تعد جزيرة تيران التي تقع علي المدخل الجنوبي لخليج العقبة والتي تصل مساحتها لحوالي32 كم ذات أهمية إستراتيجية للدول المطلة علي الخليج, حيث تشرف علي مضيق تيران المتحكم في الملاحة البحرية بالخليج, ويعتبر القطاع الجنوبي للجزيرة حائطا جبليا مرتفعا في اتجاه البحر.
وهي محاطة بحزام من الشعب المرجانية, ورغم تقسيم جزيرتي تيران وصنافير الحركة في الخليج إلي ثلاثة ممرات مائية, فإن الممر الوحيد الصالح للملاحة هو المحصور بين جزيرة تيران وساحل شبه جزيرة سيناء بعرض حوالي ستة كيلومترات, ومن ثم فان السيطرة عليها تعزز من القدرة علي تأمين هذا الشريان الملاحي الذي يعد المنفذ الوحيد لميناءي إيلات والعقبة, في حين تستخدم الزوارق الخفيفة لاسرائيل والأردن الممرات القريبة من الساحل السعودي في بعض الأنشطة السياحية والعلمية لقياس تأثيرات التيارات المائية في تلك المناطق علي حياة الشعاب المرجانية.
وقد شكلت جزيرة تيران أحد محاور إدارة الأزمة بين مصر وإسرائيل منذ إقامة الدولة عام1948 نتيجة محاولات العصابات اليهودية المسلحة( أرجون شتيرن) لاحتلالها مما دفع الملك عبد العزيز آل سعود عام1950 لطلب توفير حماية لجزيرتي تيران وصنافير من الملك فاروق, لاسيما مع رفض الجانب العربي للقرار رقم182 لعام1948 بخصوص تقسيم أرض فلسطين لدولتين عربية ويهودية من ناحية, واستيلاء المنظمات اليهودية علي قرية أم الرشراش( مدينة إيلات حاليا) في19 مارس1949, حيث تم تفعيل هذا الرفض بمنع السفن التي تحمل علم إسرائيل أو المتوجهة الي ميناء ايلات من عبور المضيق, مع تفتيش السفن الأمريكية والأوروبية المتوجهة الي اسرائيل, الأمر الذي اتخذته اسرائيل ذريعة لحشد تأييد كل من بريطانيا وفرنسا للقيام بعمليه هجومية علي مصر عام1956 في أعقاب قرارها بتأميم قناة السويس.انتهت أزمة السويس باندحار العدوان الثلاثي وانسحاب القوات المعتدية مع التوافق علي وجود وحدات رمزية للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية علي الحدود ونقطة مراقبة دولية بجزيرة تيران لضمان حرية الملاحة في خليج العقبة حتي جاء القرار المصري بطلب مغادرة القوات الأجنبية من سيناء وإغلاق مضيق تيران في وجه الملاحة الاسرائيلية الأمر الذي اعتبرته إسرائيل بمثابة إعلان حرب عليها فقامت بالتنسيق مع الولايات المتحدة بإعداد خطة خداع لتضليل الاتحاد السوفييتي وشن حرب علي الجبهتين المصرية والسورية عام1967 أسفرت عن احتلال كل من سيناء والجولان وقطاع غزة والقدس, مع وضع قوة عسكرية علي الجزيرة لتأمين حركة السفن إلي ميناء إيلات.وعقب إنتصارات أكتوبر المجيدة ومحادثات السلام المضنية مع إسرائيل وافقت الأخيرة علي الانسحاب من كافة الأراضي التي احتلتها في عام1967 تنفيذا للقرار242 الصادر في22 نوفمبر من نفس العام, إلا أن المفاوض الإسرائيلي أصر علي صياغة بند في الإتفاق ينص علي ترتيبات أمن علي جانبي الحدود المصرية/ الاسرائيلية, ويقضي بتقسيم سيناء طوليا الي منطقة( أ) ويوجد بها وحدات من الجيش, ومنطقة( ب) وتحتوي علي وحدات من حرس الحدود, ومنطقة( ج) ويكتفي فيها بوجود قوات من الشرطة والأمن المركزي, إضافة إلي بند آخر يؤكد أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية لكافة الدول دون عائق أو تقييد لحرية الملاحة أو العبور الجوي, وفي إطار تلك الترتيبات أتفق علي السماح بوجود قوات متعددة الجنسياتMFO لمراقبة مدي التزام كل طرف ببنود وأحكام الإتفاقية, توجد بمقتضاها قوة صغيرة علي جزيرة تيران وهي القوة الموجودة حتي الآن إلي جانب قوة شرطة مصرية بإعتبار تلك الجزيرة مصنفة ضمن المنطقة( ج) لتسهيل عودتها للسيادة المصرية.وتشير الدراسات الأولية التي وضعتها المكاتب الإستشارية المصرية واليابانية التي أشرفت علي تنفيذ كوبري السلام المعلق فوق قناة السويس وكذا المجموعات الإستشارية التي نفذت جسر الملك/ فهد لربط السعودية والبحرين إلي الجدوي الإقتصادية الكبيرة من إنشاء جسر الملك/ سالمان, والذي يبدأ من مدينة رأس نصراني القريبة من شرم الشيخ ويصل إلي منطقة رأس الشيخ حميد شمال منطقة تبوك السعودية مرورا بجزيرة تيران وبإجمالي طرق يصل طولها لحوالي50 كم, حيث أبدت بعض الشركات العالمية رغبتها في تمويل إنشائه التي تبلغ نحو ثلاثة مليارات دولار وتستغرق ثلاث سنوات بنظامPTO نظرا لقدرتها علي استرداد تكلفة المشروع بعد خمس سنوات من بدء التشغيل وهو مايمثل حافزا جيدا للشركات متعددة الجنسيات للقيام بتنفيذه, في ضوء عدم اقتصاره علي نقل حركة السفر بين البلدين, وإنما سيشكل شريانا تجاريا عالميا لنقل حركة التجارة بين الشرق والغرب, مع استخدام جسم الجسر وشبكة أنابيب النفط العملاقة في كل من مصر والسعودية لنقل صادرات النفط والغاز من دول الخليج الي أوروبا في فترة زمنية قصيرة, ومن ثم تأمين استمرار تدفق النفط للأسواق الأوروبية بأسعار ملائمة, إضافة الي المتحصلات من رسوم عبور الحجاج والعمالة المصرية بالخليج والتي ستفضل الطريق البري الآمن للتحرك بين مصر والسعودية.وتحتل جزيرة تيران أهمية خاصة في الخطط العسكرية الإسرائيلية لتأمين مصالحها الحيوية في البحر الأحمر وخليج العقبة, وهو ما دفع قيادات المؤسستين الأمنية و العسكرية لدراسة التأثيرات المحتملة لنقل السيادة علي الجزيرتين للسعودية, سواء فيما يتعلق بالالتزامات التي رتبتها معاهدة السلام علي مصر, أو فيما يتعلق بحماية حرية الملاحة في مضيق تيران وحركة الزوارق الخفيفة عبر باقي الممرات المائية التي تربط الخليج بالبحر الأحمر, لاسيما مع قلق الحكومة الإسرائيلية من مخاطر إنشاء جسر الملك/ سالمان بن عبد العزيز علي الأمن القومي الإسرائيلي, بدعوي تسهيل انتقال العناصر الإرهابية إلي سيناء ومنها إلي إسرائيل, وكذا تداعياته السلبية علي مصالحها الحيوية نظرا للخسائر التي ستلحق بالاقتصاد الإسرائيلي نتيجة تراجع دور ميناء إيلات في حركة التبادل التجاري بين الشرق والغرب. ولذا فقد حرص الجانب المصري علي فتح قنوات اتصال مع الحكومة الإسرائيلية خلال الشهرين الماضيين لتأكيد احترام السعودية للإلتزاماتالتي رتبتها المعاهدة علي الجزيرتين بما في ذلك استمرار وجود قوةMFO علي جزيرة تيران لضمان حرية الملاحة وعدم إستخدامها للأغراض العسكرية, وبما ساعد علي إحتواء ردود الفعل الرسمية الإسرائيلية, وكسب مساندة نيتانياهو لاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية, إرتباطا بعدم مساسها ببنود وأحكام معاهدة السلام مع إسرائيل, حيث إقتصر التناول الإعلامي لبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية علي عدم وضوح الإتفاقية, في حين تجاهل الإجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء يوم2016/4/10 التعبير عن أية مواقف من جانب الحكومة الاسرائيلية بشكل رسمي لحين دراسة كافة أبعاد الاتفاقية تمهيدا للعرض علي الكنيست الاسرائيلي لأخذ الموافقة عليها باعتبارها تعديلا لمعاهدة السلام, لاسيما مع تمسك السعودية بعدم الدخول في أية محادثات مباشرة مع إسرائيل لحين إيجاد حل عادل ودائم للنزاع العربي الاسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

جزيرتى تيران وصنافير
وقد تزامنت الحملة التي نظمتها بعض الصحف الإسرائيلية المغرضة لانتقاد اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية مع دعاية سوداء قادتها شخصيات مصرية من مدعي الثقافة والوطنية, ومواقع الكترونية وجماعات مأجورة لتضليل الرأي العام المصري وإفساد الإيجابيات التي حققتها زيارة العاهل السعودي الملك/ سالمان بن عبد العزيز لمصر وتصوير المشروعات المرتبطة بإقامة جسر يربط بين الأراضي المصرية والسعودية علي أنه تفريط في السيادة المصرية علي جزيرتي تيران وصنافير, وبما يؤكد النوايا الخبيثة لتلك التيارات التي تحاول زعزعة حالة الاستقرار النسبي التي تشهدها البلاد, وذلك في إطار المخططات الموجهة والممولة من الخارج لخدمة أجندات غير وطنية مصرية.لا يمكن لأي عاقل رشيد أن يصدق الإدعاءات التي تشكك في وطنية وولاء وانتماء القيادات السياسية المصرية التي أعلنت وقوع الجزيرتين في المياه الإقليمية السعودية, أو تصوير الأمر علي أنه صفقة بين الجانبين المصري والسعودي, كما لا يقبل أية محاولات للتقليل من حرفية ومهنية الوفد المصري المشارك في محادثات ترسيم الحدود البحرية والذي يضم العشرات من القيادات والكوادر الفنية والقانونية المدنية والعسكرية والتي تمتلك خبرات أهلتها من قبل لإستعادة مثلث حدودي صغير لايتجاوز كيلومترا واحدا في طابا وواصلت كفاحها في مواجهة الجانب الإسرائيلي من25 ابريل1982 حتي19 مارس1989 لتحرير كافة الأراضي المصرية المحتلة عام1967 حتي آخر حفنة رمل من أرض الوطن, وقد كان الدكتور/ مفيد شهاب علي رأس القيادات القانونية التي عملت في هذين الملفين الحساسين لمساسهما بسيادة مصر علي أراضيها. ولكن يؤخذ علي الحكومة المصرية تجاهلها للرأي العام وعدم تهيئته لمثل هذه التطورات, والتسويق السياسي لمفاوضات ترسيم الحدود مع الجانب السعودي, وبما أدي إلي ترك الشعب المصري فريسة لمحاولات القوي المناوئة لثورة30 يونيو وعلي رأسها الكتائب الألكترونية لتنظيم الإخوان الإرهابي التي نشرت سمومها داخل أوساط الشباب لتفتيت تماسك الجبهة الداخلية وتمزيق نسيج المجتمع المصري وزرع الشك في نفوس المصريين تجاه قيادتهم السياسية, الأمر الذي يرتبط في تقديري بعدم إدراك الحكومات المتعاقبة لأهمية الجانب الإعلامي في إدارة الأزمات التي تواجه المجتمع المصري منذ بداية الثورة, وبما جعل من مشكلة السيادة علي الجزيرة أزمة داخلية تضاف إلي الأزمات التي افتعلتها اسرائيل لمصر.وبالنظر إلي ما أثبتته الممارسات المصرية من مصداقية في ترسيخ لمعاهدة السلام مع إسرائيل, وكذا جدية في مكافحة التنظيمات الإرهابية التي إستغلت حالة الفراغ الأمني في المنطقة( ج) لتعزيز وجودها في سيناء وبناء شبكة من الأنفاق الحدودية لتهريب السلاح والمخدرات والبشر والإرهابيين عبر الحدود المصرية مع كل من إسرائيل وقطاع غزة, فإن معطيات الأوضاع السائدة حاليا تتطلب تنسيقا مع إسرائيل لتطوير بروتوكول الترتيبات الأمنية بمعاهدة السلام لتعزيز الوجود العسكري في المنطقة( ج) لتمكين السلطات المصرية من تأمين كل من الحدود مع إسرائيل والممر الملاحي في مضيق تيران, لاسيما مع حاجة المشروعات المستقبلية لقوات عسكرية قادرة علي حماية الاستثمارات العملاقة التي ستضخ فيها, مع إعادة النظر في مدي جدوي الإنفاق العسكري علي مواصلة الاعتماد علي قوةMFO في ضوء استقرار معاهدة السلام لأكثر من خمسة وثلاثين عاما, ووجود صعوبات في توفير التمويل اللازم لعملها, فضلا عن العمل علي تقويض محاولات اليمين الصهيوني عرقلة خطط مصر لتحقيق التنمية الشاملة في سيناء, والتأثير بالسلب علي التقارب المصري السعودي, بالتوازي مع ضرورة التفكير بجدية في إحياء مبادرة السلام العربية وفق أسس وقواعد تراعي متغيرات الأوضاع الإقليمية نتيجة ما يعرف بثورات الربيع العربي.
لواء/ محمد عبد المقصود - مدير وحدة الدراسات الإسرائيلية/ الفلسطيينة- زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رابط دائم: