اللون السماوي الفاتح وانزلقت بكامل طولها إلي أرض الريسبشن وراحت تتجه نحوي‏.‏ جسمها الاسطواني العضلي المخيف راح يشع بالقدرة المرعبة علي الالتفاف والاعتصار‏.‏ عيونها ثابتة التحديق جمدتني رعبا وتثاؤب أشداقها أرعش جلدي بشعور من يتم ابتلاعه‏.‏ أخذت أتراجع بظهري أمامها من الريسبشن إلي الردهة إلي غرفة النوم وهي تزحف نحوي ببطء ثقيل قاتم وقاتل‏.‏ وفي الركن حاصرتني وما أن أحسست بجلدها المحرشف الزلق يلمسني حتي صرخت‏.‏ وعلي صوت صرختي استيقظت فسمعت قرقعة تأتي من جهة شباك النسيم‏.‏
‏........................................................‏
البقية الاسبوع القادم

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق